لماذا تدفع سلطة آل سعود أهالي الشرقية نحو العنف؟!
* جمال حسن
تكريس السلطة السعودية على قمع وتخويف وتفزيع وأعتقال وقتل وتدمير الاهالي بالمنطقة الشرقية ليس له دوافع وأسباب سياسية فحسب وأنما وجودية بالنسبة للأسرة الحاكمة في مملكة الرمال، حيث ترى أن الوجود الشيعي المتكرس في هذه المنطقة يشكل لها خطراً كبيراً رغم سلمية حراكه ومطالبه الحقة والمشروعة وأن كبار علمائه وقادته السياسيين ينهون على طول المسيرة عن استبدال سلمية الطريق والمطالب بغيرها .
منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة عام 1923، تتعرض الغالبية المطلقة من أهالي الشرقية من المواطنين الشيعة لسياسات تمييزية وتكفيرية عدوانية، وتعيش مناطقهم على هامش الحياة السياسية والاجتماعية للسلطة الحاكمة، متخلفة في الاعمار والرفاهية والعدالة والمساواة وحتى الدراسة، عن سائر مناطق المملكة .
وقد حاول أهالي المنطقة الأصليين ولعقود طويلة التصالح مع السلطة القمعية الحاكمة المشاركة في الانتخابات الصورية والعمل في المجتمع المدني، والحوار مع الإصلاحيين، وتقديم مطالب واضحة للحفاظ على الوحدة واللحمة الوطنية للبلاد، ولإثبات أنهم “شركاء في الوطن”، وأكدوا رغبتهم في بناء مجتمع مدني يساهم في “المشاركة” في الحكم بغير احتكار أو استبداد؛ بسلمية مطلقة مع السلطة الحاكمة التي أرتأت القتل والاعتقال والتشريد والتبعيد والقمع والتمييز الطائفي والتشجيع على الكراهية ضدهم دون وجل وإكتراث، وتقارير منظمات الأمم المتحدة والعفو الدولية واليونيسف وتلك الناشطة في مجال حقوق الانسان مثل إكسفام وهيومن ووتش رايتس وغيرها .
لقد شكل اعلان وزارة داخلية آل سعود قبل أيام تنفيذها وبشكل مفاجئ لحكم القتل على ٤ شباب من القطيف أعتقلوا على اثر حراك ٢٠١١ الذي كان مع موجة الربيع العربي، وهم (يوسف مشيخص "العوامية" - مهدي الصايغ "تاروت" - زاهر البصري "تاروت" - أمجد معيبد "تاروت")؛ صدمة كبيرة جديدة في المجتمع القطيفي الذي سبق وصدم بجريمة تنفيذ القتل التي نفذت بداية ٢٠١٦ لعدد من خيرة شباب العوامية وعلى رأسهم عالم الدين الناشط الشيخ نمر النمر.
لقد كان أبناء الشرقية على شرف التفاؤل بطي صفحة جديدة مع السلطة الحاكمة وربما يتم فيها الإفراج عن كل المعتقلين و(العفو) عن المطلوبين بقضايا الحراك السلمي الذي شهدىته المنطقة عام 2011 على غرار الربيع العربي في سائر الدول العربية، مع عزل محمد بن نايف الذي كان قاسياً جداً مع شعب الجزيرة خاصة أبناء المنطقة وكرهه لهم، وكانت السلطة تعلن أنه وراء مسلسل الأعدامات التي كانت تنفذ ضد الناشطين والمتظاهرين في المنطقة الشرقية المطالبين بالعدالة والمساواة وحرية التعبير والاصلاح والتغيير؛ فإذا بهم يصطدمون بجدار كونكريتي ويتفاجئون باعلان القتل حرابة لمجموعة اخرى من شبابهم المسالم كتأكيد لسياسة النظام دون تغيير حتى لو اختلف الجناة أو تبادلت الأدوار أو سقط ذاك وجاء هذا، عائلة قائمة على الخيانة والقتل والنهب والسلب ولاترى غير ذلك لبقائها في السلطة حيث التفكير القبلي الجاهلي .
