مشروع نيوم السعودي بين البيروقراطية النفطية ومعضلة الأمن الإقليمي
الحديث عن التنمية في الجزيرة العربية، اتخذ منحنىً طرديًا في النصف الثاني من عام 2017، وكانت الكلمة الافتتاحية لملك السعودية المنتظر وولي عهدها الحالي محمد بن سلمان مع إعلانه يوم الاثنين الموافق 31 يوليو عن أضخم مشروع سياحي في جزر البحر الأحمر قبالة شواطئ السعودية، يتضمن منتجعات ومحميات طبيعية؛ ضمن رؤيته للسعودية 2030، لدعم الاقتصاد السعودي.
يعدّ هذا المشروع الأول من نوعه في المملكة، من حيث الحجم ونوع الاستثمارات، إذ يتضمن إقامة منتجعات سياحية استثنائية على أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي أملج والوجه – محافظة تقع على ساحل البحر الأحمر في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية- شرقيّ المملكة، والمنطقة المخطط إقامة المشروع ضمنها تمتد على مساحة 34000 كيلو متر مربّع، وهي متصلة بمناطق تضمّ محميات طبيعية، وبراكين خاملة، سيتم توظيفها أيضًا ضمن المشروع، على أن ينتهي الإنجاز عام 2022، ورغم التوقعات الدولية بمردود ضخم على الاقتصاد السعودي إثر ذلك المشروع، إلا أن رؤية محمد بن سلمان التي يصفها البعض بالإصلاحية لعام 2030، تواجه انتقادات كبيرة لكونها تخالف توجهات البلاد المحافظة وتدعو إلى الانفتاح.
لم يتوقف طموح بن سلمان عند هذا الحد بل انتقل للتخطيط إلى حقبة ما بعد النفط بإعلانه عن خطة استثمارية بقيمة 500 مليار دولار (نيوم) لتنمية المناطق المتاخمة للأردن ومصر على ساحل البحر الأحمر، وتتضمن الخطة بناء مدينة ضخمة على مساحة تزيد عن 25 ألف كيلومتر مربع لتصبح مركزًا للتكنولوجيا مرتبط بكل من الأردن ومصر، وقال الأمير محمد بن سلمان في إطار إعلانه عن خطته الاستثمارية الجديدة في 24 أكتوبر 2017، إن حكومة بلاده والمستثمرين المحللين والدوليين سيؤمنون أكثر من نصف تريليون دولار لخطته الجديدة.
ذاك الطموح في وهجه الشاب؛ يأتي تمويله من خلال صندوق الاستثمارات العامة المملوك لولّي العهد محمد بن سلمان، بالشراكة مع عدد من المستثمرين العالميين، دون الإعلان عن أسماء الشركاء المحتملين، إذ أن حجم الأموال بالصندوق تبلغ نحو 183 مليار دولار أمريكي، لم يكن هذا من جهود المستثمرين فحسب بل إرثًا من بيع أسهم في شركة أرامكو الحكومية النفطية، فقد أعلن محمد بن سلمان عام 2016، عن طرح 49% من أسهم الشركة النفطية الحكومية للبيع بهدف دعم الاقتصاد، وتطوير قطاعات غير إنتاجية، ومن ضمنها المشروعات التنموية والسياحية والترفيهية المعلن عنها ضمن رؤية 2030.
ويعد طرح أسهم شركة أرامكو السعودية نقلة لسوق الأسهم السعودية، وخطوة نحو تحول السوق السعودية من سوق محلية إلى سوق عالمية، بل وقد يكون هذا الاكتتاب سببًا في زيادة المستثمرين الأجانب في السوق السعودية ودخول رؤوس أموال إضافية للسوق السعودية، وحيث أن نيوم، هي الاستثمار الأضخم للسعودية، وتشمل مصر والأردن، فبالتالي سينعكس هذا كله على طبيعة الاستثمارات في المنطقة ككل، فهل ينجح محمد بن سلمان في خطته؛ التاريخ يجيبك!
التاريخ يحكي..«التنمية بين الرؤية الطموحة والعشوائية في التطبيق»:
«كيف ينجح بن سلمان في تحقيق رؤيته للسعودية 2030م؟»
يقول الدكتور أسامة عبدالرحمن، المستشار السابق في وزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية، إن معظم منطلقات التنمية في دول المنطقة عشوائية ومبتورة، وهي ترسخ يومًا بعد يوم حلقات التبعية بدلًا من خلق القدرة الإنتاجية الذاتية، واستئصال التخلف وتحقيق التنمية الشاملة، وإدارة التنمية تُمارس دورًا في أغلبه عشوائي قاصر في تحقيق ما ترمي إليه، ولم تتمكن من بناء مقومات داخليًا أو منهجًا واضحًا لتحقيقها.
