لماذا يخشى ابن سلمان الأمير محمد بن نايف وما سر الوثائق التي يحتفظ بها محاموه في بريطانيا وسويسرا
التغيير
لماذا يخشى بن سلمان الأمير محمد بن نايف؟ ولماذا يسعى لتدميره بل قتله تماما ليختفي للأبد عن الساحة، ويعتبره تهديدا شخصيا له خصوصا في الأشهر القادمة، إذا خسر ترامب الإنتخابات؟
نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا مفصلا عن الامير محمد بن نايف، منذ بداية صعوده حتى إنتهى به الامر في معتقلات بن سلمان، ولماذا يشكل خطرا على بن سلمان، ومدى علاقاته القوية وماذا فعل.
بدأ فصل جديد قاتم في “لعبة العروش” للسيطرة على الجزيرة العربية، حيث يُعدّ “محمد بن سلمان” اتهامات بالفساد وعدم الولاء ضد سلفه ومنافسه السابق، “محمد بن نايف”، الرجل الذي كان في السابق بطل الولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب في المنطقة. وبدأت المواجهة الداخلية داخل العائلة المالكة تتصاعد منذ إطاحة “بن سلمان” بسلفه في يونيو/حزيران 2017.
وتكمن جذور هذه المواجهات في التنافس المرير بين أنصار الملك الراحل “عبدالله”، الذي كان يدعم “بن نايف” كولي للعهد، وحاشية خليفته، الملك “سلمان”، وابنه المتهور “محمد بن سلمان”، اللذان صعدا إلى السلطة بعد وفاة الملك “عبدالله” في يناير/كانون الثاني 2015.
وتقول مصادر سعودية وأمريكية إن لجنة مكافحة الفساد، التي أنشأها “بن سلمان”، على وشك الانتهاء من تحقيق مفصل في مزاعم مفادها أن “محمد بن نايف” حوّل بشكل غير شرعي مليارات الريالات من خلال شبكة من الشركات الأمامية والحسابات الخاصة، بينما كان يدير برامج مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية.
وعمل “ابن نايف” في وزارة الداخلية أولا كمساعد لوالده الأمير الراحل “نايف بن عبدالعزيز”، ثم خلفه كوزير بين عامي 2012 و2017. وقال أحد مساعدي “بن نايف” إن المحققين السعوديين طلبوا منه سداد 15 مليار دولار يزعمون أنه سرقها، بالرغم من أنه ليس من الواضح كيف وصلوا إلى هذا الرقم.
ويقول أنصار “بن نايف” إن هذه الاتهامات كاذبة، وتناقض المرسوم الملكي لعام 2007 الصادر عن الملك “عبدالله”، الذي أقر بجميع أنشطة “بن نايف” ونص على صدور تقرير سنوي مفصل حول إنفاقه.
وتدعم الوثائق المقدمة من أحد زملاء “بن نايف”، وتمت مراجعتها من قبل “واشنطن بوست” ادعاءات “بن نايف” بأن أنشطته المالية السرية تمت الموافقة عليها، على الأقل في خطوطها العريضة، من قبل الملك الراحل.
وأكد مرسوم سري، صدر في 27 ديسمبر/كانون الأول 2007، يحمل توقيع الملك “عبدالله” المميز، أن “مساعد وزير الداخلية محمد بن نايف سيستمر في إدارة صندوق مخصص لدعم جهود مكافحة الإرهاب”.
كما يأذن المرسوم لـ”بن نايف” بإنشاء “التغطيات المناسبة” لإخفاء الأنشطة الحساسة، وينص المرسوم على أن “بن نايف” “سيطلعنا (أي الملك) في نهاية كل سنة مالية” على أوجه الإنفاق من الصندوق السري.
ابن سلمان و ابن نايف صندوق سري
ويلخص تقرير صادر عام 2013 من قبل “بن نايف” وموجه إلى الملك “عبدالله” تفاصيل الإنفاق السري لصندوق مكافحة الإرهاب في تلك السنة المالية.
وتطلب الوثيقة المؤرخة بتاريخ 20 مايو/أيار 2013 الموافقة على إنفاق 5 مليارات ريال سعودي على 8 مشروعات، منها 378 مليون ريال مخصصة لـ”مطارات سرية”، و1.6 مليار ريال لـ”خدمات النقل الجوي”، و1.5 مليار ريال مقابل “موارد الأمن”، مثل الأسلحة.
