نهاية «كهنة» معبد الوهابية
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «إذا رأيت الظالم مستمراً في ظلمه، فاعرف أن نهايته محتومة، واذا رأيت المظلوم مستمراً في مقاومته فاعرف أن انتصاره محتوم».
.. وما يحدث في هذه المرحلة المفصلية ليس سوى بداية النهاية «لكهنة» معبد الوهابية التي استشرت في الأرض فساداً وعبثاً بمقدرات الأمم والشعوب بمن فيهم الشعب السعودي الذي أصبح جمراً لاذعاً تحت رماد الخوف.
بداية هذه النهاية لم تكن فقط من المؤتمر الإسلامي الذي عقد في العاصمة الشيشانية غروزني وبحضور الرئيس الشيشاني رمضان احمد قديروف ورعايته، ومباركة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحمل عنوان «من هم أهل السنة والجماعة»، ومشاركة لافتة من مشايخ الأزهر بقيادة الشيخ أحمد الطيب.
وحضور هذا المؤتمر التاريخي الذي حدد من أهل السنة والجماعة استبعد الوهابيين الراعين للإرهاب وشمل مذاهب الأشاعرة وهم أغلبية أهل السنة (أبو موسى الأشعري) والأثرية (أحمد ابن حنبل) والماتريدية (أتباع أبو منصور الماتريدي المولود في سمرقند) ولسمرقند دلالة واضحة فهي إحدى جزر اليمن المعتدى عليه، وأتباعه من المذهب الحنفي.
هذا السرد لا يعني أننا نريد الخوض في الطائفية البغيضة بقدر ما يعني إعادة تعريف (أهل السنة) الذين كانت الوهابية بأموالها تسيطر على توجهاتهم وسننهم في السعودية طوال عقود من الزمن لدرجة أنها امتدت خارج بقعتها الجغرافية في نجد والحجاز إلى تيارات وأفراد وصلت إلى اندونيسيا أكبر دولة إسلامية.
قلنا في الاستهلال إن بداية النهاية لم تكن من (غروزني) التي وضعت نقاط الدين والتدين والفقه على بعض حروف الإسلام، بل منذ قيام مهلكة آل سعود بغطاء من شيخهم محمد بن عبد الوهاب، ولمن لا يعرف من صنع هذا الرجل، فللتذكير، إنها الصهيونية التي استخدمتهم لضرب الإسلام وابتداع دين آخر لا يمت له بصلة، لأهداف كان أهمها تغطية قيام الكيان العبري رغم كل ادعاءات الوهابية التي فضحتها هرولتها الأخيرة إلى التطبيع مع العدو الغاصب.
وإن بدا مؤتمر (غروزني) لتحديد من هم (أهل السنة والجماعة) فهو يعني بالدرجة الاولى استبعاده الوهابيين وسحب البساط الديني والسياسي من تحت أقدام آل سعود ونزع لقب (خادم الحرمين الشريفين) عن ملكها. وهو اللقب الذي كان يجيز له التحكم ليس فقط بالكعبة المشرفة وإنما أيضاً بمصير الشعوب المسلمة.
وهنا يطرح سؤال في غاية الأهمية وهو : كيف «تحمي» الكعبة المشرفة قبلة مسلمي الأرض عائلة غير مسلمة.. وهل هذا يعني أن التصنيف خطوة لانتزاع هذه الخدمة ممن ليسوا أهلاً لها..؟ وأيضاً هل هناك من يدفع باتجاه وضع مكة تحت رعاية وإدارة إسلامية، تجنباً لوقوع الكوارث المتعمدة أثناء التدافع أو سقوط «الكرين» والذي حصد ضحايا بالمئات دون أن يرف لآل سعود جفن؟
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن الغريب في هذه القضية أن آل سعود طلبوا الاستعانة بالاستخبارات الاسرائيلية لإدارة موسم الحج و«تأمين» الحجيج، وهذا ليس بغريب عليهم فلقد طلبوا في وقت سابق الاستعانة بالإسرائيليين في حربهم ضد اليمن.. وهنا نتساءل: ماذا يمكن أن يقدم مهزومون في حربين أمام المقاومة اللبنانية البطلة لآل سعود الذين يواجهون شعباً لا يقل صلابة وإرادة وعقيدة قتالية عن حزب الله؟
إن الجواب على سؤال استبعاد الوهابيين من مؤتمر (غروزني) لم يأت من شيوخ مذاهب (أهل السنة) بل من أتباع المذهب الوهابي أنفسهم والذين علا صراخهم تنديداً وتهديداً واستنكاراً وهجوماً لمشايخ الأزهر وروسيا مع التضمين في سياق الجواب:..« كيف يستبعد مذهب يحمي بيت الله الكعبة المشرفة.. وكيف يصنف بوتين المسلمين»؟
إن الرد الحقيقي كان جاهزاً لدى (أهل السنة والجماعة) فقد كانوا يتوقعون ردود الفعل هذه.. وتأكيداً على التمسك بموقفهم أعلنوا أن المؤتمر سيعقد بشكل دوري وسوف يستمر بالنظر في هذه القضية، بمعنى أنهم ماضون في البحث عن بدائل لخدمة الحرمين الشريفين.