ففي البحرين خلال الفترة 24: 26 ديسمبر 1980، ارتكزت ندوة التنمية- وهي ملتقى فكري وعلمي لأبناء المنطقة العربية- على مسحة التشاؤم التي سيطرت على أجواء اللقاء السنوي في عهده الثاني حول إدارة التنمية في دول الجزيرة العربية المنتجة للنفط. وكان نتاج هذا اللقاء أن البنيان الاقتصادي لدول الجزيرة العربية المنتجة للنفط هو بنيان تبعي مرتكز على مصدر واحد قابل للنضوب إضافة إلى الأطماع والضغوط الخارجية المحيطة بالمنطقة العربية فضلًا عن انعدام الجهد المكثف والجاد لكسر حلقات التخلف والتبعية السياسية والاقتصادية لدول الأقطاب الغربية ناهيك عن المنطلقات المغلوطة للتنمية وما ينجم عنها من ضعف إنجازات التنمية في تلك الدول.
ويرجع ضعف إنجازات التنمية إلى اعتماد هذه الدول على النفط في إنفاقها على المشاريع التنموية واستيراد البرامج التكنولوجية بدءًا من أحدث الآلات والمعدات وانتهاءً باستيراد الأفراد القادرين على تشغيلها، إضافة إلى التوسع في الخدمات التي تقدمها في سبيل تحقيق الأهداف التنموية واللصيقة بالإدارة البيروقراطية التي تمثل الحلقة المفقودة في تحقيق التنمية، ولأن الإدارة عنصرًا حاسمًا في عملية التنمية؛ فافتقاده يعطي مردودًا ضئيلًا للإنفاق الضخم على برامج التنمية.
كانت هذه الندوة التي عقدت في ثمانينيات القرن الماضي؛ مفتاحًا للحديث الذي دار في أروقة منتدى العلاقات العربية والدولية بمشاركة معهد قطر لأبحاث الطاقة والبيئة تحت عنوان» ذروة النفط: التحديات والفرص أمام دول الخليج «خلال الفترة بين 3-4 أبريل 2013 بالحي الثقافي كتارا بمدينة الدوحة في قطر، وشارك فيه نخبة من العلماء والباحثين في مجالات التاريخ والاقتصاد والسياسة، إلى جانب عدد من التقنيين والمهندسين، الذي خلص إلى عدة نقاط تشير إلى البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية في دول الخليج العربي المنتجة للنفط ومنها:
ندرة الموارد الطبيعية؛ حيث أظهرت الدراسات المعروضة بالمنتدى عن معاناة منطقة الجزيرة العربية من النقص المتزايد في موارد النفط الذي يسيطر على 75% من بنود ميزانيات تلك الدول، فضلًا عن النقص المتزايد في موارد المياه العذبة ووفرة الأراضي الصالحة للزراعة الذي نتج عنه الاعتماد المتزايد على المناطق المجاورة في مشاركة الموارد أو في استيراد المحاصيل وسواها، ويشكل هذا بمرور الوقت تحديًا مهمًا أمام دول الخليج، وكدول كثيرة من دول العالم النامي، لا توجد رؤية واضحة لدى دول الخليج في تحقيق الأمن الغذائي؛ حيث أنها تستورد الجزء الأعظم من غذائها من الخارج نظرًا لشح المياه ولطبيعة المنطقة الصحراوية، وفي حالة عدم توفر السيولة، فستصبح مسألة توفير الغذاء مشكلة حقيقية.
تلك الندرة التي خلقت بطبيعة الحال انعدام الأمن الاقتصادي، فلم يتواكب النمو الاقتصادي في المنطقة مع فكرة استمراره، حيث أن النمو الاقتصادي بشكله الحالي هو انعكاس للاعتماد على مورد يواجه تحديات نفاده، وهذا بدوره وضع تلك الدول في طيات المعنى الفلسفي للدول الريعية التي تقوم اقتصاديًا على الموارد الطبيعية مع التأثير سلبًا على فرص المشاركة السياسية الشعبية، دور المرأة في المجتمع، والإنتاجية وقيمة العمل، وبالتالي فإن نضوب ذلك المورد لن يمثل سقوطًا اقتصاديًا فحسب بل سيمثل ضياعًا سياسيًا وإقليميًا أيضًا.
