منظمة: 1.7% من سكان السعودية يحوزون على 41% من إعدامات
نشرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تقريرا رصدت فيه عمليات الإعدام المنفذة في "السعودية" منذ العام 2016، سيّما تلك الصادرة عن ما تسمى بالمحكمة الجزائية المتخصصة والتي أعلن عنها رسميا على أنها مختصة بقضايا "الإرهاب". وأكدت المنظمة أن المحكمة الأخيرة لا تعدو كونها عشوائية لا تستند على معايير، إذ نظرت في قضايا تتعلق بالتعبير عن الرأي والمشاركة في مظاهرات تم تجريمها على أنها "إرهاب".
تتبعت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان 226 إعدام نفذه النظام السعودي منذ بداية يناير/كانون ثاني 2016 حتى نهاية فبراير/شباط 2024، بأحكام صادرة عن المحكمة المتخصصة وفي الإعدامات الجماعية، وأجرت دراسة إحصائية بناء على المتوفر من المعلومات.
تحليل المعلومات أظهر أن 93 إعداما أي ما نسبته 41% من مجمل الإعدامات، طال أفرادا من القطيف، على خلفية الأحداث التي شهدتها المحافظة. وبحسب الهيئة العامة للإحصاء، بلغ عدد سكان السعودية حتى نهاية 2023، 32 مليون و175 ألفا، منهم 552 ألفا هم من سكان القطيف، أي ما نسبته 1.7% تقريبا.
وقالت المنظمة الحقوقية أنه "منذ 13 عاما، تدفع محافظة القطيف في السعودية، ضريبة التحركات المشروعة التي نادت فيها بحقوق مدنية وسياسية وإجتماعية، وذلك في سياق تحركات متنوعة في عموم البلاد، تزامنت مع الربيع العربي". حيث تنوعت الانتهاكات التي تعرض لها العديد من سكان المحافظة، من الاعتقالات التعسفية إلى التعذيب وسوء المعاملة والتضييق، وصولا إلى القتل خارج نطاق القضاء، وبموجب أحكام إعدام.
أوضحت المنظمة في سطور الخلفية التي استندت إليها للانطلاق في عملها. فمنذ فبراير/ شباط 2011، ، شهدت بعض مدن السعودية تجمعات ومظاهرات طالبت بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والإفراج عن المعتقلين من دون محاكمات. ومع تطور الأوضاع في البحرين وتدخل السعودية لقمع المظاهرات المطالبة بالديمقراطية، اتسعت مظاهرات القطيف في السعودية وشملت مطالبات بخروج قوات درع الجزيرة من البحرين.
قابل النظام السعودي المظاهرات السلمية بالتضييق. ومع الأشهر الأخيرة من 2011 قتلت قوات الأمن السعودية أول المتظاهرين، وهم علي الفلفل وناصر المحيشي، ومع نهاية العام كانت قد قتلت 5 متظاهرين، 4 بالرصاص وواحد دهسا. وفي ديسمبر/كانون الأول 2011، بدأ النظام بملاحقة المواطنين والمتظاهرين، وشنّت حملات من الاعتقالات والمداهمات باستخدام الأسلحة والسيارات المصفحة، حتى زادت حدّة العنف مما أسفر عن وقوع مواجهات.
في يناير/كانون الثاني 2012، أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن قائمة مطلوبين من 23 شخص، 15 منهم على الأقل على علاقة بالمظاهرات السلمية التي شهدتها القطيف، وفي العام 2016 أعلنت قائمة مطلوبين أخرى.
ولفتت المنظمة إلى أن بلدة العوامية واحدة من أبرز البلدات التي انطلاق المظاهرات. وقالت أنه عام 2017 بدأ النظام السعودي بهجوم عسكري على حي المسورة في البلدة، تحت حجج بينها الإعمار ووجود مطلوبين، ما أدى إلى قتل وإصابة العشرات، وتهجير الآلف قسريا.
