ما لم يقله بن سلمان في مقابلته مع توماس فريدمان
حظيت المقابلة الصحفية التي أجراها مؤخراً ولي العهد والحاكم الفعلي "محمد بن سلمان" مع الكاتب الأمريكي اليهودي الأصل "توماس فريدمان" من صحيفة "نيويورك تايمز" باهتمام المراقبين لما لها من تداعيات وانعكاسات داخلية وخارجية محتملة على المستويين القريب والبعيد.
ومن أبرز ما جاء في هذه المقابلة هو ما أطلق عليه بن سلمان "مكافحة الفساد" و"ملف الموقوفين" وما أسماه "الإسلام المعتدل" و"الحرب ضد اليمن" وأمور أخرى سنأتي عليها تباعاً.
وقبل الخوض في ثنايا هذه المقابلة لابدّ من الإشارة إلى أن معظم المقابلات الصحفية لابن سلمان تجرى مع صحف وشخصيات أجنبية ويندر جداً أن ترى مقابلات مماثلة مع صحف ومواقع عربية أو حتى سعودية. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على مدى ارتباط بن سلمان بالدوائر الأجنبية وقلّة اهتمامه وإهماله لما يتم تداوله من قضايا على الصعيدين الداخلي والعربي.
- ذكر بن سلمان خلال ردّه على سؤال فريدمان عن الفساد في المملكة بأن "جميع الحروب التي شنّت على الفساد انتهت إلى الفشل لأنها بدأت من الأسفل إلى الأعلى"، وفي هذا اعتراف صريح بأن هدم الفساد يجب أن يبدأ من رأس الهرم وليس بحديث موسمي على مستوى الإعلام، في وقت يعتقد فيه المراقبون بأن بن سلمان نفسه يقف على رأس الفاسدين.
وأشار بن سلمان إلى أن إجمالي الهدر المالي بسبب الفساد بلغ 10 % من ميزانية المملكة، والسؤال المطروح: كم تساوي الـ 10%؟ الجواب: "ترليون وثلاثمائة وتسع وثمانون مليار وسبعمائة وواحد وأربعون مليون ريال سعودي (1,389,741,000,000 ريال). فهل هذا الرقم بسيط كي يتعمد بن سلمان التقليل من أهميته؟
- قال بن سلمان أيضاً أن 95 في المئة من الموقوفين بتهم الفساد وافقوا على التسوية وإعادة الأموال، مشيراً إلى أنه يتوقع أن تصل هذه الأموال إلى 100 مليار دولار. والسؤال: عمّا يكشف هذا الرقم، ألا يشير إلى حجم وحقيقة الفساد المستشري في المملكة جراء قرارات بن سلمان الارتجالية والفاشلة.
وتجدر الإشارة إلى أن صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية كانت قد نقلت في وقت سابق عن مسؤولين سعوديين قولهم، إن السلطات عرضت على الأمراء ورجال الأعمال الموقوفين، التنازل عن 70% من ثرواتهم مقابل إخلاء سبيلهم في إطار حملة "مكافحة الفساد" في خطوة وصفها المراقبون بأنها ذات أهداف سياسية تسعى لتوطيد حكم ولي العهد السعودي. ومن الطريف أن ننوّه هنا إلى أن الكثير من المحللين بات يطلق مصطلح "مكافأة الفساد" مقابل ما يسميه بن سلمان "مكافحة الفساد".
المحور الثاني الذي تناولته مقابلة "توماس فريدمان" مع بن سلمان ركّز على ما أسماه الأخير "الإسلام المعتدل" و"محاربة التشدد" ضمن اعتراف صريح بوجود حملة شرسة وممنهجة للقضاء على الخصوم الدينيين على وجه التحديد تحت يافطة "مواجهة التشدد".
وأشار بن سلمان في هذا الخصوص إلى أن السعودية كانت تسير ضمن ما أسماه "خط الاعتدال" حتى عام 1979 ولكنها اضطرت لتغيير منهجها بعد ذلك لأسباب منها اندلاع الثورة في إيران والخشية من انتشار تأثيراتها إلى داخل المملكة.
ومن المعلوم أن تبسيط الوعي بهذه الطريقة لايمكن أن ينطلي على الباحث والمتخصص لأن سلطات الرياض تحارب كل من يخالفها الرأي والمعتقد وتزج به في مطامير السجون أو تقطع رأسه، لأن المذهب الوهابي الذي تنتهجه يبيح هدر الدماء بهذه الذريعة.
والمتابع للإجراءات التي اتخذها بن سلمان لقمع المعارضين الدينيين يستشف أن الهدف ليس الإصلاح كما يدّعي؛ بل التخلص من الخصوم بعد أن افتضحت نواياه التي يسعى من خلالها لكسب ودّ الغرب خصوصاً أمريكا ولإثبات ولائه وإخلاصه لهم في محاربة كل من يدافع عن حقوق المظلومين والمضطهدين في داخل البلاد وخارجها، والقمع الذي وصل أقصى مداه ضد المنطقة الشرقية بسبب التمييز الطائفي لم يعد خافياً على أحد، كما أن العدوان الجائر الذي تتزعمه السعودية ضد الشعب اليمني منذ نحو ثلاث سنوات والذي أهلك الحرث والنسل ودمر البنى التحتية لم يبقِ لأحد حجة في الدفاع عن آل سعود، وما كشفته المنظمات الحقوقية والإنسانية في هذا الخصوص خير شاهد على ذلك.
خلاصة يمكن القول بأن الرسائل التي بعثها بن سلمان في مقابلته مع "توماس فريدمان" والتي سنتطرق إلى محاور أخرى منها في حلقة قادمة كانت موجهة بشكل خاص إلى الغرب الذي يدرك حقيقة هذه التصريحات، ودلالات إطلاقها في هذا الوقت بالذات خصوصاً وأنها قد تطرقت لقضايا تتعلق بإيران وحزب الله وباقي المحور في المنطقة.
وينبغي التنويه هنا إلى أن فريدمان بما يمثله من مهنية صحفية، لابدّ أنه سأل محمد بن سلمان عن قضايا محورية أخرى، لكنه لم ينشر إجاباتها أو نشر القليل منها بما يتلاءم مع المصالح الأمريكية - الإسرائيلية - السعودية المشتركة، لأن هذه المصالح باتت الشغل الشاغل لهذه الأطراف لاسيّما ونحن في موسم كثرت فيها انتكاسات المشروع الأمريكي المسمى "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" ومُنيت به السعودية بفشل ذريع في تحقيق أهدافها من خلال عدوانها على اليمن، كما أنها باتت تقف عاجزة عن فعل شيء تجاه الانتصارات التي يحققها المحور المواجه في المنطقة رغم الدعم الإسرائيلي - الغربي بقيادة أمريكا التي وصف رئيسها "دونالد ترامب" السعودية بالبقرة الحلوب التي سيتم ذبحها حالما ينضب ضرعها، وهذا الأمر بات قريب التحقق وفق المعطيات المتوفرة والتي تكشف بوضوح أن السعودية سائرة نحو الزوال المحتوم بفعل الانتهاكات والجرائم التي تقترفها والمؤامرات التي تنفذها ضد شرائح كبيرة من المجتمع السعودي وباقي شعوب المنطقة.
الخلاصة:
كشفت المقابلة التي أجراها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الصحفي الأمريكي "توماس فريدمان" بأن السعودية باتت تترنح أمام الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة التي يسعى بن سلمان للحد من تأثيراتها عبر برامج عقيمة لايمكن أن تنقذ آل سعود من النهاية المحتومة.
ارسال التعليق