وقد يشير بند “المطارات السرية” إلى مشروع كشفت عنه هيئة الإذاعة البريطانية في فبراير/شباط 2013 يتعلق ببناء قاعدة طائرات بدون طيار في المملكة.
وقد عاد التقرير لـ”بن نايف” بعد 3 أيام، برسالة من “خالد التويجري”، رئيس الديوان الملكي، وبجانب طلب الموافقة على الـ5 مليارات ريال، قالت مذكرة مكتوبة بخط يد الملك “عبدالله”، “لا مشكلة”، بحسب وثيقة راجعتها “واشنطن بوست”.
وقال مساعد “بن نايف” إن هذه الوثائق يحتفظ بها محامو “بن نايف” في بريطانيا وسويسرا، وسوف تتاح في أي إجراء قانوني دولي قد ينشأ.
ويقول مسؤولون سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إنهم كانوا على علم بسيطرة “بن نايف” على مثل هذه الحسابات السرية لمكافحة الإرهاب في ذلك الوقت، وأنه قد تم استخدامها للمساعدة في تمويل المشاريع المشتركة بين آل سعود وأمريكا.
وقال “جون برينان”، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق، الذي عمل بشكل وثيق مع “بن نايف” لأكثر من عقد، في مقابلة: “تم تزويد وزارة الداخلية بميزانية حتى يتمكنوا من بناء القدرات وتجنيد الأفراد وتطوير تقنيات الاتصالات لاختراق تنظيم القاعدة. وكان الملك عبدالله يرى أن عليه أن يستثمر في الأنشطة التي يقودها بن نايف، الذي كان يعد أحد رجاله المفضلين”.
وحول الادعاء بأن “بن نايف” اختلس أموالا من حسابات المخابرات، قال “برينان”: “على حد تفاعلي مع بن نايف، لم يظهر لي كشخص قد يتورط في نشاط فاسد أو أنه كان يسرق المال”.
وتحدث “جورج تينيت”، الذي كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية عندما تولى “بن نايف” مهمة مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية في عام 2003، بشكل إيجابي عن “بن نايف” في مذكراته، التي جاءت بعنوان “في قلب العاصفة.. سنواتي في السي آي إيه”، ونشرت عام 2007.
وتوضح قصة صعود “بن نايف”، كما روى أصدقاؤه وزملاؤه السابقون، تحول المملكة البطيء نحو التحديث، حتى في الوقت الذي تمزقها فيه الغيرة والعداوات العائلية.
ونشأ الأمير، البالغ من العمر الآن 60 عاما، في قلب السياسة الحاكمة للمملكة، وكان والده “نايف بن عبدالعزيز”، نجل الملك المؤسس “عبدالعزيز بن سعود”، وزيرا للداخلية لمدة 37 عاما بين عامي 1975 و2012.
وجسّد “نايف” أفكار الحرس السعودي القديم، وكان محافظا وصارما وداعما للمؤسسة الدينية الوهابية في المملكة.
وتحت قيادته، كانت وزارة الداخلية بيروقراطية بطيئة، بدون أدوات أمنية حديثة، وأصبحت نقاط الضعف هذه خطيرة عندما بدأ المقاتلون الجهاديون السعوديون في العودة إلى الوطن من أفغانستان في التسعينات وانجرفوا نحو فكر “القاعدة”.
واحتاجت الوزارة إلى تغيير، وشجّع “عبدالله”، الذي كان آنذاك ولي العهد ولكنه كان يدير البلاد بشكل فعّال نيابة عن الملك المريض، “فهد”، شجّع “بن نايف” على الانضمام إلى الوزارة عام 1999 كمساعد لوالده.
وكأمير شاب، عاش “بن نايف” حياة نموذجية كعضو من العائلة المالكة، حيث قام ببيع العقارات في جدة، واستفاد من المشاريع المشتركة مع الشركاء السعوديين الأثرياء.
ويتذكر الأصدقاء أنه كان يحب صنع وإنفاق المال، لكن كان لديه بعض أوراق الاعتماد التي أبهرت الملك؛ حيث أكمل الدراسة الجامعية في الولايات المتحدة، وهو يتحدث الإنجليزية بشكل جيد، وحصل على تدريب في مكافحة الإرهاب مع مكتب التحقيقات الفيدرالي والشرطة البريطانية “سكوتلاند يارد”.
وكان أول مشروع لـ”بن نايف” في عام 1999 هو إصلاح أكاديمية الشرطة بمملكة آل سعود، وهو مركز تدريب متطور تم تجنيد مرشحيه غالبا من خلال المحسوبية.