وأيضاً.. لماذا عقد المؤتمر وفي الشيشان وبهذا التوقيت بالذات؟
المتابعون للتطورات الدولية يقولون بثقة: «لقد بلغ السيل الزبى» ولم يعد العالم أجمع ولا الدول العربية والإسلامية في وارد تحمل عبثية وغطرسة آل سعود الذين لم يكتفوا بالاستئثار بالثروات النفطية وحرمان أهالي (مدن الملح) كما سماها عبد الرحمن منيف رحمه الله، بل امتد إرهابهم إلى سورية والبحرين واليمن ولبنان ضمن المشروع الأميركي – الصهيوني لتفتيت المنطقة، إلى أن وصل إلى أوروبا وأميركا وحتى دول شرق آسيا. أما مكان عقده في الشيشان فهو رسالة روسية لما كانت السعودية قد طلبته من بوتين بأن يسلمها مقاتلين شيشانيين لضمهم إلى «داعش» وإرسالهم إلى سورية للقتال فيها مع ضمان عدم عودتهم.. هذه الرسالة البوتينية مفادها بأن أهل الشيشان ليسوا كلهم من «الدواعش».
ولم يفهم الوهابيون بسبب حماقتهم وغيهم الرسائل الأوبامية أيضاً والتي كان يمررها عبر خطاباته وخصوصاً عندما استفسر من قادة أندونيسيا التي كانت تتمتع بإسلام معتدل عن السبب في تحولهم، فكان الجواب : «إنهم الوهابيون» الذين اشتروا مواطنينا بالمال. ولم يفهموا تحذيره عندما طالبهم بوقف الحرب على اليمن، بأن يتدبروا أنفسهم منذ الآن فصاعداً من دون أميركا، ولم يستوعبوا صراخ المواطنين الأوروبيين جراء معاناتهم من ارهاب آل سعود الذي طالهم في أمنهم وأمانهم وطرق بيوتهم. ولم يفهموا استنكار المواطنين الخليجيين الذين يكابدون من تدخلاتهم في مفاصل دولهم ومؤسساتهم إلى أن وصل الأمر بهؤلاء الوهابيين إلى السطو على المؤسسة التشريعية والقضائية.
هذا من الناحية السلوكية، أما من الناحية الدينية وحسب قول أحد مشايخ الأزهر فإن «المذهب» الوهابي هو «دين» تكفيري ولم يدخل بلدة أو دولة إلا وعاث بها فساداً وشرذم الدين الإسلامي، وباختصار فإن هؤلاء لا يتبعون دين محمد بن عبد الله (ص) بل دين محمد بن عبد الوهاب الذي وضعت أسسه الصهيونية التي كانت قد وضعت التلمود (المشنا) بديلاً عن التوراة بعد أن غضب الله على اليهود فالتفوا على ذلك بواسطة هذا الكتاب الذي أصبح بمثابة «دستور» لهم وهو في الحقيقة عبارة عن عقد إذعان مع إلههم الذي يسوغ لهم القتل لكل من لا يتبع دينهم أو يعارض خططهم.. وهذا ما نراه تماماً في «مذهب» محمد بن عبد الوهاب.