تطوير التعليم وتحديات البطالة؛ فقد حقق مستوى التعليم في بلدان الخليج العربي نجاحات نسبية، لكن في ذات الوقت يعد التعليم أدنى من المستوى المأمول، خاصة في مسألة إنتاج الكفاءات والمهارات اللازمة لسوق العمل المتنامي، يضاف إلى ذلك أن البطالة أصبحت ظاهرة مقلقة لدى بعض بلدان هذه المنطقة التي تتوافر فيها الملايين من فرص العمل. وفي الأدبيات الاقتصادية تسمى تلك الحالة بانعدام الأمان الاجتماعي في ظل عالم يتغنى بمفاهيم المدنية، الحداثة، ومواكبة الثقافة العامة.
تحديات الصراع والسلام في المنطقة؛ فقد أحدثت ظاهرة الربيع العربي تغييرًا كبيرًا في المنطقة، وعلى الخصوص في المجال السياسي، أعقبت هذه الظاهرة العديد من التحديات أم المجتمعات والحكومات العربية، ودول الخليج ليست استثناء، حيث شهدت بعض بوادر التغيير من حرصٍ على وجود تنمية واقتصاد راسخين تأكيدًا على أهمية مقاربة البعدين السياسي والاجتماعي في هذه الدول، وسيكون لهذه المقاربة دور كبير في تعزيز فرص السلام الإقليمي في المنطقة.
لم يتوقف المنتدى عند هذا الحد من النقاش بل عرض نظرته التفاؤلية في خضم برنامجه التنموي القائم على مركزية حقوق الإنسان خاصةً في ظل بيروقراطية السياسات التنموية بدول الخليج العربي القائمة على النمو الواسع للناتج المحلي الإجمالي؛ الذي أفاد مجموعة صغيرة جدًا ومن ثم زاد الفجوة القائمة بين مستويات الدخل لباقي أفراد المجتمع، واعتمد في مضمونه في هذه النقطة على تعريف التنمية البشرية وفقًا لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة باعتبارها عملية توسيع لخيارات الناس، والخيارات الأكثر حيوية منها هي تلك التي تؤدي إلى حياة مديدة وصحية، وإلى جعل الناس يتعلمون وينعمون بمستوًى لائق من العيش الكريم، وتتضمن الخيارات الإضافية من الحرية السياسية، وضمان حقوق الإنسان واحترام ذلك.
ثم انتقل النقاش إلى الدولة الريعية وذروة النفط التي يرجع مفهومها في الأساس إلى الدكتور ماريون كينغ هوبرت، وهو عالم جيولوجي وجيوفيزيائي نشر عام 1956 بحثًا عرض فيه مسألة ذروة النفط، وانطلاقًا من نظريته لابد من أن تقترن رؤية بن سلمان بالبحث الدائم عن التكنولوجيا كبديل شرعي للنفط، وللوصول لمثل هذه النقطة لابد من تغيير بنيوي اقتصادي قائم على الانفتاح المشروط على العولمة، وبنية رأسمالية قائمة على الملكية الاقتصادية وتنظيم المشاريع، بما في ذلك دور الدولة في ملكية القطاع التجاري وتنظيمه على حد سواء، وسيطرة الدولة المحكمة على النخب التجارية.
الأمن الإقليمي في المنطقة.. نظرة على التحديات أمام رؤية بن سلمان:
سيقام مشروع نيوم على أراض شاسعة داخل الحدود المصرية والأردنية، وسيكون مشروع نيوم أول منطقة خاصة ممتدة بين ثلاث دول، كما سيشتمل على إطلالة على ساحل البحر الأحمر، الذي يعد الشريان الاقتصادي الأبرز في المنطقة، والذي تمر عبره قرابة 10% من حركة التجارة العالمية. وبموجب معاهدة السلام الموقعة عام 1979م بين مصر وإسرائيل، تستطيع تل أبيب اجتياز مضيق تيران المُطِل على البحر الأحمر بحرية، وهو المكان الذي سوف يمر فوقه الجسر والمعبر المزمع إنشاؤهما بين السعودية والأردن من جهة، ومصر على الجهة الأخرى.
الأمر الذي جعل وكالة بلومبيرغ الأميركية، تتساءل يوم الأربعاء 25 أكتوبر 2017، عن موافقة إسرائيل على مشروع بن سلمان، وعليه قال يورام ميتال، رئيس مركز حاييم هرتزوغ لدراسات الشرق الأوسط والدبلوماسية في جامعة بن غوريون في النقب، للوكالة الأميركية، إنَّ معاهدة السلام 1979م، تجعل مشاركة إسرائيل في المشروع أمرًا لا بد منه.
