فايننشال تايمز: ماذا وراء التنافس الخليجي- الخليجي على الرياضة؟ تبييض للصورة أم حرب أخرى بالوكالة؟
التغيير
في تحقيق طويل أعده أندرو إنغلاند ومراد أحمد، تساءلا عن السبب الذي يدعو دول الخليج للمراهنة على الرياضة، حيث تنفق السعودية والإمارات وقطر أموالا كبيرة في هذا المجال، إلا أن هذا فتح الباب أمام مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في هذه البلدان.وفي البداية تحدثا عن زيارة إيدي هيرن المشرف على الترويج لنزال الثأر بين الملاكم البريطاني أنطوني جوشوا والمكسيكي أندي رويز جونيور، في الدرعية بالسعودية، والمقرر في السابع من كانون الأول/ ديسمبر.
وظهر هيرن مع جوشوا ورويز في مؤتمر صحافي “مؤدب” خلا من الشتائم والتحدي الذي يسبق مباريات الملاكمة في العادة. وفي ظل البيوت الطينية التي كانت مهد آل سعود في الماضي، علق هيرن: “أحيانا ما تكون الرياضة عندنا ضيقة الأفق”، مضيفا: “هناك لاس فيغاس وهناك نيويورك وهناك لندن لكن هناك العالم كله، والآن هناك السعودية للملاكمة”، واعترف أن السعودية قد تكون “وجهة غريبة” للرياض العالمية، إلا أنه توقع أن يكون النزال المقبل بالدرعية “نزال الكثبان” تاريخيا مثل “قعقعة في الغابة” بين محمد علي كلاي وجورج فورمان أو “ثريلا مانيلا” بين كلاي وجوي فريزر.
وأنفقت السعودية 50 مليون دولار لاستقبال النزال، ورياضة الملاكمة هي من المنابر الأخيرة التي يحاول من خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إظهار القوة المالية للمملكة، وتغيير المفاهيم عنها خاصة تلك المتعلقة بالمجتمع المحافظ المنغلق فيها، وكل هذا جزء من رؤية 2030. والرياض هي العاصمة الثالثة التي تحاول استخدام الرياضة، فهي تسير على خطى الدوحة وأبو ظبي اللتين استثمرتا المليارات لكي تصبحا ميدانا للرياضة الدولية. وهو توجه أدى لهزات في عالم الرياضة الدولية، حيث تقوم الملكيات المطلقة في الخليج برش أموال النفط لجذب نجوم الرياضة ومناسباتها.
وبدا أثرها واضحا في قرار منح قطر فرصة استضافة مونديال 2022، إلى مئات الملايين من الدولارات التي أنفقتها قطر والإمارات على تحويل نواد مثل مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان، والأموال الضخمة التي أنفقت على نقل اللاعبين وشرائهم في الدوريين الإنكليزي والفرنسي.
ولم تكن رياضة كرة القدم هي المجال الوحيد للنفقات العالية، بل أنفقت هذه الدول المال على استضافة سباقات السيارات والتنس والغولف والآن رياضة الملاكمة. كل هذا أدى لتذمر البعض من أن القوة المالية لدول الخليج تقوم بتشويه الأسواق الرياضية، فيما يتهم المدافعون عن حقوق الإنسان الأنظمة المستبدة في هذه البلدان باستخدام الماركات الرياضية لحرف النظر عن سجلات حقوق الإنسان الفقيرة. فنزال جوشوا- رويز هو محاولة يائسة من السعودية لإصلاح الصورة المشوهة بعد عام من مقتل الصحافي جمال خاشقجي.ويرى البروفيسور سايمون تشادويك، أستاذ المشاريع التجارية بكلية الاقتصاد في جامعة سالفورد، أن الظاهرة الخليجية تغير صناعة الرياضة الدولية “بشكل ملموس وغير ملموس”، وأضاف أن “هذا أدى لتغير وجه الرياضة في العالم” و”هناك توقعات بأن المنطقة ستكون مصدرا للموارد مما زاد التوقعات حول من يقوم بطرح العطاء وتنظيم المناسبة”. وزاد دخول السعودية -التي تعد أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وأكثر دول الخليج من ناحية التعداد السكاني- التوقعات.ويقول الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل، رئيس الهيئة العامة للرياضة: “السماء هي الحد بالنسبة لنا لأن رؤية 2030 أقرت باستضافة أحسن المنافسات الرياضية والترويج للسعودية من ناحية السياحة واستخدام الرياضة والترفيه كوسيلة”. فبعد نزال جوشوا- رويز في الملعب الرياضي الذي يستوعب 20.000 مشاهد، حيث تباع التذكرة في المقاعد الأمامية بـ13.000 دولار، ستستضيف الدرعية مباريات تنس بـ3 ملايين دولار يلعب فيها أفضل 8 لاعبي تنس على وجه البسيطة.
