ما مصير اقتصاد مملكة النفط بعد هجوم أرامكو
لن تنتهي تداعيات استهداف الحوثيين لموقعين يتبعان لشركة "أرامكو" شرقي السعودية عند توقف نصف إنتاج الشركة من النفط الخام، والخسائر المادية المباشرة، فعملاق النفط السعودي والمملكة سيكونان على موعد مع سلسلة طويلة من المخاطر والتهديدات والتحديات السياسية والاقتصادية خلال الفترة المقبلة.
وأعلنت جماعة الحوثيين استهداف حقلي نفط بقيق وخريص في المنطقة الشرقية للمملكة، فجر السبت (14 سبتمبر 2019)، بـ10 طائرات مسيرة، ما تسبب باندلاع 7 حرائق ضخمة ألحقت أضراراً هائلة بالمنشأتين وعطلت الإنتاج فيهما.
وتقع بقيق على بعد نحو 75 كيلومتراً جنوب مدينة الدمام في المنطقة الشرقية، وتُعد من المدن الهامة بالمنطقة؛ لوجود الموقع الرئيسي لأعمال شركة "أرامكو"، وتضمّ أحد أكبر معامل تكرير النفط في العالم.
وبحسب تصريحات صحفية لوزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، فإن الاستهداف نتج عنه توقف إنتاج 5.7 ملايين برميل من الزيت الخام، ونحو ملياري قدم مكعب من الغاز، ونحو 1.3 مليار قدم من الغاز الجاف، و500 مليون قدم من غاز الإيثان، ونصف مليون برميل من سوائل الغاز.
وذكر الوزير السعودي أن الانقطاع يمثل نصف إنتاج المملكة من الزيت الخام، ونحو 6% من الإنتاج العالمي للنفط.
ومساء الثلاثاء الماضي، أعلن وزير الطاقة السعودي أن إنتاج المملكة من النفط سيعود إلى مستوياته الطبيعية خلال أسبوعين، بعدما نجحت الرياض في استعادة نصف كمية الإنتاج التي خسرتها إثر الهجمات على شركة أرامكو.
وأشار إلى أنه تمت استعادة نصف الإنتاج المتعطل بعد ثلاثة أيام من الهجمات، أي ما يعادل 2.85 مليون برميل.
مخاطر سياسية وتهديدات اقتصادية
وإضافة إلى الخسائر المباشرة المرتبطة بأضرار الاستهداف، وتكلفة إخماد الحرائق، وخسائر فاقد إنتاج النفط الخام والغاز، وما تسبب به ذلك من هبوط في البورصة السعودية، فإن لهجوم الحوثيين تداعيات أخطر من كل ذلك على شركة أرامكو واقتصاد المملكة وخططها التنموية ومكانتها في سوق النفط العالمي.
ويقول الخبير الاقتصادي حسين البناء: إن "آثار الهجمات الأخيرة على منشأتي شركة أرامكو في السعودية تتنوع ما بين سياسية واقتصادية وأخرى ترتبط بأسواق النفط الخام وأسعاره".
ويضيف البناء: "على صعيد المخاطر السياسية فإنه بات من الواضح أن مرحلة الاستقرار النسبي التي سادت منطقة الخليج منذ انتهاء حرب الخليج وتبعاتها قد انتهت، وأن مرحلة جديدة من عدم الاستقرار قد خيمت على المنطقة".
ويتابع: "عدم الاستقرار في منطقة الخليج هو نتيجة للأزمة النووية مع إيران، وأزمة احتجاز السفن، والتهديدات المتبادلة بين طهران والولايات المتحدة، وكل ذلك عزز مستوى المخاطر السياسية بالمنطقة".
ويؤكد أن حالة التوتر السياسي التي تعيشها المنطقة، والتي تعتبر السعودية جزءاً منها، تعتبر من عوائق تدفق الاستثمارات الاقتصادية وترفع كلفة التحوط من المخاطر، الأمر الذي يؤثر سلباً في مستويات التنمية بشكل عام.
ويرى الخبير الاقتصادي أن تكرار استهداف الحوثيين للأراضي السعودية ستمتد آثاره إلى تكلفة التأمين على السلع بجميع أنواعها، والمنشآت والممتلكات، حيث سترتفع تكلفة التأمين، الأمر الذي من شأنه التأثير في التسعير، ومن ثم التنافسية القائمة على السعر، وهذا يهدد السوق المتاح، ويتسبب بانكماش المبيعات والإيرادات والأرباح، وكل ذلك سيؤثر سلباً في الأداء الاقتصادي والنمو في المملكة.
مشاريع 2030 في خطر
ويعتقد "البناء" أن المشاريع الكبرى التي تخطط السعودية لإطلاقها ضمن رؤية 2030؛ مثل مدينة "نيوم"، ومشروع الطاقة النووية، والتوسع في المدن الصناعية والإسكان، ستتأثر بسبب الهجمات، وربما تتم إعادة تنظيمها إلى حين استقرار الأوضاع.