وجدد “بن نايف” الأكاديمية بمساعدة خريج موهوب يدعى “سعد الجابري”، وهو ضابط سابق في الشرطة بمملكة آل سعود حصل على شهادة الدكتوراه في علوم الكمبيوتر من جامعة “إدنبره”، وبدأ ذلك التعاون شراكة استمرت حتى الإطاحة به.
وبعد تحديث الأكاديمية، تم تكليف “الجابري” بإعادة تنظيم مكتب الشؤون العسكرية بالوزارة، وهو مركز آخر للمحسوبية يتسم بضعف الأداء.
وواجه “بن نايف”، أول اختبار حقيقي له في التعامل مع انتفاضة عام 2000 في نجران، وهي مدينة على طول الحدود الجنوبية للمملكة مع اليمن، كان بها عدد كبير من المسلمين الإسماعيليين.
وبعد اعتقال رجل دين إسماعيلي بتهمة السحر، انشق العشرات من الضباط العسكريين، وتعرض مقر حاكم المنطقة للهجوم.
وأراد الحرس القديم في الوزارة شن حملة صارمة، لكن “بن نايف” تفاوض على تسوية سلمية، وأصبح هذا النمط التصالحي علامة تجارية لـ”بن نايف”.
ويكلف الإصلاح أموالا، ونتيجة ذلك فإن وزارة الداخلية بمملكة آل سعود تكبدت تكاليف كبيرة، لذا فقد سمح ولي العهد “عبدالله بن عبدالعزيز” عام 2003 باستخدام 30% من عائدات الوزارة من الغرامات ورسوم جوازات السفر والإقامة وغيرها من الإيرادات لتمويل الأنشطة الخاصة بالوزارة.
وقال مساعد “بن نايف” إن هذه كانت بداية الترتيبات المالية الخاصة التي أدت إلى التحقيق الحالي.
مكافحة الإرهاب
وواجهت المؤسسة الأمنية بمملكة آل سعود تحديا آخر بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وكان “بن نايف” مقتنعا بأن الهجمات كانت مؤامرة تهدف إلى تشويه سمعة المملكة، واستمر موقف الإنكار السعودي هذا حتى مايو/أيار 2003، عندما هاجم أفراد “القاعدة” مجمعا سكنيا أجنبيا في الرياض، وقتلوا فيه 35 شخصا، بينهم 10 أمريكيين.
وهرع “تينيت” إلى الرياض لعقد اجتماع عاجل لتحذير الأمير “عبدالله” من أن العائلة المالكة تواجه تهديدا خطيرا.
وقال “تينيت” للملك إن مؤامرات “القاعدة” “كانت موجهة ضد العائلة المالكة والقيادة الدينية”، وحثه على “إعلان الحرب”، كما كتب في مذكراته.
ورشح “عبدالله” قائده على الفور، وكما ذكر “تينيت”: “نظر الملك إلى “بن نايف” وقال له أمام الآخرين: “ستتعامل مع مكافحة الإرهاب”.
وفي الأعوام التالية، حدّث “بن نايف” جهاز الأمن التابع لوزارة الداخلية، المعروف باسم “المباحث”، وحوله إلى قوة حديثة لمكافحة الإرهاب.
وموّل “بن نايف” العمليات من خلال صندوقه الـ30% الذي خصصه الملك “عبدالله”، لكن النفقات زادت، وبحلول عام 2006، قرر الملك “عبدالله” منح “بن نايف” المزيد من الأموال لعمليات المخابرات السرية، خاصة ضد تنظيم “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية، فرع القاعدة في اليمن.
وكان هدف الملك “عبدالله” هو شن عملية جريئة ضد تنظيم “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية في فبراير/شباط 2006، حيث بنى نفقا بطول 460 قدما لتحرير 23 من معتقليه في اليمن.
وبحسب المصادر، تلقى “بن نايف” منحة طارئة بقيمة 200 مليون ريال عام 2006 لزيادة عملياته ضد “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية.
ويشير مرسوم ملكي سري للملك “عبدالله” في ديسمبر/كانون الأول 2007 إلى موافقة الملك على جميع نفقات مكافحة الإرهاب السابقة، بما في ذلك مخصصات اليمن الخاصة، وفقا للوثيقة التي راجعتها “واشنطن بوست”.
