هكذا مهّد الإعلام السعودي لأزمة الوظائف.. تغيير للوعي
أطلق محمد بن سلمان عشرات المشاريع الاقتصادية الضخمة منذ وصوله إلى السلطة في العام 2015، كولي لولي العهد.
مشاريع ابن سلمان التي تندرج جلها تحت “رؤية 2030″، تحدث عنها مرارا بأن السعوديين سيجنون ثمارها خلال السنوات المقبلة، من خلال توفير فرص عمل، ولم ينف أنه لجأ إلى هذه الخطط لإنقاذ المملكة مستقبلا في حال نفاد النفط الذي يعد الركيزة الأساسية في ثروة البلاد منذ عقود.
ومع احتفاء الحكومة السعودية بتسجيل إنجازات على مستوى الأرقام، مثل خفض مستوى البطالة إلى 11 بالمئة، ورفع معدل تملك المنازل للمواطنين إلى نحو 60 بالمئة، إلا أن تشكيكا واسعا في أداء الحكومة بدأ يظهر على السطح من قبل نقاد، ومغردين.
فمنذ إطلاق رؤيته في العام 2016، ارتفع سعر البنزين (91) في السعودية من 0.45 ريال إلى 2.18 ريال في العام 2022، أي أنه تضاعف خلال السنوات الست الماضية نحو أربعة أضعاف، فيما ارتفع سعر لتر البنزين (95) من 0.60 هللة إلى 2.33 ريال.
كما ارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل لافت، وفرضت ضريبة للقيمة المضافة على كافة المنتجات بنسبة 15 بالمئة.
الضرائب، وارتفاع الأسعار لم تنعكس إيجابا على معدل الرواتب، لا سيما للمتقاعدين، الذين توقف الحد الأدنى للأجور لديهم منذ العام 2012 عند 1983 ريالا.
وبحسب أرقام رسمية، فإن المتقاعدين الذين تقل رواتبهم عن 3000 ريال نحو 200 ألف متقاعد، منهم أكثر من 140 ألفا لا تصل رواتبهم 2000 ريال.
وبرغم تصريح سابق لولي العهد محمد بن سلمان، بأن الضريبة ستكون مؤقتة، وبحد أقصى 5 سنوات، إلا أن وزير المالية محمد الجدعان أكد مؤخرا أنه لن يتم النظر في إلغاء ضريبة القيمة المضافة في المستقبل القريب.
“تقليل من شأن الوظيفة”:
بدأ سعوديون خلال السنوات القليلة الماضية بالتلويح بشهاداتهم الجامعية التي تحصل بعضهم عليها من جامعات غربية، كدلالة على انعدام فرص العمل، إذ لجأ بعضهم لافتراش الطرق وبيع الشاي، أو العمل على تطبيقات سيارات الأجرة، وغيرها.
خلال الشهور الماضية لجأت وسائل إعلام سعودية، بما فيها تلفزيون “الإخبارية” الرسمي، إلى بث تقارير تقلل من شأن الوظيفة، بدعوى أنها تحد من طموحات الشاب، وتضع مسارا محددا لحياته غير قابل للتطور.
الحل بالنسبة للإعلام السعودي بحسب تقارير عديدة نُشرت مؤخرا، هو اللجوء لفتح المشاريع الصغيرة، مثل بيع التمور، أو التوجه إلى المهن الحرفية، والتي روّج الإعلام إلى أن المرأة قادرة على طرق هذا الباب، وبث تقارير تتحدث عن سيدات سعوديات توجهن إلى ورشات ميكانيك السيارات للعمل.
تزامنت هذه التقارير مع خطاب حاد وجهه وزير الاتصالات السعودي عبد الله السواحة للشبان، طالبهم فيه بالعمل 80 ساعة أسبوعيا (أكثر من 11 ساعة يوميا)، مضيفا أن من لم يفعل ذلك لديه “خلل”.
ويقول سعوديون إن ترويج الحكومة بأنها تشجع على الاستثمار، وفتح المشاريع الصغيرة، يتناقض مع العقبات التي تضعها أمام أصحاب هذه المشاريع.
في الفترة من بداية العام 2022، تم رصد توجها لدى الإعلام السعودي لتسليط الضوء على نماذج اعتبرها “ناجحة” بعد تخليها عن الوظيفة، إذ نشرت “روتانا خليجية” في شباط/ فبراير الماضي، مقابلة مع طبيب قال إنه تخلى عن وظيفته من أجل العمل كخباز.
وفي نيسان/ أبريل، نشرت “الإخبارية” تقريرا عن مواطن قال إن جميع أولاده استقالوا من وظائفهم من أجل العمل لديه في محل لبيع التمور، وأنهم حققوا عوائد مالية أفضل من الوظائف.