وفي كانون الثاني/ يناير، ستستضيف السعودية رالي باريس- دكار. وفي نفس الشهر ستلعب الفرق الإسبانية بما فيها برشلونة وريال مدريد في كأس السوبر بمدينة جدة. وسيحصل اتحاد الكرة الإسباني من المباريات على 35-40 مليون يورو، فيما انتشرت شائعات حول رغبة محمد بن سلمان بشراء نادي مانشستر يونايتد الإنكليزي. وهناك “فورميولا إي”، وكأس السوبر الإيطالي، ومباريات الغولف الأوروبي، وأول سباق دراجات. وفي شباط/ فبراير، هناك الكأس السعودي في أغلى سباق خيول قيمة الجوائز فيه 20 مليون دولار. ويرى الأمير عبد العزيز أن استضافة المناسبات الرياضية من كل الأنواع هو محاولة لجعل المملكة مركزا للرياضة في المنطقة.ويقول المسؤولون في دول الخليج الغنية إن الاستثمار في الرياضة هو جزء من محاولات تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط وزيادة السياحة. وتنفق قطر 200 مليار دولار على البنى التحتية استعدادا لكأس العالم، فيما يعتبر طريق سباق فورميولا وان سببا لإنفاق 40 مليار دولار من أجل تطوير جزيرة ياس الإماراتية.
وفي الوقت الذي تحاول فيه السعودية اللحاق بقطر والإمارات، فهي تخطط لضخ مليارات الدولارات في مجمع القدية الرياضي الترفيهي قرب الرياض، والذي سيكون على شكل مدينة أولمبية. ويعتبر تطوير الرياضة جزءا مهما لخلق خيارات للجيل الشاب وزيادة نسبة المشاركة بالرياضة في بلد يعاني من أعلى نسبة سمنة في العالم. ورغم أن الشباب يمثلون الغالبية في المملكة، إلا أن هناك دوافع أخرى للاهتمام بالرياضة يتحدث عنها الخبراء أو ما يطلقون عليه “التبييض الرياضي” وتحسين صورة السعودية في ظل السجل الفقير لحقوق الإنسان، وهي نفس الشكاوى بشأن الإمارات والبحرين التي تستضيف سباقات “فورميولا وان غراند بري”.ورغم ما تم تحقيقه من إصلاحات اجتماعية، إلا أن الناشطين السعوديين قالوا إن بلدهم أصبح أكثر ديكتاتورية في ظل محمد بن سلمان. وأشاروا إلى مقتل خاشقجي وسجن الناشطين والمدونين ورجال الأعمال وعلماء الدين والناشطات. وتقول منظمة “القسط” في لندن والتي تراقب أوضاع حقوق الإنسان في السعودية: “يحاولون التغطية على انتهاكاتهم عبر عقد مناسبات رياضية وعروض يدعمها رجال الأعمال والسياسيون ورموز الرياضة من حول العالم ممن لا يعرفون شيئا عن تدهور أوضاع حقوق الإنسان في السعودية”.
ويقول تشادويك إن الكثير من رموز الرياضة ابتعدوا عن السعودية بعد جريمة قتل خاشقجي ولكن سحر المال انتصر على السمعة و”أحس أن الناس بدأوا بالعودة للساحة السعودية”. وبالنسبة لدول الخليج التي تنافست على استضافة المناسبات الرياضية كانت بمثابة دعوة للتركيز على سجلها في حقوق الإنسان. فقطر التي حصلت على حق استضافة 2022 وجدت نفسها أمام اتهامات بالحصول على الاستضافة عبر الفساد وهو ما تنفيه الدوحة. كما أن معاملتها للعاملين في مراكز البناء كانت محلا للنقد وكذا موقفها من المثليين.
