قانون “جاستا” وحقيقة مكانة السعودية لدى الأمريكيين
كان وقع الصدمة هائلاً وكبيراً على السعودية جراء القانون الذي أقره الكونغرس الأمريكي بأغلبية ساحقة والمعروف بقانون “العدالة ضد رعاة الارهاب” (جاستا)، حيث يتيح القانون مقاضاة ومعاقبة الدول التي توصف بأنها ترعى الارهاب، وليس فقط الارهابيين المنحدرين من تلك الدول، الأمر الذي يضع السعودية موضع الاتهام ويستهدفها بشكل كبير نتيجة أن غالبية المتهمين بالتدبير لأحداث 11 أيلول 2001 هم من السعوديين.
السعودية تحسست الخطر تجاه ودائعها الضخمة في البنوك الأمريكية التي أصبحت كلها عرضة للمصادرة تحت ذريعة تعويض ضحايا أحداث 11 سبتمر، حيث أن الدولة السعودية وأمراؤها يملكون أموال واستثمارات كبرى في البنوك الأمريكية، تصل إلى أكثر من 750 مليار دولار، هذا إضافة إلى ما ينذر به هذا القانون من تغيير في المزاج الأمريكي تجاه السعودية.
أمريكا التي شاركت السعودية بكل الجرائم التي ارتكبتها، بل ودفعت وورطت السعودية في كثير من حروب المنطقة، وكانت شريكة لها في الارهاب وبث الفوضى، تنقلب فجأة على السعودية، وبدل أن تكون مصدر حماية للسعودية استناداً على قاعدة “النفط مقابل الحماية” التي قامت عليها العلاقة بين البلدين منذ عام 1945، أصبحت اليوم مصدر تهديد وابتزاز.
ابتزاز واضح
بالرغم من الفيتو الذي أشهره أوباما ضد اقرار القانون، إلا أن الرئيس الأمريكي لم يكن جاداً في منعه، إذ كان بإمكانه ممارسة الضغوط للحيلولة دون تصويت الكونغرس على إلغاء الفيتو، لكنه لم يفعل، حيث أعترفت نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في الكونغرس أن أوباما لم يضغط لعدم تصويت الكونغرس على إلغاء الفيتو، كما أن التحذيرات التي أطلقها أوباما من أن القانون يمكن استخدامه ضد الرعايا الأمريكييين والدولة الأمريكية، ليس سوى مجاملة للحليف السعودي، حيث يدرك البيت الأبيض وكل الذين صوتوا على القرار، صعوبة تنفيذ أي قرارات لمعاقبة أمريكا بسبب سيطرتها على النظام المالي العالمي.
والجدير بالذكر أن قانون جاستا يأتي بعد 15 عاماً من أحداث 11 أيلول، فإذا كانت السعودية متورطة بالأساس، لماذا سكتت أمريكا طوال هذه المدة؟ كل هذه المعطيات تؤكد أن الهدف الأمريكي من القانون لا يمكن أن يكون سوى ابتزاز السعودية، لكن السؤال المطروح يدور حول توقيت هذه الخطوة الأمريكية؟
الدافع الأمريكي
الجواب ببساطة، هو تراجع قدرة السعودية على تأمين المصالح الأمريكية في المنطقة، فالسعودية التي وقفت ضد خصوم أمريكا سواء الاتحاد السوفيتي أو عبدالناصر أو إيران، وفتحت أبوابها للقواعد العسكرية الأميركية وشرعنت وجود هذه القوات في مياه الخليج الفارسي، وشكلت المنطلق لغزو العراق، وتعاونت مع أمريكا في سوريا، لم تعد تملك ما تقدمه لأمريكا، في ظل التخبط والمأزق الذي تعيشه السعودية في ملفات المنطقة المتعددة، خصوصاً الملف اليمني.
بل إن أمريكا اشتكت في أكثر من مناسبة من العبء الذي بدأت السعودية تشكله على أمريكا، خاصة في ظل الصورة القاتمة للسعودية في الغرب والتطابق الذي بدأت تشير إليه وسائل الاعلام الغربية بين الوهابية السعودية والنهج الداعشي، وقد أبدى جون برينان مدير المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، في تموز الماضي، مخاوفه من أن البيئة السعودية أصبحت بسبب السياسيات السعودية ملائمة لـ “تفريخ الارهابيين”.
ومن ناحية أخرى تراجع دور السعودية كمرجعية لأهل السنة والجماعة ولم تعد قادرة كما في السابق على التأثير على الشارع الاسلامي “السني”، ومنع جموحه ضد المصالح الأمريكية، وتوظيف الشعور الاسلامي ضد أعداء أمريكا كما حصل مع الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، حيث جاء مؤتمر غروزني في الشيشان، ليفصل بين المذهب الوهابي وبين أهل السنة والجماعة، الأمر الذي شكل ضربة كبيرة للسعودية.
في ظل هذه الأجواء يبدو أن أمريكا بدأت تنظر إلى السعودية كدولة آيلة إلى السقوط، وهي تعمل للسيطرة على ما تبقى من أموال السعودية تحت ذرائع شتى، مرة بصفقات السلاح الكبرى، ومرة بدفعها لخفض أسعار النفط، ومرة عبر قانون مقاضاة رعاة الارهاب، ويبدو أن الأيام القادمة ستحمل مزيد من الخطوات الابتزازية للحليف السعودي.
النخوة اليمنية
كان لافتاً بين ردود الفعل الاقليمية والدولية على قانون جاستا، الموقف الوطني العروبي الشريف لليمن الرافض للقانون والمدين له، فبالرغم من الحديث في الأوساط الاعلامية حول أن جاستا قد يتيح لليمن مقاضاة السعودية على عدوانها بتهمة الارهاب، إلا أن قائد حركة أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي أعلن إدانة الحركة للقانون الأمريكي، محملاً السعودية المسؤولية نتيجة لسياستها العميلة لأمريكا، وهنا تبرز المفارقة العجيبة في الموقف السعودي تجاه من تحاربهم السعودية، وبين من تحالفهم.
إلا أنه بالرغم من ذلك يبقى من المستبعد أن تقوم السعودية بمراجعة جادة لسياساتها، وذلك بالرغم كل الويلات التي تجرها عليها هذه السياسة، كما أن الدعوات الجديدة في أوساط الحكم السعودي لتمتين العلاقة مع اسرائيل كرد فعل على جاستا، أكبر دليل على ذلك، مما يعني أن السعودية مقبلة في الأيام القادمة على مزيد من الاستنزاف من قبل الأمريكي والاسرائيلي، وقد لا تستفيق من غيبوبتها إلا بعد فوات الأوان.
ارسال التعليق