فضيحة آل سعود... بمحاولتهم سرقة الانتصار الفلسطيني في القدس!!
لا يمكن لأي مراقب أو متابع للأحداث التي شهدتها القدس، ابتداءاً من العملية الاستشهادية الجريئة، وحتى رضوخ رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لمطالب الفلسطينيين في القدس والبلدات الفلسطينية الأخرى، لا يمكن لأي مراقب أو متابع لهذه الأحداث التي شهدت وقفة بطولية لأبناء الشعب الفلسطيني بوجه آلة الاحتلال الحربية بصدور عارية غير آبهين بسقوط الشهداء والجرحى برصاص الغدر الصهيوني، إلّا أن يقرَّ بأن موافقة نتنياهو على إزالة البوابات الالكترونية عن مداخل المسجد الأقصى الشريف هي إنحناء أمام هذه الوقفة الجهادية البطولية لأبناء الشعب الفلسطيني سيما المقدسيين منهم، فهذه الوقفة وما أنطوت عليه من تحدي للعدو، ومن استعداد للتضحية بالنفوس وبالغالي والنفيس هي التي أرغمت القيادة الصهيونية على التراجع وعلى الهزيمة وبذلّة أمام هذه الجموع التي وضعت أرواحها على الأكف وانطلقت تدافع عن قدسها ومقدساتها، بدون كلل وملل، مستقبلة الموت برحابة صدر وانشراح للشهادة دفاعاً عن ثالث الحرمين وقبلة المسلمين الأولى، ولقد اعترف الصهاينة أنفسهم كما سنرى لاحقاً بإذن الله أنهم أجبروا على الهزيمة أمام الفلسطينيين خوفاً ليس من اشتعال الانتفاضة الثالثة في فلسطين وحسب، وإنما من ان تجر إلى تحرك جماهيري في عموم البلدان العربية والإسلامية، والذي يمكن أن يجرف معه أنظمة عربية وإسلامية تشكل حارساً ومدافعاً للكيان الصهيوني، مثل النظام السعودي.
غير أن المثير حقاً هو مسارعة النظام السعودي إلى مصادرة هذه الانتصار ومحاولة تجييره له، في سابقة تؤشر إلى فجور هذا النظام ونفاقه وكذبه، ففي هذا السياق أصدر الديوان الملكي السعودي يوم الخميس الماضي 27/7/2017 بياناً رسمياً عممته وكالة الأنباء السعودية، إدعى فيه أن جهود العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز تكللت بالنجاح اليوم لإعادة فتح المسجد الأقصى وإلغاء لقيود المفروضة على الدخول إليه!! وجاء هذا البيان بعد ساعات من إعلان الكيان الصهيوني أن قواته أزالت في ساعات الليل كافة التدابير الأمنية التي تم وضعها على مداخل المسجد الأقصى منذ14 تموز الماضي بعد قيام ثلاثة شبان من مدينة أم الفحم بتنفيذ عملية استشهادية في الحرم القدس الشريف أدت إلى مقتل شرطيين صهيونيين واستشهاد الشبان الثلاثة بنيران قوات أمن الاحتلال.وقال الديوان الملكي السعودي في بيانه، أن الملك سلمان أجرى خلال الأيام الماضية الاتصالات بالحكومة الأمريكية، لبذل مساعيها لعدم استمرار إغلاق المسجد الأقصى في وجه المسلمين وعدم منعهم من أداء فرائضهم وصلواتهم فيه، وإلغاء القيود المفروضة على الدخول للمسجد!! ومضى البيان السعودي يسوق الأكاذيب والادعاءات الفارغة، وينسب للملك إنجازات لم يساهم في تحقيقها بمقدار الذرة، قائلاً: " أكد الملك سلمان على وجوب عودة الهدوء في حرم المسجد الأقصى الشريف وما حوله واحترام قدسية المكان، وعلى المسلمين العودة لدخول المسجد وأداء العبادات فيه بكل أمن وطمأنينة وسلام منذ اليوم. وأكدت السعودية على حق المسلمين في المسجد الأقصى الشريف وأداء عباداتهم بكل يسر واطمئنان "!! وشدد البيان السعودي على أن تكللت هذه الجهود "ولله الحمد بالنجاح اليوم، وبالشكل الذي يسهم في إعادة الاستقرار والطمأنينة للمصلين والحفاظ على كرامتهم لأمنهم "!!