اذاً يمكن القول بل التأكيد إن مؤتمراً بهذا المستوى خطا الخطوة الأولى لإنهاء أسطورة «كهنة» الوهابية.
الأمر الآخر الذي يبشر بانهيار «المهلكة» إلى غير رجعة هو انهيارها الاقتصادي المتزايد خصوصاً بعد أن أقر مؤتمر باريس للتلوث والبحث عن بدائل للطاقة النفطية، ووقعت عليه 198 دولة على رأسها أميركا والصين، فإنه يؤذن بنهاية عصر النفط الأسود الذي يشغل المصانع المسببة للتلوث والاحتباس الحراري ما يرفع من درجة حرارة كوكب الارض سنة بعد سنة ويهدد بارتفاع منسوب البحار والمحيطات وإغراقها للمناطق الساحلية، وهذا هو المسمار الأخير في نعش مشيخات النفط خصوصاً المتلاعبة بأسعاره، ما يعني أن المصدر الوحيد لثروة السعودية سيصبح مثل الفحم الحجري في عصر الطاقة البديلة.
وحتى مع بقاء النفط كمصدر أساسي للدخل وهو حكر على آل سعود، فإن الانهيارات الاقتصادية لهذا الكيان ظاهرة ولم تعد خافية على أحد، فلقد بدأت السعودية بالاقتراض من الخارج بعشرات المليارات اضافة إلى اقتراضها الدوري من شركاتها في الداخل، وهذا ما يفسر توجه بن سلمان إلى طرح «ارامكو» للاكتتاب العام على نطاق السوق العالمي، إضافة إلى التوجه نحو مزيد من خصخصة الخدمات الصحية وكل ما كانت تقدمه الدولة إلى المواطنين مجاناً.
كما يفسر توجهه إلى الصين لإحياء مشروع «طريق الحرير» الأمر الذي أضحك الصينيين عندما شرح لهم رؤيته لعام 2030!
وحسب مراقبين فإن أحد كبار المسؤولين الصينيين أبلغ عضواً في الوفد السعودي بأن عليهم أن يبحثوا عن حلول لهذه المرحلة – اي للغد – وليس بعد 15 سنة.. فمن يدري أي دول ستبقى، وأي دول سنزول!
وتأتي قمة العشرين المنعقدة في مدينة هانغشتو في الصين لأول مرة لتؤكد أن الحلول الاقتصادية للعالم المقبل على الانهيار يحتاج إلى حلول فعلية وليس إلى مناظرات كلامية، ما يعني وأيضاً حسب مراقبين أن على الدول التي ترعى وتشن الحروب وتضطهد شعوبها أن تتوقف عن البحث عن مصالحها الخاصة من خلال بيع الأسلحة، أو التدخل في شؤون الدول الأخرى، كما عبر عن ذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال افتتاح القمة الأحد الماضي إلى بناء «اقتصاد عالمي مفتوح» ومواجهة ضغوط لإقامة حواجز تجارية. وأن تتحول دول العشرين التي تتحكم بنحو 80% من اقتصادات العالم إلى فريق عمل.
فيما حضّ باراك أوباما المجتمعين على «تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز التجارة الحرة وبناء اقتصاد أكثر عدلاً»، لأن الشعوب أصبحت تعاني من إحباطات مخيفة.
وتسرب عن المؤتمرين ما دار من محادثات جانبية بين كل من أوباما والرئيس الصيني وبوتين وبن سلمان وأردوغان بأن على الدول «العدوانية» أن تتجه إلى إنقاذ العالم وليس إلى تدميره بهدف اعادة اعماره والتكسب من هذه العملية.
إذاً يمكن القول إن هذه القمة التي لم يكن يراد لها أن تكون قمة كلامية بما مفاده، أن على كل دولة أن تتحمل مسؤولياتها وإلا فإن عليها أن تتوقع المزيد من الاضطرابات والحراك الشعبي الذي لن يعرفوا كيف سينتهي!
وخلاصة القول إن القمم الثلاث وإن اختلفت في المشهد فإنها تتكامل في المضمون.. وهذا المضمون ينتصر لمحور المقاومة ويخذل محور العدوان بل يعاقب مخططيه ومنفذيه وأدواته المتوحشة.
بقلم : عبدالحميد الدشتي
ارسال التعليق