وأضافت المنظمة، أنه خلال تلك الأعوام قتلت السعودية 75 شخصا خارج نطاق القضاء على خلفية الأحداث، إلى جانب 14 فقدوا حياتهم في السجون بينهم من تأكد قتلهم تحت التعذيب وبعضهم في ظروف مريبة من دون أي إمكانية للتحقق من ملابسات وفاتهم.
النيابة العامة والقضاء:
وفي سياق تناولها ملف القضاء في "السعودية"، نوّهت إلى ما تعرض له المطالب بالعدالة الاجتماعية الشيخ نمر باقر النمر في يوليو 2012، واعتقال قوات النظام له بشكل عنيف على خلفية دوره في المظاهرات. في مارس 2013 طالبت النيابة العامة بالإعدام للشيخ النمر بناء على 30 تهمة تتعلق بالتعبير عن الرأي وتستند إلى خطبه وكلماته.
توالت طلبات النيابة العامة بعد ذلك، حيث طلبت خلال السنوات التي تلت الحراك بقتل 200 شخص على الأقل على علاقة بالمظاهرات والأحداث. و استمرت بعد ذلك طلبات النيابة العامة بالقتل، وخاصة بعد محاكمات أمام المحكمة الجزائية المتخصصة وبموجب قانون مكافحة الإرهاب. خلطت النيابة العامة في القضايا وجمعت بين المتظاهرين وآخرين متهمين بتهم جنائية، إلا أن تتبع قضايا المعتقلين على خلفية المظاهرات والأحداث بينت تهما مشتركة، من بينها: تأليب الرأي العام، إثارة الفتنة، رفع شعارات مناهضة للدولة، المشاركة في تجمعات غير قانونية، وغيرها من التهم التي تتعلق بالمشاركة في احتجاجات ولا تتضمن تهما تعد في القانون الدولي من الأشد خطورة.
في يوليو 2017، صدر أمر ملكي بإنشاء رئاسة أمن الدولة التي باتت تضم المديرية العامة للمباحث، وقوات الأمن الخاصة، وقوات الطوارئ الخاصة، وطيران الأمن، والإدارة العامة للشؤون الفنية، ومركز المعلومات الوطني، ومكافحة الإرهاب وتمويله والتحريات المالية.
بموجب هذه التغيرات باتت الأجهزة الرسمية كافة تحت سيطرة الملك وولي العهد من دون أي دور لوزارة الداخلية. لم يغير ذلك من واقع انتهاكات هذه الأجهزة، بل زادها، حيث استمر طلب وإصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بحق المعتقلين، وهكذا لم يعد الملك وولي العهد مسؤولان فقط عن التوقيع على تنفيذ الحكم بل مسؤولان بشكل مباشر عن كل مراحل الاعتقال والتحقيق والمحاكمة.
وتناولت المنظمة الإعدامات الجماعية والفردية التي نفذها النظام السعودي بحق أبناء القطيف، والتي توالت على مدى 13 عاما ولم تستثني القصر والأطفال منهم. لتنتقل بعدها إلى تناول المشهد الحالي.
الوضع الحالي:
على الرغم من مرور 13 عاما على الحراك الشعبي والأحداث التي شهدت مدينة القطيف أغلبها، لا زالت السياسات الانتقامية بحق المواطنين والسكان في هذه المنطقة مستمرا، ولا زالت الهيئات الحكومية الرسمية أداة هذه السياسة البارزة. فعلى الرغم من انحسار المظاهرات والتحركات على الأرض، ظهرت أحكام الإعدام وسيلة للترهيب والتخويف ومنع المواطنين من التعبير عن رأيهم أو عن مخاوفهم.
ترهيب المواطنين ومنع أي نشاط للمجتمع المدني، جعل من الصعب الوصول إلى أرقام وحقائق حول الانتهاكات التي تحصل، وخاصة فيما يتعلق بالمعتقلين والمحكومين. يضاف الترهيب إلى انعدام الشفافية في جعل عقوبة الإعدام محاطة بالسرية، حيث لا تشكل القضايا التي تم رصدها من قبل المنظمات الحقوقية، قبل تنفيذ الحكم 3% خلال السنوات السابقة.