ففي عام 1993 التقى أربعة من كبار قيادات أبناء المنطقة مع فهد بن عبد العزيز اعلن خلالها عن صفقة يتم خلالها السماح بعودة المئات من أبناء الشيعة من الخارج، واطلاق سراح المعتقلين السياسيين . ثم في عام 2003، أقدمت قيادات دينية وفكرية حقوقية متشكلة من أبناء الشرقية برفع عريضة بعنوان “شركاء في الوطن” تدعو الى ضرورة تحقيق المواطنة الكاملة، والاعتراف بحقوق الشيعة، والمساواة مع أبناء الوطن الواحد، وإنهاء التحريض الطائفي وأشكال العنف والكراهية ضدهم، حيث يبقى الأمر مسكوتاً حتى وصول عبد الله بن عبد العزيز العرش .
في عام 2005 تبنى الملك السعودي عبد الله عدّة مبادرات نظر البعض من المواطنين اليها كمسعى منه لتهدئة الانقسامات الطائفية وزيادة المشاركة في الحياة السياسية، فأنشأ جلسات الحوار الوطني ، وشارك الشيعة في الانتخابات البلدية.. إلا أنها جاءت مخيبة للآمال أيضاً حيث لم تتعد كونها مجرد وعود شكلية وحبر على ورق كان السبب الرئيسي فيه وجود نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية آنذاك المعروف بعدائه الشديد والحقد والكراهية الكبيرة التي يحملها تجاه أهالي الشرقية وهو ما أستورثه نجله، وذلك بدعم وتحريض المؤسسة الدينية خوفاً على موقعها الخاص في السلطة؛ لتعود الأمور على ماكانت عليه سابقاً بل إزداد الوضع سوءاً وزادت القبضة الحديدية والقمعية تجاه كل من ينبس بكلمة .
ثم تعدت سياسة القمع والبطش التكفيري الطائفي لتشمل سائر مناطق المملكة فكانت لتبلغ ذروتها في عام 2009 عندما قامت مجموعة من قوات أمن آل سعود بمعية مجموعة تكفيرية من ما يسمى بـ"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" والعكس صحيح، بالتعرض للزوار الشيعة القادمين من داخل المملكة وخارجها في المدينة المنورة ما اثار غضب أبناء المنطقة الشرقية واحتجاجات الشيعة في العديد من دول العالم .
الاعدامات الأخيرة لم ولن تكن الأخيرة التي يتعرض لها أبناء المنطقة الشرقية حيث تقارير منظمات حقوق الانسان الدولية تؤكد صدور أحكام بالاعدام حرابة ضد العشرات من خيرة شباب المملكة من أبناء الطائفة الشيعية بينهم علماء وأكاديمين وخبراء في الفيزياء والكيمياء والطب، بتهم واهية صورية مزيفة بين "العمالة" و"الخروج على الولي"، صدرت خلف الأبواب المغلقة لمحاكم شكلية هزيلة قادها قضاة آل الشيخ الحاقدين على كل من يختلف معهم دون تمييز وعشرات آلاف المعتقلين من مختلف المذاهب والقوميات والقبائل في عشرات السجون وفي مقدمتها سجن "الحائر" تلك المدينة الكامنة تحت الأرض لا يرى نزلاؤها النور ولا يزوره وفود المنظمات الدولية أبداً، دليل واضح على زيف مدعى السلطة بمؤسستيها السياسية والدينية .
ولكن.. أليس الصبح بقريب وأن الدم ينتصر على السيف ويعاقب المجرم في عقر داره رغم كل سلطته وسطوته وقوته وقدرته ودعمه الخارجي، والشواهد كثيرة في عالمنا العربي قبل غيره الأجنبي..
ارسال التعليق