وبحسب الوكالة الأميركية، يبدو أنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يؤمن بأنَّ الدول العربية هي مفتاح السلام بين إسرائيل وفلسطين، فقد وصف العلاقات الاقتصادية مع المملكة العربية السعودية بأنَّها إحدى المزايا التي قد تعود على إسرائيل، وفي إطار ذلك قد حدد الساسة الإسرائيليون منطقة خليج العقبة على البحر الأحمر، باعتبارها موقعًا مثاليًا لتدعيم العلاقات التجارية مع كل من الأردن والمملكة العربية السعودية ومصر، التي تقع جميعًا على طول الممر المائي مثل إسرائيل.
وبالرغم من النظرة التفاؤلية لمشاركة إسرائيل دول المنطقة في الكعكة الاقتصادية -مشروع نيوم- إلا أن سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، للوكالة الأميركية، من الممكن أن يتسبب ضمان حرية المرور غير المقيدة للسفن الإسرائيلية، الذي دام لأربعة عقود، بتعقيداتٍ في حال عدم التشاور مع إسرائيل حول بناء الجسر، وذلك بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
ووفقًا لمقال تم نشره في دورية أورينتال ريفيو للباحث الأميركي، أندريه كوريبكو، فإن بن سلمان سيخوض حربًا داخلية مع المؤسسة الدينية في السعودية، التي تشكل عائقًا أمام التعاون السعودي الإسرائيلي لإتمام مشروع نيوم، وإذا حسم بن سلمان المعركة، فستصبح الطريق ممهدة لتنفيذ الكثير من خططه ومشاريعه التي طرحها في رؤية 2030م، وبهذا يظل الموقف الإسرائيلي من المشروع في حالة من الغموض لحين إشعار آخر.
لم تتوقف التحديات عند هذا فحسب بل تناولت صحيفة جيروزاليم بوست الناطقة بالإنجليزية الأسبوع الماضي مساحة لتقرير يتحدث عن سعي إسرائيل عبر قطاعها الخاص للمشاركة في استثمارات متنوعة في مشروع نيوم؛ خاصةً في المدينة التكنولوجية. فعلى مدى سنوات طويلة، ضخت الحكومة والقطاع الخاص الإسرائيليان أكثر من عشرين مليار دولار في صناعة التكنولوجيا، حتى وصلت إلى مرحلة متقدمة اليوم. فقد بلغت إجمالي صادرات صناعة التكنولوجيا فائقة التطور الإسرائيلية نحو 28.3 مليار دولار أميركي خلال 2016م صعودًا من 23.4 مليارًا العام السابق له.
وبالتالي فإن المشروع الطموح لم يعد شأنًا عربيًا فحسب بل قضية أمنٍ إقليمي بين مطرقة اتفاقية السلام 1979م وسندان اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار؛ ناهيك عن الطموح الإسرائيلي في زيادة صادراتها من صناعة التكنولوجيا عبر استثماراتها في مشروع نيوم.
——————————————————————————————-
المراجع:
البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية »مدخل إلى دراسة إدارة التنمية في دول الجزيرة العربية المنتجة للنفط«، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب بالكويت، د. أسامة عبدالرحمن، سبتمبر/آيلول 1982م.
Peak Oil (challenges and opportunities for the GCC countries), The Forum For Arab And International Relations, Fahhad Alharbi – Sayeed Shawkath – Abdulaziz Alhies – Abdulrahman Alshehri, 2014.
Bridge Tying Saudi Arabia to Africa May Need Israeli Signoff, Jonathan Ferziger, Bloomberg polotics, October 25, 2017.
https://www.bloomberg.com/news/articles/2017-10-25/bridge-linking-saudi-arabia-to-africa-might-need-israeli-signoff
Report: Israel and Saudi Arabia discuss economic relations, REUTERS, The Jerusalem Post, June 17, 2017.
http://www.jpost.com/Breaking-News/Report-Israel-and-Saudi-Arabia-discuss-economic-relations-497087
Israeli sources: Breakthrough in ties with Saudi Arabia is unlikely, Herb Keinon, The Jerusalem Post, June 19, 2017.
http://www.jpost.com/Middle-East/Israeli-sources-Breakthrough-in-ties-with-Saudi-Arabia-is-unlikely-497236
Saudi Arabia Might Recognize Israel Because Of NEOM, Andrew KORYBKO, Oriental Review, October 26, 2017.
https://orientalreview.org/2017/10/26/saudi-arabia-might-recognize-israel-because-of-neom/
بقلم : عبدالله المصري
ارسال التعليق