هل تنقذ أموال الخليج نظام السيسي من كارثة اقتصادية؟
بقلم: خليل العناني / المركز العربي واشنطن دي سي...
في 4 أبريل/نيسان المنصرم، تعهدت دول الخليج العربية بمبلغ 22 مليار دولار لمساعدة مصر على تجنب أزمة العملة الناتجة عن الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا.
وأدى ارتفاع أسعار الغذاء والنفط والطاقة، إلى جانب السياسات الاقتصادية غير الفعالة لنظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، إلى زيادة معاناة المصريين العاديين، ما يثير شبح اضطراب سياسي واجتماعي آخر شبيه بالانتفاضة المصرية في أوائل عام 2011.
ويبدو الآن أن الأسئلة الرئيسية المطروحة هي لماذا تحرص دول الخليج على تقديم الدعم المالي والاقتصادي لنظام "السيسي"؟ وإلى أي مدى يمكن لخطة الإنقاذ المالية هذه أن تنقذه وتنقذ مصر على المدى المتوسط والطويل؟
ويلات مصر الاقتصادية:
على مدى الأشهر القليلة الماضية، عانى الاقتصاد المصري من عدة مشاكل تتراوح بين تفاقم الديون الخارجية، وارتفاع التضخم، وتراجع قطاع السياحة، وخروج مليارات الدولارات من البلاد بعد انخفاض قيمة العملة في مارس/آذار.
وبحلول نهاية السنة المالية 2020/2021، بلغ إجمالي ديون مصر 392 مليار دولار. ويشمل ذلك 137 مليار دولار من الديون الخارجية، وهو أعلى بـ4 مرات مما كان عليه في عام 2010 حين كان يبلغ 33.7 مليار دولار فقط. كما يشمل ذلك ديونا داخلية بقيمة 255 مليار دولار، وهو ما يقرب من ضعف الدين المحلي في عام 2010. وتهدد هذه المستويات من الدين الداخلي والخارجي الناتج المحلي الإجمالي لمصر، وتضيف المزيد من الجروح إلى اقتصادها المتعثر.
وفي عام 2021، احتلت مصر المرتبة الـ158 من بين 189 دولة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والمرتبة الـ100 في نصيب الفرد من الديون. علاوة على ذلك، من المتوقع أن ترتفع مبيعات السندات المصرية إلى 73 مليار دولار في عام 2022، ما يضيف المزيد من الصعوبات إلى الاقتصاد المصري وربما يهدد بأزمة ديون سيادية.
وتراكمت المشاكل الاقتصادية والمالية في مصر خلال الأعوام القليلة الماضية بسبب عوامل مختلفة.
أولا، أنفقت الحكومة المصرية مليارات الدولارات على مشروعات ضخمة لا تفيد المصريين العاديين أو تلبي احتياجاتهم الضرورية والأساسية من الغذاء والصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى. ومع افتقاره للشرعية السياسية، اعتمد نظام "السيسي" على ما أسماه "روبرت سبرينجبورج" عامل الإبهار في صورة مشاريع ضخمة فضلا عن شراء الأسلحة لتعزيز شرعيته.
ثانيا، ترتكز سياسة "السيسي" الاقتصادية، إذا كان هناك سياسة حقيقية بالفعل، على استراتيجية واحدة وهي الاقتراض. وعلى حد تعبير "سبرينجبورج"، "أصبحت مصر دولة متسولة، ويعتمد اقتصادها أكثر من أي وقت مضى على الدعم الأجنبي خاصة القروض".
ووفقا لمعدل الاقتراض الحالي، من المتوقع أن يرتفع إجمالي الدين القومي إلى 557 مليار دولار بحلول عام 2026. وتعد تكلفة خدمة الدين كبيرة وتؤثر على الإنفاق العام للحكومة. وبينما بلغت ميزانية 2020-2021 نحو 93 مليار دولار، شكلت خدمة الدين ثلث الميزانية بقيمة 30.7 مليار دولار. واللافت للنظر أنه بالرغم من وتيرة الاقتراض المتسارعة، إلا أن ظروف الحياة لمعظم المصريين لم تتحسن. وفي عام 2021، كان ثلث المصريين يعيشون تحت خط الفقر، ووصلت البطالة إلى 7.4% في الربع الأخير من العام.
ثالثا، لا يترك الدور التوسعي للجيش المصري في الاقتصاد مجالا للقطاع الخاص للنمو والمنافسة أو لجذب الاستثمارات الأجنبية. ومنذ انقلاب 2013، شارك الجيش المصري في كل جانب من جوانب الاقتصاد تقريبا، من البناء والعقارات إلى الأغذية والمشروبات وإنتاج الخضروات. ويأتي هذا التوسع في الاقتصاد العسكري على حساب القطاع الخاص والشركات التي لا تستطيع منافسة شركات الجيش. والأهم من ذلك، أن أداء هذه الشركات ضعيف وغير فعال بشكل ملحوظ.
