من المنصة الإسرائيلية.. السعودية تقصف قطر
ضاقت الأرض على السعودية بما رحبت، فلم تجد سوى الكيان الصهيوني ليحتضن أفكارها المتطرفة والتي تحمل أزدواجية وعنصرية غير مسبوقة، فيبدو أن وسائل الإعلام المسموعه والمقروءة والمرئية في السعودية والإمارات والبحرين لم تكفِ المحللين السياسيين لينتقدوا قطر، فاختاروا المنصة الإعلامية الصهيونية ليظهروا أسوأ ما فيهم، ويبرزوا مدى تشرذم العرب وانهيار الوحدة والعروبة، ويعطوا للكيان الصهيوني جرعه ثقة وأمل في نجاح مخطط قيادة الدول العربية والإسلامية.
في سابقة هي الأولى من نوعها، تكشف مدى توغل الكيان الصهيوني في الكيان العربي والإسلامي، سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وحتى إعلاميًّا، ظهر مدير معهد أبحاث الشرق الأوسط في جدة، والمحلل السعودي، عبد الحكيم حميد، على القناة التليفزيونية الثانية الإسرائيلية، لمناقشة الأزمة الخليجية، حيث تحدث “حميد” إلى مضيفه الإسرائيلي المستشرق المتخصص في الشؤون العربية، إيهود يعاري، عبر تطبيق “سكايب”، وهاجم خلال المقابلة دولة قطر، متهمًا إياها بالإرهاب، وقال حميد أثناء تحليله للأزمة الخليجية: هناك رؤية سياسية تتبنّاها السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وخاصة بعد قمة الرياض التي جاءت فيها أول زيارة للإدارة الجديدة في البيت الأبيض إلى المملكة، وهي أنه لن يكون هناك أي مكان في سياسيات هذه الدول للإرهاب أو الجماعات التي تستخدم الدين لتحقيق مصالح سياسية مثل حماس والجهاد.
وأضاف حكيم “أعتقد أن هذه الدول أخذت قرارها في الاتجاه نحو السلام، ونحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وأول خطوة في هذا هي تجفيف منابع الإرهاب”، مشيرًا إلى أنه “لن يكون هناك دور لأية جماعة دينية، سواء إخوان أو غير إخوان، تستخدم الدين لتحقيق مصالح سياسية أو تساعد في انتشار فكر الإرهاب باسم الدين أو المقاومة أو الجهاد”، ورأى حكيم أن “قطر لا تستطيع أن تواجه الأزمة السياسية إلا بأن تلجأ إلى الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفييتي لتقريب وجهات النظر، وبأن تتخلص من الجماعات التي تتبنى العنف وتتستر عليها باسم الدين والجهاد والمقاومة.
وبعد أن أبرز المحلل السعودي للكيان الصهيوني صورة الدول العربية المشتتة، أنهى “حكيم” مداخلته من مكتبه في جدة، قائلًا إنه يعتقد أن “الوقت قد حان لبناء شرق أوسط جديد يقوم على الدين والسلام والمحبة والتعايش، ونبذ ثقافة الكراهية والعنف والتشدد التي لم تجلب للشرق الأوسط سوى المزيد من الخسائر”.
المداخلة التليفزيونية التي أجراها المحلل السعودي الشهير مع القناة الإسرائيلية شكلت صدمه لدى كثير من المتابعين للأزمة الخليجية، خاصة أن المؤسسة الإعلامية أو القيادة السياسية السعودية لم تعلق عليها بالسلب، فبينما تقود بعض الدول جهود وساطة ومصالحة لحلحلة الأزمة ورأب الصدع الخليجي، تخرج السعودية لتأخذ من الكيان الصهيوني رفيقًا لها على حساب دولة جارة عربية إسلامية، وذلك في الوقت الذي تنتشي فيه إسرائيل من هذه الأزمة، بل ترى أن طموحاتها وأحلامها قد تحققت من خلال فصل وتقسيم الدول العربية والإسلامية، وزرع بذور الفتنة والكراهية بين حكومها وشعوبها، وهو ما أبرزته وسائل إعلام الاحتلال خلال الفترة الأخيرة.
لم تستطيع وسائل الإعلام الصهيونية إخفاء سعادتها ونشوتها بخطوة السعودية والإمارات وقطر والبحرين قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، حيث لقيت هذه الخطوة اهتمامًا كبيرًا في الإعلام الإسرائيلي، الذي اعتبره مادة دسمة للترويج لمصالح إسرائيل والتشديد على عدم اعتبار إسرائيل حليفة السعودية العدو الرئيسي، بل شريكًا فيما يسمى بـ “مكافحة الإرهاب”، حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان: هذه الدول باتت تدرك أن الخطر الحقيقي في المنطقة ليس إسرائيل وليست الصهيونية، وبالتالي تتعزز إمكانيات التعاون مع هذه الدول بداعي محاربة الإرهاب، وادعى “ليبرمان” أن الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع قطر لم تفعل ذلك بسبب إسرائيل ولا القضية الفلسطينية، وإنما بسبب المخاوف من إرهاب إسلامي متطرف.
يبدو أن المحلل السعودي “عبد الحكيم حميد” اختار المنصة الإسرائيلية ليكون أول مسؤول سعودي يتحدث من قلب المملكة إلى الكيان الصهيوني، كما كان لقناة الجزيرة القطرية السبق في استضافة محللين ومسؤولين سياسيين إسرائيليين ليدلوا بآرائهم حول العديد من القضايا العربية، ليضفي هذا المحلل تجربة جديدة تكشف التعمق العربي في المسار التطبيعي، ويكون نموذجًا لخبراء ومحللين آخرين من السعودية وغيرها من الدول العربية لا نستبعد أن نراهم خلال الأيام المقبلة على الشاشات الإسرائيلية، بحثًا عن المزيد من التطبيع.
المثير للسخرية والدهشة أن ممارسات السعودية المخجله التي تكشف مدى لهث المملكة، سواء أمراؤها أو ملوكها أو سياسيوها وراء الكيان الصهيوني، يتزامن مع اتهام المملكة لقطر بالهرولة خلف إسرائيل، وتحريضها على السعودية والإمارات، الأمر الذي يظهر أن الأطراف العربية كلها باتت تجتمع في الخندق الصهيوني، وأصبحت إسرائيل هي الفائز الأكبر من الخلافات والانقسامات العربية.
الأجواء الحالية تدفع إلى التساؤل: إلى أين ستتطور العلاقات السعودية الإسرائيلية أكثر من ذلك؟ خاصة بعد تدرجها منذ سنوات من التطبيع السياسي والاقتصادي السري إلى صفقات اقتصادية علنية وزيارات متبادلة بين مسؤولين سعوديين سابقين وحاليين ونظرائهم من الاحتلال، حتى الحديث العلني عن تطبيع المصالح والاهتمامات المشتركة بين الطرفين، وبلورة تحالف تكون المصالح الإسرائيلية فيه هي المحرك الأساسي.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق