لماذا لجأ آل سعود إلى قوات ومنظومات دفاعية بريطانية؟
التغيير
لم يمضِ عن الحديث حول سحب الولايات المتحدة لبطاريات باتريوت المضادة للصواريخ من مملكة آل سعود، إضافة إلى عشرات العسكريين الذين أرسلتهم بعد الهجمات على منشآت النفط بالمملكة العام الماضي وقتاً طويلاً، حتى حطت قوات عسكرية بريطانية في المملكة.
وتحركت الرياض سريعاً فيما يبدو لسد الفراغ الذي قد تتركه القوات الأمريكية التي تحدثت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن انسحابها من مملكة آل سعود، إلى جانب سربين من الطائرات المقاتلة، مع دراسة خفض الوجود البحري الأمريكي في الخليج العربي.
وكانت فكرة آل سعود لتعويض الانسحاب الأمريكي في عقد شراكة عسكرية مع بريطانيا وترجمة ذلك على أرض الواقع بإرسال لندن قوات عسكرية ومنظومات دفاعية إلى المملكة، وفقاً لما أعلن عنه خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، الأربعاء (10 يونيو 2020).
وتظهر مملكة آل سعود الأسباب المباشرة لإرسال هذه القوات إلى تحقيق شراكة استراتيجية مع بريطانيا وحفظ الأمن الإقليمي، ومواجهة كل ما يهدد مصالح البلدين، ولكن الأمر غير الظاهر قد يكون بوجود توقعات لدى الرياض بحدوث أي تصعيد بالمنطقة خاصة مع إيران.
خالد بن سلمان الذي أعلن عن وصول المعدات العسكرية ومنظومات دفاعية إلى المملكة، قال في تغريدة على حسابه في موقع "تويتر"، إنه أجرى اتصالات هاتفية مع وزير الدفاع البريطاني بن والاس، وبحث التعاون الثنائي بين البلدين في المجال العسكري، مقدماً شكره إلى الحكومة البريطانية.
صفقات الأسلحة
وبعد عام من الإيقاف أعلنت السلطات البريطانية، الثلاثاء (7 يوليو 2020)، استئناف إصدار تراخيص تصدير الأسلحة إلى مملكة آل سعود، بعد امتثالها العام الماضي لحكم قضائي يمنعها من بيعه للرياض؛ خشية من استخدامه في حرب اليمن.
وقالت وزيرة التجارة البريطانية ليز تروس، في بيان، إن الحكومة "أعادت اتخاذ القرارات التي كانت محل المراجعة القضائية على أساس قانوني صحيح، بحسب ما طالب الأمر الصادر عن محكمة الاستئناف العام الماضي"، وفق صحيفة "الغارديان".
وأضافت أنه "بناء على ما سبق، فالتعهد الذي التزم به سلفي للمحكمة (ليام فوكس) بأننا لن نمنح أي تراخيص جديدة لتصدير الأسلحة أو المعدات العسكرية لآل سعود لإمكانية استخدامها في اليمن، لم يعد قائماً".
ولم تتوقف الحكومة البريطانية عن مغازلة المملكة في المجال العسكري، حيث قامت بدعوتها للمشاركة في معرض للسلاح سيقام في لندن.
ووجهت لندن بالفعل دعوة رسمية للرياض لحضور معرض معدات الدفاع والأمن الدولي (دي إس إي آي).
وإلى جانب القوات والمعدات العسكرية البريطانية التي وصلت مملكة آل سعود، تعد الرياض سوقاً جيداً للندن في بيع الأسلحة، حيث وصل حجم مبيعات الأسلحة البريطانية والخدمات للجيش السعودي، بين 2015 و2019، إلى ما يزيد على 15 مليار جنيه إسترليني (18 مليار دولار)، وفقاً لبيانات شركة "بي إيه إي سيستيمز"، ونشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، في أبريل الماضي.