ووفقا لتقييم صندوق النقد الدولي للاقتصاد المصري في عام 2021، "تلعب الحكومة المصرية دورا كبيرا في الاقتصاد من خلال وجود الشركات المملوكة للدولة في جميع القطاعات تقريبا، بما في ذلك شركات قطاع الأعمال العام والشركات المملوكة للجيش، وقد سجل العديد منها أداء ماليا ضعيفا بالرغم أنها تستفيد من المنافسة غير المتكافئة مع نظرائها في القطاع الخاص". لذلك يجب تفكيك "جمهورية الضباط"، باستخدام مصطلح "يزيد صايغ"، من أجل إعطاء مساحة للاقتصاد المصري للتنفس والازدهار.
وأخيرا، تأثر الاقتصاد المصري بشدة بسبب جائحة "كوفيد-19" والحرب المستمرة في أوكرانيا. ووفقا لصندوق النقد الدولي، وجه الوباء ضربة كبيرة للاقتصاد المصري، وشعرت مصر بالتداعيات على الفور من خلال التوقف المفاجئ في السياحة التي شكلت، في بداية الأزمة نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي و10% من فرص العمل و4% من إجمالي الناتج المحلي من العملات الأجنبية.
علاوة على ذلك، شهدت مصر تدفقات كبيرة لرأس المال إلى الخارج بأكثر من 15 مليار دولار خلال الفترة من مارس/آذار إلى أبريل/نيسان 2020 مع انسحاب المستثمرين من الأسواق الناشئة في رحلة البحث عن الملاذ الآمن.
وبالمثل، يعد تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا هائلا على مصر. وفي 5 أبريل/نيسان، أصدرت "ستاندرد آند بور" تقريرا عن مؤشر مديري المشتريات في مصر وأشارت إلى أن "الاقتصاد المصري غير النفطي عانى من انخفاض قوي في ظروف العمل في مارس/آذار نتيجة الضغوط التضخمية على الطاقة والغذاء والمواد الخام وسط الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى انخفاض حاد في الإنتاج والتوريدات الجديدة".
مساعدات الخليج لمصر:
ولمواجهة هذه التحديات الاقتصادية والمالية، كان على حكومة "السيسي" طلب المساعدة إما من حلفائها الإقليميين أو من المقرضين الدوليين مثل صندوق النقد الدولي. وقبل أيام قليلة من بدء حرب أوكرانيا، زار "السيسي" الكويت فيما قام بزيارة إلى السعودية في 8 مارس/آذار التقى خلالها بالملك "سلمان" ونجله مبس. ويُعتقد أن الهدف من الزيارتين كان طلب المساعدة المالية لمواجهة تداعيات الحرب في أوكرانيا.
وفي 21 مارس/آذار، أعلنت الإمارات أنها ستستثمر 2 مليار دولار في مصر من أجل التخفيف من تداعيات حرب أوكرانيا. واشترى صندوق أبوظبي السيادي حصصا في "البنك التجاري الدولي، وفوري للخدمات المصرفية وتكنولوجيا الدفع، وشركة الإسكندرية للحاويات والبضائع، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة، وشركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية". وكان المبلغ جزء من خطة استثمارية بقيمة 20 مليار دولار تم الاتفاق عليها بين البلدين في عام 2019. ومع ذلك، فإن توقيت ضخ 2 مليار دولار الآن أمر بالغ الأهمية للاقتصاد المصري ونظام "السيسي".
علاوة على ذلك، فإن نظام "السيسي" منفتح على تلقي الدعم والمساعدة من قطر، بالرغم من التوترات التي خيمت على العلاقات المصرية القطرية خلال الأعوام القليلة الماضية. وتعهدت قطر باستثمار نحو 5 مليارات دولار في مصر في الأعوام المقبلة. وفي 29 مارس/آذار، زار وزير الخارجية القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني" القاهرة والتقى نظيره المصري "سامح شكري" و"السيسي" ومسؤولين آخرين.
وذكر بيان صادر عن الحكومة المصرية أن حزمة الـ 5 مليارات دولار تهدف إلى "تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين الشقيقين". وركزت استثمارات قطر في مصر على قطاع العقارات والقطاع النفطي، بما في ذلك بناء فندق فاخر بقيمة 1.3 مليار دولار على كورنيش النيل بالقاهرة. علاوة على ذلك، وقعت شركة قطر للطاقة اتفاقية مع شركة إكسون موبيل تستحوذ بموجبها على 40% من منطقة شمال مارقيا البحرية في البحر الأبيض المتوسط (منطقة استكشاف بحرية للغاز) بينما تمتلك إكسون موبيل (المشغل) الحصة المتبقية البالغة 60%.
بالإضافة إلى ذلك، انضمت السعودية إلى الإمارات وقطر في تقديم الدعم المالي لنظام "السيسي". وفي 30 مارس/آذار، أودعت الرياض 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري من أجل المساعدة على استقرار العملة والمؤسسات المالية التي كانت تواجه ضغوطا متزايدة. وكذلك يخطط صندوق الاستثمارات العامة المملوك للدولة في السعودية لاستثمار 10 مليارات دولار في مصر في الأعوام المقبلة.