ويقول: "مثل هذه المشاريع تتطلب حالة من الاستدامة والاستقرار العام وضمان التمويل، والهجمات الأخيرة على منشأتي أرامكو جاءت لتضع صناعة النفط الوطنية والاستقرار المالي السعودي بموضع شك".
ومن ناحية أخرى فإن هجوم الحوثيين وإمكانية تكرراه مرة أخرى من شأنه التأثير بشكل واضح في التصنيف الائتماني لشركة أرامكو العملاقة، وفي السعودية كدولة كذلك، خاصة إذا لم تُعالج تبعات الهجوم وتأثيره السلبي على مستوى إنتاج النفط، وضمان عدم تكرار مثل تلك الهجمات والمخاطر.
ويشير المختص الاقتصادي إلى أنه من الوارد أن يتدنى التصنيف الائتماني لشركة أرامكو والمملكة العربية السعودية إلى مستويات غير جيدة، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي في الميول للاستثمار والإقراض بالمملكة.
والتصنيف الائتماني تنفذه شركات فنية عالمية لتقدير صلاحية أو أهلية شركة أو حتى دولة للحصول على قروض، ومدى ائتمانها على القرض وقدرتها المالية على تسديده، إضافة لقياس درجة مخاطر الاستثمار بتلك الدولة.
وحول تأثير هجمات الحوثيين في دور السعودية وبقية دول الخليج في سوق النفط العالمي يقول الخبير الاقتصادي: إن "المنطقة العربية في حالة اضطراب كبير نتيجة لملف إيران النووي وما ستتبعه من أزمات، إضافة للحرب في اليمن، والعالم لا يرغب بالبقاء تحت تقلبات سوق النفط وما يترتب على ذلك من ضرر للنمو والصناعة العالمية".
ويضيف: "قد يتجه العالم لبدائل أكثر استقراراً واستدامة من سوق النفط الخليجي برغم ضخامته وأهميته، وبرغم صعوبة توفر بدائل متاحة فوراً لذلك، وقد تكون روسيا وفنزويلا والنيجر محط الأنظار بالفترة المقبلة".
ويعتقد البناء أنه على الرغم من تعهد السلطات السعودية بإعادة أرقام إنتاجها من النفط إلى ما كانت عليه بأسرع وقت ممكن فإن أسواق النفط ذات حساسية عالية للتقلبات والمخاطر، ولذلك لن تستقر أسعار النفط الخام بشكل مقبول قبل مرور شهر على التداول، وقبل استقرار القدرة الإنتاجية لمنشآت النفط السعودية المتضررة.
عجز الموازنة وهروب الاستثمارات
من جانبه يرى المحلل الاقتصادي وليد سيف، أن تداعيات تعطل إنتاج النفط الخام في السعودية ستمتد إلى موازنتها العامة؛ حيث سيرتفع عجز موازنة المملكة للعام 2019 بشكل كبير بسبب نقص صادرات النفط بشكل غير متوقع مسبقاً، إضافة للخسائر المالية المباشرة لهجوم الحوثيين.
وفي الأيام الثلاثة الأولى التي أعقبت الهجوم بلغ إجمالي فاقد الإنتاج من النفط 17.1 مليون برميل، وهو ما تبلغ تكلفته نحو 4 مليارات و168 مليون ريال (مليار و111 مليون دولار أمريكي)، عند احتساب متوسط سعر برميل النفط الخام بـ65 دولاراً، حيث تراوحت أسعاره خلال هذه الفترة ما بين 69 و63 دولاراً.
وستصل قيمة الخسائر، منذ الأربعاء الماضي حتى نهاية الشهر الجاري، حيث استُعيد نصف الإنتاج المعطل، إلى 8.25 مليارات ريال (2.2 مليار دولار)، عند احتساب متوسط سعر برميل النفط الخام عند 60 دولاراً.
ويشير المختص الاقتصادي إلى أن تضرر صادرات النفط سيتسبب أيضاً بانخفاض نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وسيواصل تأثيره لفترة ليست قصيرة في سوق الأسهم السعودية والخليجية بشكل عام.
ويتوقع أن من أخطر التداعيات التي ستواجه المملكة خلال الفترة المقبلة، توقف تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، وهروب الموجودة فيها بشكل كبير، فرأس المال جبان ولا يمكن أن يغامر رجال الأعمال بأموالهم في دولة تُستهدف منشآت حيوية وحساسة فيها بالصواريخ وتتلقى تهديدات بمزيد من الهجمات.
وستلحق بقطاع البتروكيماويات في السعودية خسائر كبيرة أيضاً جراء الهجوم، ستظهر في نتائجها للربع الثالث والرابع من العام الجاري، بحسب "سيف".
وكشفت شركة "الراجحي" المالية (مقرها الرياض)، في تقرير لها، التأثير المتوقع للهجوم على شركة "أرامكو" في قطاع البتروكيماويات.
وتوقعت، في التقرير الذي نشرته يوم الاثنين الماضي، أن تعمل شركات البتروكيماويات بالمملكة بمعدلات إنتاج منخفضة خلال الأيام المقبلة، وهو ما سيؤثر في مستوى الإنتاج بنسبة 5%، خلال الربع الثالث من العام الحالي.
ارسال التعليق