هجوم أرامكو يعكس تطور الصواريخ والطائرات الانتحارية الإيرانية
إذا كانت إيران مسؤولة في الواقع عن الهجوم الأخير على منشآت النفط السعودية، سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها في اليمن، فإن ذلك يشير إلى أن صواريخ كروز الإيرانية، والطائرات بدون طيار لديها، أصبحت أكثر تطورا.
وعلى عكس برنامج الصواريخ الباليستية، الذي يحظى باهتمام دولي كبير، ظلت قدرات صواريخ كروز الإيرانية بعيدة عن النقاش. وقد يتغير هذا بعد الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للنفط في شرق المملكة العربية السعودية. وبفضل قدراتها الدقيقة، فمن المحتمل أن يكون لصواريخ كروز الإيرانية آثار كبيرة على توازن القوى العسكري في الخليج العربي.
وعلى الرغم من أن إيران تمتلك واحدة من أكبر ترسانات الصواريخ الباليستية في العالم، إلا أنها محدودة في استخدامها. وفي حين أن لديها صواريخ يمكنها ضرب أهداف تصل إلى 2000 كيلومتر، إلا أن معظمها ذو دقة محدودة. ولدى خصوم إيران في جميع أنحاء الخليج، بما في ذلك القوات الأمريكية المنتشرة في دول مثل البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، أنظمة دفاع صاروخي واسعة النطاق.
وعلى مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، بذلت إيران جهودا متضافرة لتحسين دقة صواريخها الباليستية ذات المدى الأقصر. ولكن رغم حدوث بعض التطورات، تظل قدرات الهجوم التي توفرها هذه الصواريخ الباليستية محدودة. وفي الوقت نفسه، لا تزال القيود المالية المستمرة، والآثار الكثيرة للعقوبات الدولية، تعرقل الجهود الإيرانية لتطوير سلاحها الجوي المتهالك.
وفي هذا السياق، توفر صواريخ كروز ونظيراتها، مثل الطائرات بدون طيار "الانتحارية" قدرات بديلة لإيران قد تحل محل صواريخها الباليستية وتكمل منظومتها. ولجميع النوايا والأغراض، ويعد كلا السلاحين بالأساس عبارة عن طائرة بدون طيار مصممة لاقتحام أهداف على الأرض. وليس من المفاجئ أن تكون إيران قد طورت كلتا القوتين.
صواريخ كروز الإيرانية:
وفي عام 2015، كشفت إيران عن صاروخ كروز يدعى "سومار"، وقد تم تصميمه بناءً على عشرات صواريخ كروز من طراز "Kh-55" من الحقبة السوفيتية، كانت إيران قد حصلت عليها من أوكرانيا عام 2001. وقد أظهر الكشف عن "سومار" أن إيران نجحت خلال ما يزيد قليلا عن عقد من الزمان في بناء صاروخ كروز خاص بها يشبه "توماهوك" الأمريكي. ولكن لا يزال هناك عدم يقين بشأن مدى الصاروخ، بالنظر إلى أن "Kh-55" كانت مُجهزة أصلا بمحرك نفاث صغير، وهي تكنولوجيا دفع لم يكن من المعروف أن إيران تنتجها في ذلك الوقت. وزعمت إيران أن صاروخ كروز الجديد، الذي من المحتمل أن يكون مزودا بمحرك نفاث إيراني الصنع، يبلغ مداه نحو 700 كم.
وفي وقت سابق من هذا العام، في فبراير/شباط، كشفت إيران عن صاروخ كروز آخر، أطلقت عليه اسم "هويزة"، والذي بدا متطابقا مع المظهر الخارجي لـ"سومار". ومع ذلك، ادعى المسؤولون الإيرانيون أن الصاروخ الجديد يبلغ مداه 1350 كيلومترا، وذلك بفضل محرك نفاث "تربوفان" متطور على ما يبدو.
وكشف الحوثيون مؤخرا عن صاروخ كروز أصغر بشكل ملحوظ من "سومار" و"هويزة"، وهو "قدس-1"، المجهز على ما يبدو مجهز بمحرك نفاث صغير يمكنه أن يمده بالقدرة على التحليق لعدة مئات من الكيلومترات. ونظرا للقدرة الصناعية المحدودة لليمن الذي مزقته الحرب، فمن المؤكد أن "قدس-1" أتى من الخارج، وعلى وجه التحديد من إيران. وقد تمت مشاركة الصور على وسائل التواصل الاجتماعي السعودية بعد الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي، والذي يقول مسؤولون سعوديون إنه شمل العديد من صواريخ كروز وعدد أكبر من الطائرات بدون طيار، وأظهرت حطاما يشبه صاروخ "قدس-1". وإذا لم يكن الحوثيون هم من نفذوا الهجوم، فإن ذلك يشير إلى أن إيران تمتلك هي الأخرى وتستخدم "قدس-1"، مما يضيف إلى مخزونها من صواريخ كروز.
الطائرات الانتحارية:
وطورت إيران أيضا العديد من الطائرات بدون طيار التي توفر قدرات مماثلة لصواريخ كروز. وتأتي هذه الطائرات الإيرانية "الانتحارية"، مثل "رائد 85" و"أبابيل"، مجهزة بمحركات بستون (مكابس)، ما يوفر وسيلة غير مكلفة للغاية لإيصال رأس حربي صغير إلى هدف على بعد مئات الكيلومترات.
وعلى الرغم من كلفتها المنخفضة وتصنيعها البسيط، إلا أن هذه الطائرات بدون طيار يصعب الدفاع أمامها. وبحسب ما ورد، استخدم الحوثيون نوعا مختلفا من طراز "أبابيل"، يسمونه "قاصف-1"، لاستهداف أنظمة الدفاع الجوي والدفاع الصاروخي أمريكية الصنع التي تستخدمها القوات السعودية والإماراتية في اليمن. وبحسب ما ورد، تم استخدام طائرة بدون طيار من طراز "قاصف-1" في هجوم رفيع المستوى استهدف كبار ضباط الجيش اليمني في يناير/كانون الثاني.
وفي يوليو/تموز، كشف المتمردون الحوثيون عن طائرة "انتحارية" جديدة تماما، من المحتمل أيضا أن يكون منشأها في إيران، تسمى "صمد-2". وقدر فريق من خبراء الأمم المتحدة، الذين قاموا بفحص طائرة "صمد-2" تم أسرها، أنه يتراوح مداها الأقصى بين 1200 و1500 كيلومتر أثناء حمل رأس حربي صغير. ويشير هذا النوع من النطاق إلى أن "صمد-2" إذا تم إطلاقها من مناطق بعيدة مثل اليمن ربما يمكنها ضرب المنشآت النفطية في شرق المملكة.
وفي حين أن الجهود الإيرانية الأخرى، مثل برنامجها الفضائي، تعثرت مرارا وتكرارا تحت وطأة العقوبات الدولية، توفر تكنولوجيا صواريخ كروز طريقا فعالا لأسلحة أكثر دقة. وحتى لو لم تكن متقدمة مثل صواريخ كروز الأمريكية وغيرها من الأسلحة الموجهة، فإن صواريخ كروز والطائرات بدون طيار الإيرانية لديها القدرة على ضرب الأهداف بدقة، بما في ذلك ربما هياكل محددة في المنشآت النفطية والقواعد الجوية، باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي "GPS" المتوفر تجاريا، وأنظمة الملاحة غير المكلفة بشكل كبير.
ويمثل الدفاع ضد هذه الأنواع من صواريخ كروز والطائرات "الانتحارية" تحديا خاصا، نظرا لأنها تطير عادة على ارتفاعات منخفضة، وفي حالة الطائرات بدون طيار، تسير بسرعات منخفضة للغاية. ويجعل هذا الكشف عنها بالرادار أمرا صعبا، ويوفر القليل جدا من الوقت للتحذير. وتبقى أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي، على الرغم من كلفتها الهائلة، غير كاملة. على سبيل المثال، يوفر نظام الدفاع الجوي والصاروخي الأمريكي "باتريوت"، الذي تستخدمه دول الخليج على نطاق واسع، تغطية بزاوية 120 درجة، مما يحد من قدرته على ضرب طائرة بدون طيار أو صاروخ كروز.
وبعد تطويرها بهدوء لقدراتها الصاروخية والطائرات بدون طيار، يبدو أن إيران الآن قادرة على ضرب الأهداف العسكرية والاقتصادية في جميع أنحاء الخليج بدقة أكبر بكثير مما تستطيعه إذا استخدمت صواريخها الباليستية. وبفضل قدرات الاستهداف المحسّنة التي أظهرها الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، احتلت صواريخ كروز الإيرانية الجديدة مركز الصدارة في السباق العسكري في المنطقة.
ارسال التعليق