وعندما استضافت قطر بطولة العالم لألعاب القوى، حيث لم يكن الحضور في الملاعب كبيرا، وصف شخص مقرب من بطولة كأس العالم الصور بأنها “كارثة”. وفي الوقت الذي حصل فيه كل من مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان على الكؤوس وفازا بالبطولات، إلا أنهما كانا محلا للتدقيق من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” بتهم خرق قواعد النزاهة المالية في اللعب. وهي قواعد تحاول منع الإنفاق الكبير على اللاعبين.
وفي الوقت الذي أكدت فيه أبو ظبي أن شراء نادي مانشستر سيتي في عام 2008 هو بمثابة استثمار للشيخ منصور بن زايد، نائب رئيس الوزراء، إلا أن النادي أصبح مرتبطا بطريقة غير منفصلة عنها، فمدير النادي خلدون المبارك هو مسؤول بارز، والداعم الرئيسي له شركة طيران الاتحاد. وتوسع المشروع حيث حصلت “سيتي فوتبول غروب” التي أنشئت عام 2013 وتبلغ قيمتها 3 مليارات دولار، على نوادٍ شقيقة في نيويورك وميلبورن وحصص صغيرة في نواد إسبانية ويابانية وصينية وفي الأورغواي.
وفي ذات السياق، اشترت قطر نادي باريس سان جيرمان وأنفقت عليه مئات الملايين، ودفع الجانب الفرنسي رقما خياليا لشراء اللاعب البرازيلي نيمار بـ222 مليون دولار. ويدير النادي الشيخ ناصر الخليفي، لاعب التنس السابق، بالإضافة لرئاسته هيئة الاستثمار الرياضية القطرية، وشبكة “بي إن” الإعلامية، إلا أنه تعرض للتحقيق في فرنسا بتهم تقديم رشاوى ينكرها.
ورغم الجدل حول علاقة دول الخليج بالرياضة، إلا أن نيكولاي ماغيهان، الناشط في حقوق الإنسان ومؤسس “فير/ سكوير” للبحث، يرى أن القوة الناعمة نجحت “فمع كل غضب يظهره الليبراليون الغربيون ممن يعارضون مشاركتهم، هناك ألف طفل يركضون وهم يرتدون قمصانا حقيقية أو مزيفة مكتوب عليها قطر”.
ويؤكد حسن الذوادي، رئيس اللجنة العليا لقطر 2022، أن استضافة قطر لبطولة كأس العالم، رغم كل الجدل حول معاملة العمال، إلا أنها كانت حافزا لتطوير الرياضة المحلية وزيادة صناعة الضيافة والتغير الاجتماعي. وقال: “كل دولة تستضيف مباريات كبرى تمر بهذه المراحل، وهو عبارة عن تعميد بالنار”، مؤكدا أن بلاده واصلت عملها وتقبلت النقد البناء وغيّرت. وأشار إلى وجود “دوافع خفية” وراء النقد مثل التنافس الإقليمي.ويرى محللون أن صفقة نيمار منتصف عام 2017 كانت رسالة من قطر لدول الحصار أنها لم تتأثر. ويرى شخص على علاقة بشراء باريس سان جيرمان أن قطر كانت مدفوعة ببناء تحالفات دولية وحماية إن احتاجتها من جيرانها الكبار.
وقال: “عليك قراءة ملكية قطر لباريس سان جيرمان كسياسة”. وأصبح التنافس الرياضي واضحا في المعركة على حقوق البث، فقطر تنفق 10 مليارات دولار تقريبا للحصول على حقوق البث الحصري من خلال قناة “بي إن” واتهمت السعودية بالقرصنة على حقوقها من خلال قناة “بي أوت كيو” وهو ما تنفيه السعودية، ولكن قطر اتهمتها “بسرقة واسعة”.
وكانت المملكة أكبر سوق لـ”بي إن”، وستحاول الآن المراهنة على الحقوق مما يعني زيادة التنافس الإقليمي. و”هو أمر نعمل عليه” كما يقول الأمير عبد العزيز.
وتطالب قطر السعودية بمليار دولار كتعويض عن الخسائر التي تكبدتها جراء القرصنة. ويعلق ماكغيهان أن الخلاف يظهر أن محاولة “التخريب” من الأطراف تظل عائقا أمام النجاح، و”ما تراه هو حرب بالوكالة حيث تم نقل المعركة بين تلك الأطراف إلى ساحة الرياضة”.
ارسال التعليق