لماذا تسعى السعودية لتوسيع نفوذها في آسيا الوسطى
منذ صعوده ليصبح ولي العهد في السعودية عام 2017، اعتمد "محمد بن سلمان" سياسة خارجية عدوانية في الشرق الأوسط تهدف إلى مواجهة إيران وعزلها.
وانخرط البلدان في صراعات بالوكالة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان. وتمتد خصوماتهما من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا (باكستان وأفغانستان) وأفريقيا (المغرب ونيجيريا والسودان وأثيوبيا والصومال) والقوقاز (أذربيجان).
وبالرغم أن السعودية طالما أقامت علاقات مع آسيا الوسطى، وهي منطقة ذات أغلبية سنية تضم كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، يرغب "بن سلمان" في تعزيز نفوذ المملكة في هذه المنطقة.
وكانت آسيا الوسطى تاريخيا مجال نفوذ لروسيا. ولا تزال المنطقة مرتبطة بروسيا من الناحيتين السياسية والاقتصادية والثقافية واللغوية، الأمر الذي سيكون من الصعب كسره.
ومع ذلك، كانت آسيا الوسطى تجتذب المزيد من الجهات الفاعلة الدولية ذات المصالح المختلفة في المنطقة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. ولأن هذه البلدان ذات غالبية سنية مسلمة، بدأت الدول الإسلامية القوية في الشرق الأوسط في تقديم تصوراتها المتباينة عن الإسلام إلى هذه المنطقة.
وكانت تركيا من أوائل الداخلين إلى آسيا الوسطى لتوسيع الوحدة القومية، وهي فكرة تقوم على توحيد البلدان ذات الأصل التركي وتوسيع تأثيرها الديني السني.
وكانت أكثر نجاحا في إنشاء موطئ قدم لها في كازاخستان وقيرغيزستان، مقارنة بأوزبكستان وطاجيكستان، من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية، وإنشاء المؤسسات التعليمية، وبناء المساجد.
وبالرغم أن نفوذ إيران في آسيا الوسطى ليس قويا، إلا أن التقارب اللغوي والثقافي لطاجيكستان مع إيران؛ حيث يتحدث كلاهما الفارسية، جعل البلدين أقرب.
ومع ذلك، فإن رفض طاجيكستان للنموذج الإيراني للحكومة الإسلامية، والعلاقات الثنائية الفاترة منذ التسعينيات، وضع بعض المسافة بينهما. وكان من الصعب تصدير التشيع من إيران إلى آسيا الوسطى ذات الكثافة السنية، وخاصة أن الحكومات في المنطقة علمانية أصلا.
ومنذ تسعينات القرن الماضي، تركز نفوذ السعودية ودول الخليج العربية الأخرى في آسيا الوسطى بشكل أساسي على بناء المؤسسات التعليمية والدينية في المنطقة، وبناء المساجد، وتمويل التعليم الديني للشباب والأئمة، وتوفير الدعم المادي للممثلين الرسميين من رجال الدين الإسلامي في بعض الدول، وتنظيم دورات اللغة العربية، وإطلاق مختلف المؤسسات الخيرية.
ويمتلك بنك "إيكو" الإسلامي، المدعوم من السعودية، أكثر من 120 فرعا في جميع أنحاء قيرغيزستان، ويقوم البنك بتحويل مدفوعات شهرية للأئمة المحليين. نتيجة لذلك، بنت السعودية علاقات مع الزعماء الدينيين والسياسيين في قيرغيزستان.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كان الهدف الرئيسي للسعودية في دول آسيا الوسطى هو نشر الوهابية.
وسعت المملكة إلى توسيع نفوذها في المنطقة التي كانت تعيد اكتشاف هويتها الدينية بعد 70 عاما في ظل نظام الإتحاد السوفيتي. ووفقا لـ "إيفجيني نوفيكوف"، الباحث في مجلس السياسة الخارجية الأمريكية، أنفق الاتحاد السوفيتي نحو 7 مليار دولار أمريكي على الدعاية الشيوعية خلال 70 عاما، في حين أنفقت المملكة 90 مليار دولار لنشر الأيديولوجية الوهابية في 20 عاما بدءا من الثمانينات.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى التأثير الديني للسعودية في آسيا الوسطى إلى حد كبير بشكل من عدم الثقة والقلق.
وبعد أن تم العثور على ما يقدر بـ 4 آلاف إلى 6 آلاف شخص من آسيا الوسطى في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، اتخذت دول آسيا الوسطى خطوات نشطة لتعليم المذهب "الحنفي"، من أجل مواجهة "الأيديولوجيات المتطرفة".
واعتمدت هذه الدول استراتيجية تدريس التربية الدينية التي تراها صحيحة، بدلا من تجنب الدين تماما.
ومع ذلك، لا يزال أتباع السلفية التي تروج لها السعودية موجودين في آسيا الوسطى. ووفقا للباحثة في شؤون آسيا الوسطى "أوريلي بيارد"، فقد وجدت السلفية مكانا بين بعض رجال الأعمال في كازاخستان، والطبقة الوسطى الحضرية.
ولا يتم تمويل هذه الشريحة مباشرة من قبل السعودية، لكنها تجد سهولة في الوصول إلى السوق السعودية والفرص التجارية هناك.
وفي حين أن هؤلاء السلفيين الكازاخستانيين لا يتخذون موقفا ضد الحكومة العلمانية للبلاد، فلا تزال الحكومة الكازاخستانية لا تثق بهم.
علاوة على ذلك، تقول "بيارد" إن رجال الأعمال السلفيين الكازاخستانيين قد يكونون مسالمين، لكنهم محافظون للغاية، ولهم تأثير متزايد على الأشخاص من حولهم. وهم معجبون بنموذج الحكم السعودي.
ويبقى تأثير السعودية ودول الخليج الأخرى صغيرا مقارنة بتأثير روسيا أو الصين. لكن "بن سلمان" لديه أهداف عملية لزيادة نفوذه في آسيا الوسطى لاحتواء وكبح النفوذ الإيراني.
وتضخ السعودية الأموال في طاجيكستان وكازاخستان لمساعدتهم على الابتعاد عن العلاقات التجارية مع إيران بالنظر إلى التجارة المتزايدة بين هذه الدول وإيران.
ويمثل انفتاح أوزبكستان على العالم، بعد وفاة الرئيس الاستبدادي الذي استمر طويلا في الحكم "إسلام كريموف"، عام 2016، في ظل خلفه "شوكت ميرزاييف"، فرصة جديدة للمملكة.
ومؤخرا، وقّعت "أكوا باور"، وهي شركة تطوير مرافق سعودية، اتفاقيات طاقة بقيمة 2.5 مليار دولار مع أوزبكستان. ويقوم الرئيس القيرغيزي "سورونباي جينبيكوف"، الذي عمل شقيقه سفيرا لدى المملكة، بتعزيز العلاقات السعودية القيرغيزية.
وفي حين ترحب حكومات آسيا الوسطى بالمزيد من المشاركة الاقتصادية والدبلوماسية السعودية، يبدو أن لديها شكوكا حول الفكر التي تروج له السعودية.
ارسال التعليق