وبينما يتبجح آل سعود بهذا الانجاز الذي نسبوه لأنفسهم ويتباهون به أمام المسلمين، كشف الصهاينة ووسائل إعلامهم، أنهم لم يرفعوا البوابات الالكترونية عن بوابات المسجد الأقصى استجابة لجهود النظام السعودي المزعومة، إنما استجابة لضغط الشارع الفلسطيني خوفاً من اشتغال انتفاضة فلسطينية، تشعل بدورها انتفاضات عارمة في عموم المنطقة العربية والإسلامية، يمكن أن تؤدي إلى إسقاط أنظمة عربية وإسلامية، بتحولها إلى ثورات شعبية تكتسح مثل هذه الأنظمة، وبالتالي تخلق واقعاً سياسياً وامنياً في المنطقة يفاقم من التهديدات والتحديات التي يتعرض لها اليوم الكيان الصهيوني وعملاء أمريكا في هذه المنطقة. ذلك ما كشفته الأوساط الصهيونية نفسها، ففي هذا السياق، نقلت صحيفة (مكور ريشون)، المعروفة بتوجهاتها اليمينية، عن مصادر سياسية وصفت بأنها رفيعة المستوى قولها إن " المملكة السعودية كانت أكثر الدول العربية التي أبدت تفهماً لقيام إسرائيل " بنصب البوابات الالكترونية على مداخل المسجد الأقصى، على اعتبار أن ذلك تفرضه الإجراءات الأمنية في المكان". بمعنى أن النظام السعودي ليس لم يقم بأي جهد لإقناع نتنياهو برفع البوابات الالكترونية على مداخل المسجد وحسب، وإنما كان من أكثر الأنظمة العربية تشجيعاً للعدو وتأكيداً على إبقاءها، ذلك يؤكد بتصريح أنور عشقي احد عرابي التطبيع السعودي مع العدو المعروف بلقاءاته الحميمة مع الصهاينة والذي برر فيه الخطوة الصهيونية، في حديثه لصحيفة " العرب بوست " حيث قال عشقي، وهو مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في جدة والمقرب من البلاط السعودي، " إن نصب إسرائيل لبوابات اللكترونية على مداخل المسجد الأقصى، بأنه محاولة لمنع حدوث تفجيرات واعتداءات إرهابية داخل المسجد " أي لمنع الفلسطينيين من القيام بعمليات استشهادية، أو هجمات تستهدف قوى الأمن الصهيونية التي تدنس المسجد، وتقدم الحماية إلى قطعان المستوطنين الذين انتهكوا حرمة وقدسية المسجد الأقصى.
من جهته وصف محلل الشؤون العربية في صحيفة (هاآرتس) الصهيونية، تستفي بارئيل البيان الصادر عن الديوان الملكي السعودي بأنه غريب، وتساءل في الوقت ذاته :" منْ هم الزعماء الذين تواصل معهم العاهل السعودي؟ " وتابع بارئيل قائلاً: "إن مصادر سياسية وصفها بأنها رفيعة المستوى في تل أبيب، المحت بأن التصريح الرسمي الذي أكد على ان هذه الاتصالات أثمرت في حل المشكلة في المسجد الأقصى المبارك، هو عملياً يتحدث عن الاتصالات التي أجراها ولي العهد محمد بن سلمان، وليس والده." ونقل بارئيل عن تلك المصادر نفسها قولها، إنه من غير المستبعد بتاتاً أن يكون قسماً من هذه الاتصالات قد جرت بين الديوان الملكي السعودي، وديوان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، مشدداً في الوقت عينه على أن ولي العهد السعودي تربطه علاقات وطيدة مع صناع القرار في تل أبيب...ونقل المحلل الصهيوني بارئيل، بعد إشارته إلى أن الكثيرين في الوطن العربي ينسبون الانتصار الفلسطيني لأنفسهم، نقل عن مصادره في تل أبيب، قولها " ان ما اسماه استيعاب الأزمة، تمثل في سياقين مختلفين: الأول عدم تدويل الصراع على الأقصى ونقله إلى الأمم المتحدة، أما الثاني، فهو الرغبة العارمة بعدم السماح بانتشار المظاهرات في الوطن العربي والعالم الإسلامي بشكل يؤدي إلى فقدان سيطرة الأنظمة العربية والإسلامية على المظاهرات الشعبية، ويشكل تهديداً على نسيج العلاقات الناعمة بين الجماهير وبين الأنظمة العربية والإسلامية ".بحسب ما نقلته صحيفة رأي اليوم في29/7/2017 عن بارئيل، الذي رأى " ان المظاهرات الجماعية، التي يشارك فيها مئات الآلاف من العرب و المسلمين، حتى لو كانت خلفيتها دينية، فأنها تتطور بشكل قياسي من السرعة إلى أعمال احتجاج ضد السياسة الداخلية لهذه الدولة العربية أو تلك الإسلامية، وتركّز على حرية التعبير، والمشاكل الاقتصادية والنقص الكبير في الديمقراطية". وبعد إشارة هذا المحلل إلى خوف الاحتلال والعديد من الزعماء العرب من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، ومن قدرتها على تجنيد الدعم الجماهيري في أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي وانتشارها، شدد المحلل الصهيوني على أن التهديد والتجنيد من أجل الحرم القدسي الشريف هو كبير وخطير للغاية، وليس فقط لأنه يهم جميع الدول الإسلامية، بل لأنه لا يترك مجالاً بالمرة للأنظمة الإسلامية لقمع المظاهرات التي كانت ستخرج نصرة للأقصى بسبب أهميته الدينية بالنسبة للمسلمين، الأمر الذي سيجبر ويُلزم هذه الأنظمة على التظاهر بأنها تدعم نضال الجماهير في الدفاع عن المقدسات الإسلامية.
