لماذا تحاشى سلمان الإشارة للمشاركة السياسية في كلمته بالشورى؟
من مستلزمات محاربة الفساد في أي دولة ضرورة إتاحة الفرصة لكافة المكونات والشرائح والنخب الفكرية والثقافية للإدلاء بدلوها في هذا المضمار وذلك بفسح المجال أمامها لمزاولة العمل السياسي والمشاركة في صياغة وصناعة القرارات التي تلعب دوراً أساسياً في التخلص من الفساد مهما كان شكله أو لونه وفي أي مفصل من مفاصل الدولة وکذلک مراقبة ما يقوم به من بيدهم الامور المالية وغيرها.
والملاحظ أن كلمة "سلمان بن عبد العزيز " التي ألقاها مؤخراً في مجلس الشورى "غير المنتخب" قد خلت تماماً من أي إشارة للمشاركة السياسية على الرغم من مطالبته الشعب بالمشاركة في مواجهة الفساد؟
وهذا ليس غريباً عن منطق سلمان ونظام آل سعود برمته لأنه لا يؤمن بإتاحة المجال للمشاركة السياسية أمام النخب الفكرية والثقافية والأكاديمية مهما كانت أهليتها وكفائتها، والسبب في ذلك أن هذا النظام القبلي لايؤمن أساساً بالمشاركة السياسية لأنه بُني في الأصل على التوريث البعید بالكامل عن معنى المشاركة بغض النظر عن الأهلية والكفاءة، كما أنه لا يؤمن بحرية الناس في التعبير عن آرائها مهما كانت سديدة وموفقة لأنه ينظر للآخرين بمنظار ضيّق لا يتعدى المصالح الآنيّة والشخصية للأسرة الحاكمة والمقربين منها حتى وإن كانت على حساب مستقبل وسمعة ومصالح البلاد.
ولا يمكن أن نتوقع من سلمان ومن يغرد في سربه أن تتفتق عقليته عن أطروحة سياسية او اجتماعية قادرة على الإفادة من الطاقات الفكرية والثقافية لأبناء البلد، هذا في حال افترضنا جدلاً أنه ومن معه يحسنون الاستماع للآخرين، أو لايمانعون أصلاً في طرح مشاريع عملية لإنقاذ المملكة من واقعها المتخلف في شتى الميادين بسبب عنجهية النظام ونزعة البداوة التي تهيمن على رموزه منذ نشأة هذا النظام وحتى هذه اللحظة.
كما لايمكن أن نتوقع من سلمان والسائرين في ركبه أن يفكروا يوماً في الاستقالة من مناصبهم لإفساح المجال لمن هو أهل لتولي المسؤولية مراعاة للمصلحة العليا لأنهم ينطلقون أساساً من النظرة الفرعونية المتعفنة "أنا ربكم الأعلى" ولا يؤمنون أساساً بالحديث النبوي الشريف "من تأمر على اثنين وفيهما من هو أفضل منه فقد خان الله ورسوله" لأن الخيانة لها مصاديق كثيرة وفي طليعتها التسلط على العباد دون وجه حق من خلال التلبس بألقاب بعيدة عن الواقع لتحقيق أغراض شيطانية عبر طرق ملتوية لا تسهم سوى في تدمير البلد وإبقائه في المراتب الدنيا من سلّم التحضر ليعيش في دوامة التخبط وقصر النظر الذي أصبح سمة غالبة لسلمان وابنه محمد ومن يدور في فلكهم، ممن هانت عليه نفسه، والحديث الشريف يؤكد أن "من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره".
وكلمة سلمان في "مجلس الشورى" فضحت من جديد مكامن نظام آل سعود وماهيته التي لاتصلح لقيادة مؤسسة مهما كانت صغيرة، وليس لقيادة دولة يفترض أن تكون في طليعة الدول تحضراً وتقدماً لما تمتلك من ثروات هائلة وموقع استراتيجي متميز وأرضية خصبة للتطور شريطة أن يكون النظام الحاكم بمستوى هذه المسؤولية وليس على شاكلة سلمان وكل من طاوعته نفسه ليكون إمعّة أو مطيّة تُقاد لخدمة السلطان.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى التجارب التي نجحت عن طريقها الكثير من الدول في النهوض بواقعها والتخلص من الفساد بعد أن آمنت وأيقنت بضرورة إشراك العقول المتفتحة والنيّرة والمتطلعة لغد أفضل في صناعة القرارات المصيرية التي ترسم الخطى الصحيحة والسديدة لرقي البلد، ولكن أنّى لنا أن نطمح بأن يكون سلمان وطاقمه بهذا المستوى، لنسعد بالتالي بنظام قادر على التمييز بين الصالح والطالح ومؤهل لإدارة دفّة الحكم وتوجيهها لما ينفع الناس ولا يدخلهم في أنفاق مظلمة، وهو ما يشي به واقع المملكة رغم مزاعم النظام وضجيجه الإعلامي الفارغ بأنه يسعى للإصلاح ومحاربة الفساد الذي بات جزءاً لايتجزأ من الهيكلية الأساسية لهذا النظام.
ويرجع انكفاء غالبية المفكرين والنخب الثقافية عن المشاركة السياسية إلى أعطاب بنيوية في الحقل السياسي، انطلاقاً من إرث ثقيل كانت فيه الممارسة السياسية مرادفة دوماً للاعتقال والقمع. ومازالت صورة العمل السياسي تعاني من ظاهرة تناسل المصالح المصاحبة لتماثل أيديولوجي ناجم عن صراعات داخلية حول تسنم المناصب السياسية والإدارية، مع وجود فساد حكومي كبير يعيق التواصل مع المجتمع، ويضعف إمكانية الحل السياسي خصوصاً في ظل الشيخوخة المهولة للقيادات، والنكوص الواضح في الديمقراطية التي ينبغي أن تضمن التوصل إلى هيكلية شاملة تحفظ التوزيع المتوازن للسلطات بعيداً عن الانتماءات القبلية والعشائرية التي أسهمت كثيراً بجعل مؤسسات الدولة عاجزة عن تدبير شؤونها بسبب افتقادها للتوافقية والتشاركية في صناعة القرارات.
ومن المعروف أن العائد من الفساد تراكمي وينعكس سلباً على الخدمات ما يؤدى إلى استياء المواطنين، وهناك رسالة ينبغي أن تكون واضحة لمكافحة الفساد والحد من آثاره المدمرة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وهي تكمن بضرورة رفع الوعي بأهمية التصدي لمزاولة العمل السياسي الهادف والبنّاء حتى وإن أصرّ النظام على رفض الاعتراف بهذا الحق الذي ضمنته القوانين والمقررات الدولية وأقره العقل والمنطق وآکدت عليه الشريعة المقدسة ، شريطة أن تتوفر الأرضية المناسبة لخلق الشفافية والانفتاح السياسي، وهذه هي مهمة كافة أبناء المجتمع لإرغام السلطات على الاستجابة لتطلعات الشعب وطموحه المشروع في الحياة الحرة الكريمة، خصوصاً بعد أن أصبحت مشکلة الفساد بشكل عام، والفساد السياسي بشكل خاص، هي الشغل الشاغل لكل الشرائح الاجتماعية، ولم يعد الحديث عن هذا الموضوع مقتصراً على النخبة من المثقفين والنشطاء السياسيين وغيرهم من المهتمين بالشأن العام، وذلك بسبب تنامي هذه الظاهرة إلى حدود خطرة لايمكن التراخي أمامها أو السكوت في قبالها إطلاقاً.
ارسال التعليق