ماذا ينتظر آل سعود في ظل عجز الميزانية والتوجه للاستدانة؟
التغيير
بعد مرحلة من اضطراب أسعار النفط عالمياً والهبوط الحاد له، وتواصل أزمة جائحة فيروس كورونا، بدأت النتائج تظهر سريعاً على مملكة آل سعود، التي صرحت بأنها ستتخذ "إجراءات صارمة ومؤلمة" لمواجهة الأزمة.
وتزامن إعلان آل سعود عن إجراءاتهم الجديدة وغير المسبوقة مع تعديل وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية نظرتها المستقبلية لتصنيف مملكة آل سعود من "مستقرة" إلى "سلبية"، وهو ما يعكس الآثار الاقتصادية غير الجيدة التي تمر بها المملكة.
وعقب تفشي جائحة فيروس كورونا، خفضت حكومة آل سعود ميزانيتها بواقع 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) لمواجهة تداعيات الأزمة، ولكن هذه الخطوة لم تكن كافية لتقليل التداعيات، وهو ما يعني الذهاب إلى خطوة أكثر صرامة.
وستكون أولى الإجراءات الصارمة التي ستتخذها سلطات آل سعود هو خفض مصروفات الميزانية بشدة، كما أكد وزير المالية السعودي محمد الجدعان في تصريحات له، السبت (2 مايو).
واستخدمت سلطات آل سعود خلال السنوات الأربع الماضية، وفق الجدعان، أكثر من تريليون ريال من الاحتياطيات، كما ستقترض 220 مليار ريال هذا العام (نحو 58.5 مليار دولار)، وهو ما يعكس تراجع الإيرادات لدى المملكة، ومدى صعوبة توفر الأموال.
وتظهر كل الأرقام التي عرضها الجدعان سوء الحالة الاقتصادية بمملكة آل سعود، خاصة أن الإيرادات كذلك انخفضت بشكل كبير جداً، بسبب بيع برميل النفط عند حدود الـ20 دولاراً، وفق تأكيدات وزير المالية.
وإلى جانب انخفاض أسعار النفط تراجعت الإيرادات غير النفطية في مملكة آل سعود نتيجة للإجراءات الاحترازية، وتراجع وتيرة النشاط الاقتصادي بشكل كبير جداً.
ورغم الأرقام الاقتصادية المخيبة للآمال في مملكة آل سعود فإن وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية أكدت أن الميزانية العمومية لحكومة المملكة لا تزال قوية نسبياً، رغم حدوث تراجع ومستويات دين معتدلة ومصدات متينة على الصعيد المالي وعلى صعيد السيولة الخارجية.
كما توقعت الوكالة على المدى المتوسط ارتفاع دين حكومة آل سعود إلى نحو 45% من ناتجها المحلي، مع تنامي مخاطر تراجع القوة المالية لآل سعود، حيث من الممكن أن تهبط إيراداتها بواقع 33% في عام 2020.
الحرب النفطية
خاضت مملكة آل سعود، خلال الفترة الماضية، حرباً نفطية مع روسيا وهو ما تسبب بهبوط أسعار النفط لمستويات غير مسبوقة لها منذ 18 عاماً، مع تراجع الطلب من جراء إجراءات العزل العام التي اتخذتها الحكومات لاحتواء تفشي فيروس كورونا.
وانتهت تلك الحرب بعقد اتفاق تحالف أوبك+ في (10 أبريل الجاري)، على خفض إنتاج النفط بواقع 9.7 ملايين برميل يومياً للشهرين القادمين.
ومن نتائج ذلك أن فقدت مملكة آل سعود جزءاً من حصتها النفطية في السوق الصينية خلال شهر مارس الماضي، فيما كانت روسيا الرابح الأكبر إثر زيادة شحناتها النفطية إلى بكين بأكثر من الثلث.
وأظهرت حسابات أجرتها "رويترز" من واقع بيانات الجمارك، الأحد (26 أبريل)، أن واردات الصين النفطية من مملكة آل سعود، أكبر مورديها، تراجعت 1.6% في مارس عنها قبل عام، في حين زادت المشتريات من روسيا التي حلت بالمرتبة الثانية بين الموردين بنسبة 31%.
وأفادت بيانات الإدارة العامة للجمارك أن الشحنات من مملكة آل سعود بلغت 7.21 ملايين طن بما يعادل 1.7 مليون برميل يومياً، انخفاضاً من 1.73 مليون برميل يومياً قبل عام.
ميزانية آل سعود
وقبل دخول حكومة آل سعود في حربها النفطية مع روسيا لم تكن ميزانيتها في أحسن أحوالها، إذ أعلنت الرياض عجزاً قيمته 34.1 مليار ريال (9.1 مليارات دولار)، خلال الربع الأول من العام الجاري.
وتراجعت إيرادات الميزانية خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 22%، محققة 192.1 مليار ريال (51.2 مليار دولار)، نتيجة انخفاض الإيرادات النفطية بنسبة 24% إلى 128.8 مليار ريال (34.3 مليار دولار) بسبب تراجع أسعار الخام.
كما هبطت الإيرادات غير النفطية بنسبة 17% إلى 63.3 مليار ريال (16.9 مليار دولار)، بسبب الإجراءات الاحترازية التي فرضتها المملكة للحد من انتشار فيروس "كورونا" والتي استدعت تعليق معظم الأنشطة الاقتصادية، وفق البيان.
كذلك ارتفع الدين العام بنسبة 6.7% محققاً 723.5 مليار ريال (192.9 مليار دولار) نهاية الربع الأول من العام، مقارنة بـ677.9 مليار ريال (180.8 مليار دولار) نهاية 2019.
وتوقعت سلطات آل سعود ارتفاع عجز ميزانيتها، العام الجاري، بنسبة تتراوح بين 7% و9% بعد تفشي فيروس "كورونا"، مقارنة بـ6.4% في توقعات سابقة.
شركة جدوى للاستثمار وضعت توقعات مخيبة حول ميزانية المملكة، إذ توقعت أن يصل العجز فيها إلى 422 مليار ريال (نحو 122.4 مليار دولار) العام الجاري، ما يمثل 15.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
ووفق تقرير للشركة، نشرته في (20 أبريل الماضي)، فسوف يصل الدين الحكومي إلى 854 مليار ريال (227.5 مليار دولار) في نفس العام، إضافة إلى انخفاض الإيرادات النفطية وغير النفطية مع زيادة المصروفات، بحيث تبلغ الإيرادات في ميزانية العام الجاري نحو 654 مليار ريال، والمصروفات 1.076 تريليون ريال.
وتوقعت "جدوى" أن يرتفع الدين العام نحو 176 مليار ريال خلال العام 2020، ما يؤدي إلى رفع إجمالي الدين الحكومي إلى 854 مليار ريال، ويمثل 31.7% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام.
وخالفت الشركة العاملة بمملكة تقديرات وزارة مالية نظام آل سعود عن الدين العام بمقدار 100 مليار ريال، حيث قدرت الميزانية أثناء وضعها اقتراض 76 مليار ريال في 2020، وأن يبلغ إجمالي الدين 754 مليار ريال، ما يمثل نسبة 26% من الناتج المحلي.
وأمام هذه الأرقام السلبية ينتظر السعوديون إجراءات حكومية أكثر تقشفاً لمواجهة العجز المالي، وتراجع الإيرادات، وانخفاض أسعار النفط.
ارسال التعليق