وتناول المرسوم 3 نقاط رئيسية أخرى، وهي أنه يمكن لـ”مساعد الوزير” (بن نايف) الاستمرار في إنفاق ما هو مطلوب لمكافحة الإرهاب، مع تقديم تقارير سنوية إلى الملك؛ حيث يمكنه تنظيم الشركات الخاصة حسب ما يراه مناسبا؛ والحصول على حصة أكبر من دخل رسوم الوزارة، ارتفعت إلى 45%”.
وأرسل “عبدالله” مرسوما عام 2007 إلى “نايف بن عبدالعزيز”، الذي كان لا يزال الوزير اسميا، وقام “نايف” بإلحاق مذكرة بخط يده لابنه “محمد بن نايف”.
ولإدارة العمليات بشكل آمن، قرر “بن نايف” إنشاء شبكة لما تسميه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “المالكين”، وهي شركات خاصة اسمية تُستخدم لإجراء العمليات السرية.
وأخبر مساعديه في الوزارة، في وثيقة راجعتها “واشنطن بوست”، أنه عبر إنشاء شركات التغطية هذه، فإنه كان “يحاكي المعيار الذي تتبعه وكالات الأمن الدولية”، وأنه يريد إنشاء شركات يمكنها توفير تكنولوجيا آمنة وتسمح بنقل المسلحين بدون “إحراج” للخطوط الجوية التابعة لآل سعود.
وطلب “بن نايف” من اثنين من كبار المساعدين، وهما “الجابري”، رئيس موظفيه، و”عبدالله الحمد”، المسؤول المالي الأول في الوزارة، الإشراف على الشبكة.
ولمكافأتهما على إدارة النظام، وعدهما “بن نايف” بـ5% من الربح السنوي للشركات المملوكة للوزارة، وفقا لوثيقة راجعتها الصحيفة، وكان مثل هذا الترتيب ليتم منعه بالتأكيد في أجهزة المخابرات الغربية، لكن المملكة تعمل بقواعد مختلفة لمكافأة رجالها على الولاء.
وقد تم إدارة شبكة الشركات الأمامية هذه من خلال شركة “سكاب” القابضة ومقرها الرياض، ويعني “سكاب” باللغة العربية الحصان الرشيق جدا إلى درجة أنه يتحرك مثل الماء الجاري، وكان شعار الشركة عبارة عن حصان منمق، مرسوم بالذهب.
وحددت عقود التأسيس الخاصة بـ”سكاب”، بتاريخ 9 مايو/أيار 2008، اثنين من رجال الأعمال السعوديين كمديرين اسميين للشركة، مع وعد بـ1% من الربح السنوي.
وأدارت “سكاب” 4 شركات رئيسية، يقع مقرها الرئيسي في الرياض، وهي “ألفا ستار” لخدمات الطيران، التي كانت تنقل أفراد المخابرات وأسلحتهم، وشركة بناء، بشراكة مع شركة تركية معروفة، قامت ببناء البنية التحتية للمباحث وعملياتها، بما في ذلك مبنى المقر الجديد، وشركة للمراقبة الأمنية، التي قدمت المركبات المدرعة وغيرها من الخدمات الأمنية، وأخيرا، شركة للتحكم التكنولوجي مع الشركات الأمريكية وشركات بمملكة آل سعود لتوفير تقنيات التشفير وخدمات فك التشفير واستخراج البيانات والخدمات الرقمية الأخرى.
وطمأن “بن نايف” الملك بتقديم حسابه لعام 2013، قائلا: “أريد أن أبلغ جلالتك أن جميع المعلومات محصورة في أضيق الدوائر، ويتم توثيق كل خطوة وتداولها بسرية عالية”.
بن نايف هبة من السماء
وبالنسبة للحكومة الأمريكية، التي كانت تخشى قبل أعوام قليلة أن تتغلب “القاعدة” على المملكة، فقد كان عمل “بن نايف” الممول جيدا ضد المتطرفين هبة من السماء.
وفي 30 مارس/آذار 2009، تفاخرت برقية من السفارة الأمريكية في الرياض موجهة إلى وكالات الاستخبارات والأمن القومي في واشنطن بأن وزارة الداخلية كانت “الوزارة الأكبر والأكثر نفوذا على الصعيد المحلي”.
وقالت البرقية إن “بن نايف” “يحظى بتقدير كبير من قبل الملك “عبدالله” ويحظى باحترام كبير من قبل الشعب السعودي لعمله الفعال في هزيمة “القاعدة” في المملكة وإدارة برنامج فعال لإزالة التطرف حصل على دعم محلي وقبلي واسع، والنتيجة هي أن “العمليات المهمة للولايات المتحدة يمكن أن تتم بطريقة فعالة وتعاونية للغاية داخل المملكة”.
وقال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين المتمركزين في الرياض: “لقد فهم الجميع في الحكومة الأمريكية أن بن نايف كان لديه أوسع سلطة إنفاق من الملك”، وقال إنه من خلال هذه القناة، “قام السعوديون بتمويل العديد من العمليات المشتركة بين آل سعود وأمريكا لمكافحة الإرهاب!”.
ويقع الإنفاق المشترك مع جهات أجنبية خارج نطاق إشراف الكونجرس أو السلطة التنفيذية العادي، لكن المسؤولين السابقين يصرون على عدم إساءة استخدام الأموال.
وكانت ثمار هذه الشراكة واضحة في عام 2010، عندما اكتشف السعوديون مؤامرة من قبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لنقل متفجرات مخبأة داخل خراطيش طابعات كمبيوتر كان سيتم شحنها على متن طائرات الشحن الدولية.
ووفقا لمسؤولين أمريكيين وسعوديين سابقين، فإن هذه العملية، التي شملت عملاء تم تجنيدهم من خلال صناديق العمليات الخاصة لـ”بن نايف” في اليمن، أنقذت العديد من الأرواح.
وأعطى المال “بن نايف” قوة فريدة من نوعها، وتم تكليف “بن نايف”، مع هذا الصندوق السري، بمهمة حساسة تتمثل في توزيع الأموال على الأمراء والأعيان الآخرين.
ولطالما كانت هذه المدفوعات ممارسة شائعة في المملكة، وهي في الواقع طريقة لتعزيز الأمن من خلال ممارسة السخاء من قبل العائلة المالكة.
وقال مساعد “بن نايف” إن كبار الأمراء، وعلى رأسهم الملك الحالي “سلمان” عندما كان حاكما للرياض، ووولي العهد الأسبق “نايف” عندما كان وزيرا للداخلية، كانوا يتلقون رواتب شهرية بملايين الريالات.
لقد وضع “عبدالله” ثقة استثنائية في “بن نايف”، وتعمق هذا الالتزام بعد محاولة اغتيال كادت أن تودي بحياته في 27 أغسطس/آب 2009.
وزار أحد عناصر تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب”، ويدعى “عبدالله العسيري”، قصر “بن نايف” في جدة بحجة الاستسلام شخصيا لبرنامج إعادة تأهيل الإرهابيين التابع للوزارة، قبل أن يفجر عبوة ناسفة مخبأة في “المستقيم”، ويصيب “بن نايف” في الانفجار، وقد هرع الملك “عبدالله” بنفسه لرؤيته في المستشفى.
ويبدو أن دعم “عبدالله” لرئيس مكافحة الإرهاب لديه لم يتذبذب، وخلف “بن نايف” والده كوزير للداخلية في عام 2012، وحتى بعد وفاة “عبدالله” وخلافة “سلمان”، تم تعيين “بن نايف” وليا للعهد في أبريل/نيسان 2015، ما يشير إلى أنه سيصبح في نهاية المطاف ملكا، لكن “بن سلمان” كان قد تم تعيينه وليا لولي العهد في نفس الوقت، وكانت تلك علامة مشؤومة لـ”بن نايف”.
وفهم “بن نايف” أن موقعه المميز في عهد “عبدالله” قد انتهى، وفي منتصف عام 2015، بدأ في تصفية شبكته السرية من الشركات عن طريق نقل الملكية إلى صندوق الاستثمار العام السعودي، صندوق الثروة السيادية في المملكة.
وأشار خطاب مكتوب بخط اليد من “بن نايف”، بتاريخ 1 أغسطس/آب 2015، إلى التقييمات الجديدة لصندوق الاستثمار العام وزيادة قيمته بعد تلقي الأموال الأولية من “بن نايف”.
وكان صافي أرباح شركة “ألفا ستار” وحدها بعد خصم جميع القروض ومكافآت مجلس الإدارة والمصروفات حوالي 4.5 مليار ريال.
ومع ذلك، كانت بصمة “بن سلمان” ترتفع في البلاط الملكي، وتم طرد “الجابري”، كبير مساعدي “بن نايف”، في 10 سبتمبر/أيلول 2015، بعد أن التقى في الخارج مع “برينان”، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية آنذاك.
وفي رسالة بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وجه “بن نايف” تعليمات إلى “الجابري”، الذي كان قد أصبح وقتها مستشارا خاصا، للمضي قدما في “إعادة هيكلة الشركات القائمة وتصفيتها”.