على الرغم من ذلك تتبع المنظمة الأوروبية السعودية حاليا 69 قضية يواجه فيها المعتقلون أحكاما بالقتل في مختلف المراحل، وتتوقع بناء على أرقام الإعدامات السابقة أن يكون الرقم أعلى بكثير. 59 من القضايا التي تتبعهم المنظمة هم لمواطنون من القطيف يواجه معظمهم تهما تتعلق بالحراك والأحداث التي تلته إلى جانب التعبير عن الرأي. من بين الذين يواجهون أحكاما بالقتل تعزيرا 8 قاصرين: عبدالله الدرازي، جلال اللباد، يوسف المناسف، حسن زكي الفرج، علي المبيوق، جواد قريريص وعلي حسن السبيتي.
ونوّهت المنظمة إلى أنه إلى جانب القاصرين، يظهر رصد قضايا الأفراد من محافظة القطيف، الذين يواجهون أحكام إعدام حاليا، علاقة التهم بالتحركات والأحداث التي شهدتها منذ مارس 2011. وبيّنت أنه من بين المحكومين بالقتل تعزيرا: سعود الفرج، علي آل ربيع، محمد عبدالله الفرج، علي الصفواني.
وبحسب تتبع المنظمة، تعمد السعودية أيضا إلى المحاكمات الجماعية، حيث حكمت على كل من رضى الشايب، وزهير أل صمخان وعبد الله غزوي، ومحمد آل طحنون، ومحمد عبد الرزاق آل مسبح ومصطفى أبو شاهين بالإعدام. من بين التهم التي واجهوها: التاثر بخطب الشيخ النمر وتأييد أفكاره والسعي لزعزعة النسيج الوطني إلى جانب تهم فضفاضة أخرى تتعلق بالعنف.
في الخاتمة، قالت المنظمة الأوروبية السعودية أنه منذ بداية العام 2016 حتى بداية فبراير 2024، أعدمت السعودية 85 شخصاً بتهم تتعلق بالحراك والأحداث التي شهدتها القطيف، وحتى اليوم، لا زالت تهدد حياة العشرات بالقتل.
طبيعة التهم ومسار المحاكمات إلى جانب الانتهاكات التي تصاحب الاعتقال والتحقيق، تظهر بشكل واضح أن "السعودية" استخدمت على مدار هذه السنوات عقوبة القتل كأسلوب انتقامي، وهدفت إلى ترهيب المجتمع وتخويفه.
وأشارت المنظمة إلى الوعود التي أطلقها بن سلمان كان من المفترض أن تمنع الاستخدام السياسي لعقوبة القتل، آخرها كان في مارس/آذار 2022، في مقابلة مع صحيفة ذا أتلانتيك، قال فيها "أن عقوبة الإعدام باتت تقتصر على الحالات التي يقتل فيها أحد شخص آخر، وبالتالي فإن عائلة الضحية لها الحق في الذهاب إلى المحكمة أو العفو عنه". هذا الوعد لم يظهر على أرض الواقع، ولم يشمل بالتأكيد المواطنين الذي وجهت لهم النيابة العامة تهما سياسية وتعسفية.
رأت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن عدد ضحايا الإعدامات وعدد المهددين، على خلفية سياسية، دلالة صارخة على إصرار السعودية على استخدام عقوبة القتل انتقاميا، وعلى استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لتجريم أي نشاط لا يتطابق مع توجهاتها.
واعتبرت المنظمة أن القطيف هي مرآة القمع، حيث أظهرت الأحداث التي شهدتها، أن "السعودية" لا تتوانى عن استخدام القتل خارج نطاق القضاء، والإعدام، والقتل في السجون تحت التعذيب للوقوف في وجه أي شكل من أشكال الاعتراض والتحرك السياسي والاجتماعي.
ارسال التعليق