والى ذلك، كشف الأكاديمي والمحلل السياسي الفلسطيني نشأت الأقطش عن ضلوع دول عربية في تهديد وممارسة الضغط على الفلسطينيين من أجل السماح للهيود باقتحام الأقصى، وقال الاقطش في حديث لقناة الجزيرة القطرية إن " أربع دول عربية من ضمنها مصر والسعودية والإمارات اتصلوا بقيادات الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني قبل حدوث أزمة المسجد الأقصى، وهددوهم وضغطوا عليهم أن يسمحوا لليهود المستوطنين باقتحام الأقصى ".وأشار الاقطش إلى أن دولاً عربية مثل الإمارات تقوم بشراء عقارات وأراضي في القدس، من الفلسطينيين، ومن ثم تبيعها بأسعار زهيدة أو تسلمها إلى اليهود، وهذا ما كانت الحركة الإسلامية الفلسطينية في الداخل قد كشفت عنه في وقت سابق، وعلى لسان رئيسها الشيخ رائد صلاح ونائبة كمال الخطيب، إذ قالا إن دولة الإمارات العربية المتحدة متورطة بدفع أموال لشراء عقارات للمستوطنين اليهود عبر عدد من الجمعيات !!
دوافع النظام السعودي تجيير الانتصار الفلسطيني لنفسه
على أن السؤال الملح الذي يفرض نفسه، هو لماذا حاول النظام السعودي تجيير انتصار الجماهير الفلسطينية في القدس، لنفسه؟ والجواب، أن ثمة دوافع عديدة دفعت النظام السعودي إلى ارتكاب هذه الفضيحة، نذكر منها ما يلي:
1- محاولة مصادرة نموذج الانتصار الفلسطيني، خوفاً من احتذاء شعب المملكة بهذا النموذج، في مواجهة آل سعود، لأن نجاح الفلسطينيين في إرغام العدو المدجج بالأسلحة، وبصدور عارية، أثبتت مرة أخرى نجاعة وجدوى هذا الأسلوب أي انتصار الدم على السيف ، فقد أثبت هذا النموذج أن أعتى قوة لا تستطيع قهر إرادة جماهير مصممة على التضحية وتمتلك إرادة فولاذية، فآل سعود أصيبوا بالهلع والخوف من توهج هذا النموذج في فلسطين مرة أخرى، ومن احتمالات أن ينهل أبناء شعب الجزيرة منه لمواجهة طغيان وظلم آل سعود وعبثهم بالبلد وبأهله وثرواته الطبيعية، وتآمرهم على الأمة وعلى مقدساتها الإسلامية.
2- يحقق لال سعود انتصارا وان كان وهميا في ظل شحة الانتصارات وكثرة الهزائم التي يمنوا بها بشكل متواصل، فقد هزموا في سوريا وفي العراق وفي لبنان، وفي اليمن يحصدون الهزائم بشكل يومي.
3- محاولة آل سعود التغطية على خيانتهم للقدس ولفلسطين، لأن إجراءات العدو القمعية الدموية في القدس أحرجتهم وكشفت تخاذلهم وزيف إدعاءاتهم عن نصرة القضية الفلسطينية سيما في هذا الوقت الحساس الذي يعزز فيه آل سعود حلفهم مع الصهاينة، بشهادات المسؤولين الصهاينة أنفسهم.
4- كان آل سعود يتوقعون أن العدو سوف يقضي على حراك الفلسطينيين وينجح في قمعهم وفرض سياساته في القدس، ولذلك لم يعلنوا أي موقف سياسي أو إعلامي مناصر للفلسطينيين وضد العدو، على العكس من ذلك، أن مذيعة قناة العربية السعودية تراجعت عن اطلاق مصطلح الشهداء الفلسطينيين الذي سقطوا في باحة المسجد الأقصى برصاص العدو، إلى مصطلح القتلى تماشياً وتعاطفاً مع الكيان الصهيوني، بل أكثر من ذلك أن علمائهم الوهابيين أفتوا بشرعية " الإجراءات الصهيونية، "وبغوغائية " التحرك الفلسطيني ! ولذلك عندما انتصر الشعب الفلسطيني، انكشفت فضيحتهم، الأمر دفعهم للتغطية على هذه الفضيحة.
5- محاولة آل سعود، خداع أبناء الأمة الإسلامية، بأنهم يدافعون عن مقدسات من أجل كسب ولاء واستقطاب المسلمين وقلوبهم، لأن المسلمين باتوا يشككون اليوم في مصداقية هذا النظام بشأن مزاعمه في الدفاع عن المسلمين وعن مقدساتهم.
هذا من جهة ومن جهة أخرى، أراد آل سعود الإيحاء، بأنهم قوة إقليمية مازالت تلعب دوراً مهماَ ومؤثراً لصالح قضايا المسلمين !! وذلك لتضليل الرأي العام العربي والإسلامي الذي بات واعياً لدور آل سعود التخريبي والإرهابي والعدواني ضد المسلمين خاصة وضد المنطقة والعالم عامة.
أما لماذا أقدم أشقاء آل سعود آل صهيون على فضحهم أمام الناس، سيما أبناء الأمة الإسلامية؟ فذلك يرجع بنظري إلى عدة أسباب نشير إلى بعضها بما يلي :
1- لأن العدو بات يعتقد أن سياسة السعودية وغيرها من بعض الدول العربية، في التعاون معه في السر، وإنكار ذلك أو إخفاؤه في العلن، باتت الظروف الحالية لا تسمح باستمرارها نظراً للتحديات الخطيرة التي باتت تواجه العدو وهذه الأنظمة حيث يرى الصهاينة أن هذه التحديات لا تسمح إلا بالتخندق معاً وتشكيل حلف صهيوني عربي من الدول المعتدلة بحسب التسمية الصهيونية لمواجهة هذه التحديات، وهذا ما قاله وأكد عليه للمرة الألف رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو.. فالتخندق معا بنظر الصهاينة يمكنهم من توظيف كل إمكانات السعودية في المواجهة مع المسلمين الرافضين لوجود العدو، بالإضافة إلى إمكاناتها في توظيف الجهد الإسلامي الكبير في تلك المواجهة لصالح مشاريع العدو، إذ يمكن لآل سعود أن يمرروا تلك المشاريع تحت أسماء إسلامية خادعة، مثل "الانتصار للسنة " أو القضاء على "التهديد المجوسي والصفوي " وما إلى ذلك كثير.
2- أراد الصهاينة من خلال كشف حقيقة الموقف السعودي مما جرى في القدس الشريفة، وكشف كذبهم وتعريتهم أمام الرأي العالم في السعودية وفي العالم الإسلامي، أن يزيحوا عنهم الحرج وبالتالي كسر التردد والارتماء في أحضان الصهاينة، والمضي قدماً في تأسيس وتشكيل الحلف " الصهيوني العربي والإسلامي " المشار إليه بين السعودية والكيان الصهيوني كفواة لإقامة هذا الحلف.
3- وأيضاً، من كشف العدو لهذه الفضيحة هي رسالة ابتزاز وضغط واضحة اعتاد عليها الصهاينة والأميركان، من أجل سحب الأموال الطائلة من السعودية وبعض الدول العربية الأخرى، ومن أجل جرّها إلى تنفيذ السياسات التي تتلائم مع المصالح الأمريكية الصهيونية في المنطقة. ولعل ما يريده العدو في هذا السياق توجيه رسالة لآل سعود بأن الشعب الفلسطيني لا يشكل خطراً بإرادته الصلبة وتضحياته السخية، على العدو فحسب وإنما على آل سعود أنفسهم والأنظمة الأخرى، ولذلك لابد أن تتعاون هذه الأنظمة مع الصهاينة على القضاء على تلك الإرادة وإخماد هذا التحرك واحتوائه بأية وسيلة متاحة.
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق