لغز تناقضات السعودية في العراق
يلحظ المتتبع لأداء السياسة الخارجية السعودية وسياقاتها منذ اصطناع الأزمة مع قطر؛ بأنها مثيرة للسخرية وأن ثمة تناقضات عجيبة تلفها في أكثر من محطة؛ وتتقاطع مع بعضها الى درجة ان بعضها ينسف الآخر؛ ليتكشف زيف الأداء الدبلوماسي السعودي وتخبطه وعدم اتساقه مع معطيات وتداعيات اليوم ومواقف الأمس.
وفى ملف العراق تحديدا يبدو النتناقض صارخا وفجا، فعلى سبيل المثال فى الوقت الذى تنتقد المملكة ضمن تحالف الحصار احتفاظ الدوحة بعلاقات دبلوماسية طبيعية وطيبة مع طهران؛ نجد أن أعلام إيران ترفرف فوق سفاراتها وقنصلياتها فى سماوات الرياض وبقية عواصم دول الحصار! وفى ذات الوقت يتبدى بوضوح هذه الايام انفتاح غير مسبوق من الرياض فى التقرب من الحكم فى العراق المحسوب على ايران؛ وهو تقرب دخلت على الخط معه واشنطن التى تحاول استثماره لصالحها؛ لدرجة أن ريكس تيلرسون وزير خارجية أمريكا حضر أمس الأول بنفسه اجتماع القمة العراقية — السعودية مع العاهل السعودى ورئيس وزراء العراق حيدرالعبادي؛ ولعل تصريحات تيلرسون المغازلة للرياض خلال المؤتمر الصحفى مع نظيره عادل الجبير تؤكد ذلك؛ فقد دعا تيلرسون المقاتلين الإيرانيين الموجودين في العراق إلى مغادرته، قائلا: إن على جميع المقاتلين الأجانب في ذلك البلد "العودة إلى ديارهم،" ؛واعتبر التقارب السعودي- العراقي الحالي وسيلة تساعد على معالجة بعض نواحي التأثيرات غير المنتجة لإيران في العراق.
وقال تيلرسون: "لن يؤدي مجلس التنسيق المشترك إلى تعاون أوثق في محاربة داعش فحسب، لكنه سيساعد أيضاً في دعم إعادة بناء المنشآت والبنية الأساسية في المناطق المحررة". وأضاف أنّ المجلس سيساهم أيضا في إصلاحات تؤدي إلى نمو وتنويع القطاع الخاص في العراق.
ضربة لإيران
وبحسب تيلرسون، فإنّ الإصلاحات ستشجع الاستثمارات الأجنبية الضرورية لجهود إعادة إعمار العراق، وسيكون هذا مهماً لإرساء السلام المستحق بفضل المكاسب العسكرية".
وهو ما يشكل ضربة امريكية قوية لايران فى العراق، ولعل هذا ما أرادت التأكيد عليه قناة "فوكس نيوز" الأمريكية عندما قالت: إنّ وزيرالخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون يضغط على السعودية والعراق "لتشكيل جبهة موحدة لمواجهة التصاعد الإيراني في الشرق الأوسط".
التناقض السعودي كانت ملامحه قد تجسدت بقوة منذ بداية الازمة مع الدوحة عندما فتحت حدودها أمام حجاج إيران — الدولة التى تعتبرها الرياض فى العلن عدوا — وقدمت كافة لهم التسهيلات؛ بينما أغلقتها فى وجه حجاج قطر — الدولة الشقيقة — وحرمتهم من أداء الفريضة هذا العام رغم المطالبات الحقوقية الدولية التى انتقدت ازدواجية الرياض بهذا الخصوص، بل ان اللافت ايضا أن الرياض طلبت من بغداد رسميا التوسط لدى طهران لتحسين علاقاتهما!
بوجه عام يشكل الانفتاح السعودي المتسارع على العراق فى ظل المعادلة الاقليمية المعقدة وتداعياتها المتداخلة لغزا كبيرا؛ فضلا عن كونه يعكس التناقضات فى السياسات السعودية تجاه الاقليم وقضاياه.
محطات العلاقات السعودية- العراقية
لقد مرت علاقات بغداد والرياض بفترات تميزت مرة بالتقارب وأخرى بالتباعد، فبعد أن كانت قبل عام 1990 متميزة وقوية، حدثت قطيعة بينهما بعد ذلك التاريخ، ثم عادت وتحسنت بعد وصول حيدر العبادي إلى رئاسة الوزراء في العراق نهاية عام 2014.
وبعد أن دعمت السعودية بغداد بشكل كبير جدا في الحرب بين العراق وإيران ومدتها بالسلاح والمال والدعم السياسي، تراجع مستوى العلاقات بين الطرفين بشكل كبير جدا عام 1990 بسبب الغزو العراقي للكويت، حيث وقفت الرياض إلى جانب الكويت ولعبت دورا محوريا ورئيسيا في إلحاق الهزيمة بالجيش العراقي على يد التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يلي تسلسل لأبرز محطات العلاقات العراقية- السعودية بعد الغزو الأمريكي للعراق:
فى يوليو 2006: استقبل ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، واتفق الطرفان على إعادة العلاقات بين البلدين. وسعت حكومة المالكي عبر البوابة السعودية إلى الحصول على دعم خليجي للتغيير السياسي الذي حصل بالعراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، والذي كانت الرياض تنظر إليه بكثير من الريبة لأنه أدى إلى سيطرة الشيعة على الحكم بمساعدة أمريكية.
ولم تنجح زيارة المالكي وما تلتها من محاولات في ترطيب العلاقات، وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن الأحداث الأمنية التي شهدها العراق فترة ما بعد الغزو الأمريكي وما رافقها من أعمال عنف عمت أرجاء البلاد، وخلفت أسوأ اقتتال طائفي شهده العراق وتسبب بمقتل عشرات آلاف العراقيين، واتهمت بغدادُ السعوديةَ بتصدير مقاتلين متشددين لإذكاء العنف الطائفي في العراق، وهي اتهامات نفتها الرياض آنذاك.
فى ديسمبر 2015: بعد انقطاع دام أكثر من 25 عاما، تم الإعلان عن افتتاح السفارة السعودية بالعراق وسط انتقادات من أحزاب شيعية وترحيب الأطراف السنية، وأرسلت الرياض سفيرها ثامر السبهان الذي واجه موجة انتقادات شديدة من أطراف سياسية شيعية اتهمته بالتدخل بالشؤون الداخلية بعد تصريحات قال فيها "إن الحشد الشعبي غير مرحب به من قبل السنة العرب والأكراد".
نهاية أغسطس 2016: الخارجية العراقية تطلب من السعودية سحب سفيرها من بغداد بعد أن اتهمته بالتدخل بالشؤون الداخلية، وهو ما اعتبرته أوساط سياسية عديدة بأنه استجابة من الخارجية لحملة مارستها أطراف سياسية شيعية بالعراق، قيل إن إيران لعبت دورا محوريا بهذه الحملة.
فى أكتوبر 2016: السعودية ترسل عبد العزيز الشمري سفيرا جديدا لها، وهو ضابط عسكري يحمل رتبة عميد وكان يشغل منصب الملحق العسكري بسفارة الرياض في ألمانيا.
فبراير 2017: وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يزور بغداد ويلتقي رئيس الوزراء، وكانت أول زيارة لوزير خارجية سعودي للعراق منذ نحو 27 عاما، وفيها سلم الجبير دعوة رسمية من الملك سلمان بن عبد العزيز للعبادي بزيارة المملكة.
يونيو2017: رئيس الوزراء العراقي يزور السعودية ويلتقي الملك في مسعى لإقناع الرياض بالاستثمار في البلاد والمساعدة في إعادة إعمار العديد من المدن التي دمرتها الحرب ضد تنظيم الدولة.
يوليو 2017: وزير النقل العراقي كاظم فنجان الحمامي يعلن أن بلده والسعودية اتفقا على إعادة فتح المنافذ الحدودية بينهما .
سبتمبر 2017: وإعادة تشغيل خط سكة الحديد المتوقف منذ عقود والاتفاق أيضا على استئناف حركة الطيران بينهما.
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يزور السعودية بدعوة رسمية، وكانت الأولى له منذ آخر زيارة قام بها للرياض قبل 11 عاما، وقد التقى الأمير محمد بن سلمان في جدة، حيث تم استعراض العلاقات بين البلدين وعدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك.
ويلحظ المراقبون أن زيارة مقتدى الصدر جاءت بعد أيام قليلة من زيارة لافتة للنظر ونادرة قام بها قاسم محمد الأعرجي وزير الداخلية العراقي والذي كان احد قادة الحشد الشعبي العراقي الشيعية؛ ويعرف عنه معارضته للسياسات الأمريكية بالمنطقة؛ كما دعا إلى نصب تمثال لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في العراق، وأكد مرارا في تصريحاته على أنه "لولا إيران لسقطت بغداد بيد تنظيم "داعش"..والتقى الاعرجي نظيره السعودي وقتها الأمير عبد العزيز بن سعود.
وبعدها أعلن الأعرجي وتحديدا يوم الأحد 13 أغسطس أنه أبلغ السعودية أن تحسين العلاقات مع إيران يبدأ باحترامهم الحجاج الإيرانيين والسماح لهم بأن يزوروا مقبرة البقيع.
وأكد خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني في طهران، أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طلب منه رسميا، أن يتوسط العراق بين إيران والسعودية، لكبح التوتر بين البلدين، كما سبق للملك سلمان أن قدم هذا الطلب.
أكتوبر 2017: رئيس وزراء العراق يزور السعودية على رأس وفد حكومي كبير ضم العديد من الوزراء ووكلاء الوزراء وعشرات المستشارين للتوقيع على اتفاقية التنسيق المشترك. وحضر التوقيع الملك ووزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون.
ارسال التعليق