القناة ذاتها، استضافت بعد أسابيع الشاب عبد الله الفوزان، أحد مشاهير مواقع التواصل، والذي قال إنه استقال من وظيفة براتب 32 ألف ريال ليتجه نحو الأعمال الحرة، ويجني حاليا ربع مليون ريال شهريا من ذلك.
منصة بودكاست “ثمانية” استضافت رجل الأعمال محمد الرويغ، الذي قال إنه استقال من وظيفة بمرتب شهري بلغ 80 ألف ريال، وأسس لاحقا مطعم “برغر”.
قناة “إم بي سي”، استضافت رجل الأعمال الكويتي عبد الله الدبوس، الذي قال إنه “ليس مطلوباً أن يكون عندك رأس مال ضخم لتبدأ مشروعك الخاص؛ فأنا أسست شركة بدأت برأس مال 2000 دينار كويتي (25 ألف ريال)، والآن قيمتها أكثر من 300 مليون دولار (1،25 مليار) ريال”.
“تغيير للوعي”:
الخبير الأمريكي في الأسواق الناشئة، نيك ستادميلر، اعتبر أن الحكومة السعودية تعمل حاليا على محاولة تغيير وعي مواطنيها الشبان، وهو أمر بالغ الصعوبة “إذ يتوقع مواطنو الخليج دوما أن توفر لهم الدولة وظائف حكومية برواتب عالية”.
وتابع أن الوظائف الحكومية في السعودية لن تكفي الجميع، وبالتالي فإن جزءا كبيرا من المواطنين يصابون بخيبة أمل، لا سيما أن الدولة يهمها الإبقاء على الانضباط المالي، وتقليل اعتماد الاقتصاد على النفط بالكامل.
وبحسب ستادميلر، فإن الخطط الحكومية تهدف إلى تحقيق مكاسب على المدى الطويل، وخلق اقتصاد أكثر تنافسية وديناميكية، بيد أن هذا الأمر سيجر خيبات كبيرة في الوقت الحالي بالنسبة لفئة الشباب.
وبحسب ستادميلر، فإن النقطة التي تريد الحكومة إقناع المواطنين بها، هي أن التحول الاقتصادي الناجح يتطلب منهم عدم توقع زيادة في المنح، أو تحسين للأوضاع كلما زادت الإيرادات الحكومية.
تغيير الوعي الذي تحاول الحكومة السعودية التمكن منه بالنسبة لمواطنيها، دفع الإعلام إلى الترويج لأمور مختلفة متعلقة بالوضع المالي، إذ نقل موقع “سبق” دراسة تقول إن “إنجاب أكثر من طفلين خطر على الوالدين!”.
فيما نشرت “الإخبارية” مقابلة مع المحلل المالي حسين العطاس، الذي قدّم للجمهور ما وصفها بـ”الخلطة السحرية للتوفير من الراتب”، وهو ما اعتبره مغردون “استفزازا”، قائلين إن الرواتب لا تكفي لسداد احتياجاتهم الأساسية، فضلا عن التفكير في التوفير منها.
استنزاف ومقاطعة:
المعارض السعودي، ورئيس مركز “الجزيرة العربية للدراسات”، محمد العمري، قال إن انشغال المملكة بدورها الإقليمي في الخارج، أثر كثيرا على اقتصادها الداخلي.
وتابع العمري في حديثه، أن السعوديين ومنذ سنوات، عبروا عن عدم رضاهم عن الأوضاع الاقتصادية، حتى العاملون منهم، مشيرا إلى الهاشتاغ الشهير “الراتب ما يكفي الحاجة”، مضيفا أن السلطات واجهت هذه الحملة، بحملات إعلامية تقلل من شأن الوظيفة.
وأشار العمري إلى أن الحكومة اتخذت عدة أساليب لحرف المسار عن المطالبة بالوظائف، وتحسين الأوضاع المعيشية، إذ “زادت التعصب الرياضي، وقدمت الحفلات الفنية الكبرى”، والتي من وجهة نظر العمري تدفع إلى احتواء فئة كبيرة من خريجي الجامعات.
في المقابل، تزايدت بالسنوات القليلة الماضية ثقافة المقاطعة لدى الشباب السعوديين، إذ دشنت عدة حملات لمقاطعة شركات أو منتجات ارتفع سعرها، وكان آخرها منتجات ألبان المراعي، بالإضافة إلى مقاطعة الدجاج، والبيض.
وفسر محمد العمري توجه السعوديين إلى ثقافة المقاطعة، بسبب “تبخر المدخرات المالية، وفرض الضرائب الحكومية، وانخفاض الدخل”.
وأشار إلى أن التحدي الذي يواجه ثقافة المقاطعة، هو أن “التجار الكبار في المملكة، هم حلفاء للسلطة استفادوا من المناقصات والقروض الحكومية، فضلا عن كون الملاك أمراء أو أمراء شركاء لتجار، حتى جمعية حماية المستهلك دورها تخديري لخضوعها للسلطة”.
ارسال التعليق