كيف تفوّقت السعودية على دول التطبيع في كبت التضامن مع غزة
تناولت صحيفة فايننشال تايمز مسألة التصادم الحاصل في "السعودية" بين سياسة "النظام" مع الموقف الشعبي، تجاه فلسطين بشكل عام وما يحصل في غزة اليوم على وجه الخصوص. حيث تستعرض بعضا من مقابلاتها مع مدنيين سعوديين يعكسون الرأي العام الحقيقي "المقموع" في البلاد تجاه هذه القضايا.
تشير الصحيفة إلى أن "العديد من السعوديين يشعرون بالتضامن العميق مع الضحايا الفلسطينيين للعدوان الإسرائيلي الذي استمر خمسة أشهر على غزة،" ولكن تلفت إلى أن "القلق يسيطر على القيادة السعودية، التي كانت تقترب قبل الحرب من التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. فإن قادة السعودية يشعرون بالقلق إزاء التهديد الذي يفرضه الصراع المطول في غزة على فرصها في استئناف هذه العملية، فضلاً عن خططها الطموحة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتماسك المملكة".
وتنقل عن موظف حكومي، لم تذكر اسمه، تجربته التي تُعدّ بسيطة مقارنة مع حوادث أكبر حصلت مع سواه فيما يتعلق بمسألة إظهار التضامن مع فلسطين؛ حين كان الموظف يمشي في الحي الدبلوماسي في "الرياض" وأوقفته الشرطة السعودية مشيرة إلى قميص يرتديه ومكتوب عليه "فلسطين"، على أنه يحتوي على "لفتة سياسية". فتراجع الشاب "كان عليّ أن أهدئهم بالقول: حسنًا، سأغادر، لا داعي للقلق، لن أرتديه"، ويؤكد أن " هذا ليس المكان المناسب لمثل هذه القمصان".
قضية أخرى لا تقل أهمية تشير إليها الصحيفة، وهي غياب أوجه التضامن العام سواء من وقفات تضامنية أم وجود لافتات تشير إلى فلسطين على واجهات المحال وهو الأمر الذي اعتيدت مشاهدته منذ بدء العدوان حتى في أشد الدول دعما ومساندة لإسرائيل.وتنقل عن الموظف الحكومي قوله إنه يتفهم الحساسية القريبة من السفارات الأجنبية التي أدت إلى إيقافه من قبل الشرطة. لكنه اندهش من التناقض مع الدول المجاورة التي زارها منذ بدء الحرب. حيث شاهد الأعلام والرموز الفلسطينية معروضة علناً خلال زياراته إلى الإمارات العربية المتحدة ومصر وتركيا وسط موجة الدعم التي ارتفعت عبر العالمين العربي والإسلامي منذ بدء العدوان."ومع ذلك، لا يزال العديد من السعوديين قلقين بشأن التعبير عن مشاعرهم الحقيقية بشأن الحرب في المملكة الاستبدادية، ويخشون أن يُنظر إلى التعبير عن أفكارهم على أنه معارضة للسياسة الرسمية" وفقا للفايننشال تايمز.
أفاد أحد زوار "معرض جدة للكتاب" في كانون الأول/ديسمبر للصحيفة، عن رؤية سلة مليئة بأمور متعلقة بفلسطين عند المدخل والتي تمت مصادرتها من الحضور"، أي أنه مُنع على رواد المعرض اقتناء أي من رموز فلسطين. وبالمقارنة، أشار إلى ما شهده في دبي –المُطبعة رسميا مع إسرائيل- حيث كانت بعض المعارض الفنية كانت مخصصة لفلسطين.
وذكرت التحول الذي شهدته "السعودية" مع وصول محمد بن سلمان إلى "السلطة". حيث بدا منذ ذلك الحين أن القضية الفلسطينية قد هُمّشت. وكيف أن وصول ابن سلمان عزز الأصوات المؤثرة المرددة لخطاب يشوه سمعة الفلسطينيين لعدم إظهارهم الامتنان الكافي للمساعدات المقدمة لهم، وزعمهم بإهدار فرص متعددة لتحقيق السلام. وتجلت هذه الأصوات على وسائل التواصالإجتماعي مع انتشار أوسمة مثل "فلسطين ليست قضيتي". وهو الأمر الذي خلق جوّ بأن القضية لم تعد أساسية للهوية السياسية للشباب في جميع أنحاء المنطقة.
في هذا الصدد قالت إلهام فخرو، الزميلة المشاركة في برنامج تشاتام هاوس للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تقوم بتأليف كتاب عن التطبيع، إن العدوان على غزة قد غيّر هذه الديناميكية بشكل كبير. وقالت: “من الآمن أن نقول إن القضية الفلسطينية عادت إلى مركز الوعي الشعبي ودعم التطبيع مع إسرائيل في أدنى مستوياتها على الإطلاق، هذا يزيد تعقيد قدرة المملكة العربية السعودية على إقناع مواطنيها والعالم العربي والإسلامي الأوسع بالصفقة".
حتى أن الرعب قد لاحق السعوديين الذين يعيشون في الخارج، ونقلت عن أم سعودية لطفل، إنها “شعرت بالخوف الشديد” بعد مشاركتها في مظاهرة تضامنية في كاليفورنيا لدرجة أنها تأكدت من عدم ظهورها في أي صور، ونوهت "ظللت أقول لأصدقائي السعوديين، لا تنشروا أي شيء" على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لم ترغب، مثل الآخرين الذين تحدثوا إلى صحيفة فاينانشيال تايمز، في استخدام اسمها الكامل.
وكان قد أفاد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أنّ محاولات دفع التطبيع مع “إسرائيل” في “السعودية”، تواجه معارضة شعبية صامتة، ولكن كبيرة، وقد تفاقمت في أعقاب الحرب في غزة. ورأى المعهد أن الرفض الشعبي يتخذ أشكالاً عديدة، أولها هو البعد الديني الذي يرى أن السلام مع “إسرائيل” مخالف للشريعة الإسلامية، والثاني هو البعد المؤيد للفلسطينيين، والذي يعدّ معارضة التطبيع دليلاً على دعمهم، والثالث هو المنظور الليبرالي الذي يحذر من أن العلاقات مع “إسرائيل” ستؤدي بالنظام السعودي إلى المزيد من انتهاك حقوق الإنسان.
وكان قد أكد المعهد في تقريره المنشور خلال الشهر الجاري، أنّ الجمهور السعودي لا يبدي في الأساس اهتماماً كبيراً بالجانب الذي يركز عليه الخطاب الإسرائيلي من التطبيع، لجهة التعاون الأمني ضد إيران، ويركز بدلاً من ذلك على الفوائد الاقتصادية للعلاقة.
وقد سجل المعهد تغيراً كبيراً في مشاعر السعوديين أثناء العدوان على غزة، تؤشر عليه أرقام الإحصاءات التي أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، التي وصلت إلى 40% يؤيدون علاقات اقتصادية مع “إسرائيل” قبل العدوان، مقابل 96% يؤيدون اليوم الوقف الفوري للعلاقات بين الدول العربية وكيان الاحتلال رداً على تصرفاته في غزة. ولفت المعهد إلى أنه حتى قبل الحرب، كان 87% من السعوديين يعتقدون أن “إسرائيل” يمكن هزيمتها في نهاية المطاف.
ونقل موقع أكسيوس عن أربعة أمريكيين وإسرائيليين قولهم إن البيت الأبيض لا يزال منخرطًا في الجهود المبذولة لوضع اللمسات الأخيرة على مسودة معاهدة الدفاع الأمريكية السعودية.
سوليفان إلى السعودية: تقديم مقرر التطبيع جاهزا لنتنياهو:
هذا وقد أفاد موقع "أكسيوس" أنه من المقرر أن يتوجه مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان إلى السعودية لعقد اجتماع مع محمد بن سلمان يوم غد الخميس "بشأن اتفاق كبير محتمل من شأنه أن يشهد تطبيع السعودية علاقاتها مع إسرائيل".
وذكر الموقع أن المسؤولين الأمريكيين يهدفون إلى التفاوض على اتفاق ثنائي مع السعودية ومن ثم احتمال تقديمه إلى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مضيفًا أن قبول الأخير للصفقة سيتطلب الالتزام بمسار نحو حل الدولتين.
وأوضحت أن نتنياهو سيواجه بعد ذلك قرارا، إما أن يقبل بالصفقة وهو ما يمكن أن يؤدي إلى اتفاق تطبيع مع السعودية، وإما أن يرفضها ما قد يؤدي إلى تآكل دعمه المتبقي من الولايات المتحدة.
وكشف مسؤول إسرائيلي كبير للموقع أنه "تم إحراز الكثير من التقدم في المحادثات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية حول مسودة معاهدة الدفاع بينهما. إنهم يريدون أن يكون الجانب الخاص بهم من الصفقة جاهزًا ثم يضعونه على طاولتنا ويقولون إقبلوها أو ارفضوها".
ووفقا الموقع من المقرر قبل رحلة سوليفان، أن يعقد ثلاثة مسؤولين - كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، وكبير مستشاري الطاقة عاموس هوشستين، ومستشار وزارة الخارجية ديريك شوليت - اجتماعات في السعودية اليوم الأربعاء.
ومع ذلك، أشار أكسيوس إلى أن البعض داخل البيت الأبيض ينظرون إلى الصفقة السعودية الضخمة على أنها غير واقعية، مستشهدين بعوامل مثل الحرب في غزة، واعتماد نتنياهو على شركاء الائتلاف اليميني، والسياسة الداخلية في الولايات المتحدة.
وأوضح الموقع الإخباري أيضًا أنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق، فسيتطلب ذلك من مجلس الشيوخ التصديق على معاهدة الدفاع مع السعودية وربما الاتفاقيات النووية، مضيفًا أنه بالنظر إلى المناخ السياسي الحالي في واشنطن، فإن هذا يمثل تحديًا كبيرًا، مع عدم اليقين حول ما إذا كان عدد كافٍ من الديمقراطيين سيدعمون الصفقة.
يُذكر أن الرئيس الاميركي جو بايدن قال مطلع هذا الاسبوع إن بعض الدول العربية، بما في ذلك السعودية، “مستعدة للاعتراف الكامل بإسرائيل.. ولكن يجب أن تكون هناك خطة لما بعد غزة”، معتبراً أن حل الدولتين ليس بالأمر المُستعجل بقوله “يجب أن يكون هناك قطار لحل الدولتين. ليس من الضروري أن يحدث ذلك اليوم، ولكن يجب أن يكون هناك تقدم، وأعتقد أننا نستطيع القيام بذلك”.
وتابع في حديثه خلال حفل لجمع التبرعات في مدينة نيويورك؛ أن فتح المجال لإدخال مساعدات إلى غزة يقع ضمن الخطوات الآنيّة في مسار الوصول إلى تطبيع للعلاقات بين الكيان و”السعودية” بما في ذلك “حفظ لسلامة وأمن إسرائيل”.
ارسال التعليق