وبالرغم من أن “بن نايف” كان قد وعد “الجابري” و”حماد” بـ5% من أي أرباح تعويضا عن دورهما الإداري، فقد خفض “بن نايف” هذا الوعد إلى النصف فقط، وقد تم دفع هذه المدفوعات في أواخر عام 2015.
ولم يكن “بن نايف” كثير الإنفاق، مقارنة ببعض الأمراء الكبار، وفقا للأمريكيين الذين عرفوه جيدا، لكنه زاد ثروته الخاصة بشكل ملحوظ خلال خدمته الحكومية كرئيس لمكافحة الإرهاب.
وربما يكون قد فعل ذلك كله بمباركة الملك، كما تقترح الوثائق، لكن مشكلة الفساد تبقى قضية رئيسية للمملكة، وبالرغم من أن “بن سلمان” نفسه ينفق ببذخ واضح ودون مساءلة، لكن حملته على الأمراء الأثرياء ورجال الأعمال هي أحد الأسباب التي تجعله يحظى بشعبية في الداخل، بالرغم من حكمه الاستبدادي القاسي، لكن الأمر المقلق بشأن اعتقاله ومقاضاته المحتملة لـ”بن نايف” هو أنه ربما يستخدم قضية الفساد لتدمير المنافسين.
بن سلمان والفصول الأخيرة
وتأتي الفصول الأخيرة من قصة “بن نايف” بنهاية حزينة؛ بعد أن أصبح غير قادر على مجاراة “بن سلمان” في قدرته على حماية أصدقائه ومعاقبة أعدائه.
ويقول الأصدقاء الأمريكيون والسعوديون لـ”بن نايف” إنه ربما يكون قد فقد الكثير من قوته بسبب إدمانه لمسكنات الألم بعد إصابته في محاولة الاغتيال عام 2009.
ووجد “بن سلمان” الطموح والمجازف حليفا جديدا قويا في نفس الوقت، عندما أصبح “دونالد ترامب” رئيسا عام 2017.
وفر “الجابري” من المملكة في مايو/أيار 2017، وطلب “بن سلمان” من أميرين بارزين، وهما “محمد بن فهد” و”خالد بن سلطان” الاتصال بـ”بن نايف” وإخباره أن اللعبة انتهت، وأنهما قد عقدا صفقتهما مع منافسه، ولم يكن أمام “بن نايف” أي خيار سوى الاستقالة من منصبه كولي للعهد.
وأقسم “بن نايف” بالولاء لـ”بن سلمان”، وأعلن مرسوم ملكي صدر في 21 يونيو/حزيران 2017، أنه تم عزل “بن نايف” من منصبه كولي للعهد لصالح “بن سلمان”.
وقد بدل بعض أصدقاء “بن نايف” وحلفائه السابقين، بما في ذلك كبار الضباط في المباحث، ولاءهم بالفعل، وأصبحوا من أنصار “بن سلمان”، فيما تم إلقاء القبض على آخرين حيث تعرضوا للتعذيب.
واشتد الضغط على “بن نايف”، وتم منع زوجته وبناته من السفر إلى الخارج، واستولت السلطات على 21 مليار ريال من الأصول العائلية السائلة المملوكة له، بما في ذلك 17.8 مليار ريال من الحيازات الشخصية، و3.1 مليار ريال تتعلق بـ”سكاب”.
وفي 6 مارس/آذار 2020، تم اعتقال “بن نايف” مع عمه الأمير “أحمد”، وقال مسؤول في الديوان الملكي إن الاثنين كانا يخططان لانقلاب، وسيحاكمان بتهمة الخيانة.
وكتب “ويليام شكسبير” في مسرحية “هنري الرابع”، الجزء الثاني قائلا: “يخاف الناس من الرأس التي ترتدي تاجا”، وينطبق هذا المبدأ على ولي العهد، في الماضي والحاضر.
ويعد الارتفاع المبهر ثم السقوط المأساوي لـ”محمد بن نايف” مأساة جديرة بأن يكتب عنها “شكسبير”.
ومهما كانت إخفاقات “بن نايف”، فإن ضباط الاستخبارات الأمريكية الذين عملوا معه يعتبرونه بطلا ساعد في إنقاذ بلاده عندما كانت مهددة بشكل قاتل، وهم يتذكرون إلى اليوم شعار المباحث، جهاز الأمن الحديث الذي ساهم “بن نايف” في صناعته: “وطن لا نحميه، لا نستحق العيش فيه”.
ارسال التعليق