وتكشف الأرقام المأخوذة من التقرير أن الشركة البريطانية المصنعة للأسلحة قد حققت 2.5 مليار جنيه إسترليني (3 مليارات دولار) من المبيعات للجيش السعودي خلال عام 2019 بأكمله.
وواصلت مملكة آل سعود شراء الأسلحة البريطانية خلال العام الجاري؛ إذ عقدت صفقة في مارس الماضي، حسب صحيفة "الغارديان"، بقيمة تبلغ نحو 5.3 مليارات جنيه إسترليني (6 مليارات دولار)، شملت أسلحة وقنابل ذكية وأنظمة تتبُّع ومراقبة من بريطانيا.
وتُعد مملكة آل سعود أكبر مشترٍ للسلاح البريطاني، بحسب ما ذكر في موقع "منظمة ضد تجارة الأسلحة" الموجودة في المملكة المتحدة، حيث فاق حجم الصفقات العسكرية بين عامي 2015 و2017 حاجز الـ13 مليار جنيه إسترليني (15 مليار دولار)، وشملت معظم الصفقات أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية.
ووفق تقارير صحفية تُشكل مشتريات آل سعود 43% من إجمالي مبيعات السلاح البريطانية خلال العقد الأخير.
قصف مرتقب
الخبير العسكري يوسف الشرقاوي يؤكد أن لجوء آل سعود إلى القوات العسكرية البريطانية، والمنظومات الدفاعية التابعة لها، وجلبها إلى أراضيها، يأتي لعدة أسباب، أبرزها أنها ربما تنتظر قصفاً صاروخياً على غرار القصف الذي استهدف منشآت "أرامكو" النفطية في بقيق وخريص شرقي المملكة في سبتمبر 2019، وخلف أضراراً اقتصادية.
وتريد مملكة آل سعود من وجود القوات العسكرية البريطانية على أراضيها، كما يؤكد الشرقاوي، في حديث صحفي تعويض سحب الولايات المتحدة لبعض بطاريات الباتريوت كما هو متداول في الصحافة الأمريكية، خاصة مع وجود تفكير سعودي بالتحلل من الاتفاقيات مع واشنطن؛ لكونها استنزفت خزينة آل سعود مالياً.
وحول قدرة الدفاعات الجوية البريطانية في التصدي لأي هجمات من أنصار الله في حال حدثت على منشآت آل سعود الحيوية، كالمطارات، أو شركات النفط، أو القوعد العسكرية، يوضح الشرقاوي أن القدرات البريطانية قد تنجح إلى حد ما بالتصدي لصواريخ أنصار الله.
ويستدرك بالقول: "لكن كما هو معروف لا تحقق الدفاعات الجوية الموجودة مع مختلف الجيوش العالمية نسب نجاح مرتفعة في أدائها، بنسبة 100%، لذا قد تصل الصواريخ إلى أهدافها، كما حدث في منشآت آل سعود، وكذلك في القواعد الأمريكية بالعراق".
ووفق المحلل العسكري تتميز أنظمة الدفاع الجوية البريطانية بامتلاكها صواريخ متطورة فيها ماسح يعمل بالأشعة دون الحمراء، ومعالج للمعلومات يعاون على اكتشاف وتمييز وتخصيص الأهداف، ويعمل على توجيه معدات تسديد الصواريخ آلياً نحو الهدف.
ولا تختلف أنظمة الدفاع الجوي البريطانية حسب حديث الخبير العسكري، كثيراً عن الأنظمة الأمريكية أو الفرنسية أو الغربية بشكل عام، لكون جميع تلك الدول تتشابه في إنتاج تلك الأسلحة، مع تفاوت بسيط في القدرات والمدى والدقة.
وتتنافس بريطانيا والولايات المتحدة، كما يوضح الشرقاوي، على الاستثمار عسكرياً واقتصادياً في مملكة آل سعود منذ اكتشاف النفط فيها، وتضخم ثروتها المالية، لذلك لن تترك واشنطن المملكة لبريطانيا، وستعمل على إبقاء قواتها فيها.
ارسال التعليق