الأمر يتعلق بالسياسة وليس الاقتصاد:
وتتجاوز المساعدات والدعم الخليجي الأزمة الاقتصادية والمالية في مصر، فهي تعكس أولوية سياسية والتزاما سياسيا تجاه أكبر دولة عربية وأكثرها سكانا، كما يشير ذلك إلى المصالح والمخاوف المشتركة والمخاوف المشتركة بين دول الخليج ومصر.
وكان للسعودية والإمارات، على سبيل المثال، دور سياسي في مصر على مدى الأعوام الـ9 الماضية. وبدافع الخوف من الربيع العربي واضطراباته الدراماتيكية، يحرص كلا البلدين على منع أي تغيير سياسي قد يحدث في المنطقة، لا سيما في مصر.
وكانت السعودية والإمارات من أوائل الدول في المنطقة التي رحبت بانقلاب 2013 ضد الرئيس الراحل "محمد مرسي"، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر. وبعد الانقلاب، قدمت الرياض وأبوظبي والكويت دعما سياسيا وماليا كبيرا لنظام "السيسي". كما ضخت مليارات الدولارات خلال الأعوام القليلة الماضية من أجل استقرار النظام وعرقلة أي تغيير سياسي في مصر. وقدمت نحو 30 مليار دولار من المساعدات لنظام "السيسي" على شكل ودائع لدى البنك المركزي وتوريد المنتجات البترولية كمنح بين يوليو/تموز 2013 وأغسطس/آب 2016.
وساهمت الديناميكيات الإقليمية المتغيرة وعمليات إعادة التنظيم في التقارب بين مصر والسعودية والإمارات خلال الأعوام القليلة الماضية. وعزز عداؤها المشترك للإخوان المسلمين والخوف من الدور الإقليمي لتركيا وإيران علاقتها التي شكلت معا محورا إقليميا على مدى الأعوام القليلة الماضية.
ويركز هذا المحور على 3 أهداف رئيسية، إجهاض التغيير الديمقراطي في المنطقة، واجتثاث الإسلام السياسي، ومواجهة نفوذ إيران وتركيا. وكانت مصر لاعبا رئيسيا في تحقيق هذه الأهداف خلال الأعوام القليلة الماضية، وكان "السيسي" يستغل بذكاء مخاوف دول الخليج من موجة أخرى من الربيع العربي لتأمين الدعم المالي والاقتصادي لنظامه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التقارب الأخير بين قطر ومصر يساعد "السيسي" في الحصول على المزيد من المساعدات المالية والاقتصادية. وبالرغم من الاختلافات السياسية بينهما منذ انقلاب 2013، دفعت التغييرات الإقليمية والعالمية كليهما إلى تسوية خلافاتهما وإعادة تقييم علاقتهما الثنائية خلال العام الماضي.
وبعد أكثر من 3 أعوام من الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات ومصر والبحرين، تسعى قطر إلى توسيع شراكاتها الإقليمية وتعزيز العلاقات مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين وتعزيز دورها على الصعيدين الإقليمي والعالمي. وبالنسبة للدوحة، تظل مصر لاعبا رئيسيا يمكنه المساعدة في تحقيق هذه الأهداف. في المقابل، فإن نظام "السيسي" في حاجة ماسة للاستثمارات الأجنبية والدعم المالي من أجل البقاء واقفا. وبعد أعوام من اتهام قطر بدعم الإرهاب وزعزعة استقرار مصر، غير نظام "السيسي" مساره ويشيد مسؤولوه الآن بدور قطر الإقليمي والعالمي.
هل يمكن للمعونة الخليجية إنقاذ مصر؟:
تلقت مصر مليارات الدولارات سواء من القوى الإقليمية أو المؤسسات الدولية خلال الأعوام القليلة الماضية. ومع ذلك، تعاني البلاد اقتصاديا وماليا، ما يطرح سؤالا مشروعا حول تأثير الحزم المالية الأخيرة التي تلقتها أو ستتلقاها من دول الخليج العربية وما إذا كان بإمكانها تحسين حياة المصريين العاديين.
وفي الواقع، هناك شكوك جدية في أن المساعدات الخليجية ستحدث فرقا حقيقيا في الاقتصاد المصري على المدى الطويل لعدة أسباب.
أولا، تلقى نظام "السيسي" حزما مالية مماثلة بين عامي 2013 و2016 من دول الخليج، ما ساعده على تجاوز صعوبات ما بعد الانقلاب. ومع ذلك، فإن هذه المبالغ الكبيرة من المساعدات لم تصل إلى المجتمع أو تحسن من حياة المصريين العاديين. وفي الواقع، تظهر معظم مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية عكس ذلك. فقد وصل الفقر في مصر إلى مستويات جديدة خلال العقد الماضي، وفشلت الحكومة المصرية في تقديم خدمات صحية أو تعليمية مناسبة، ما أدى إلى تدهور الظروف المعيشية لمعظم المصريين.
ثانيا، تذهب معظم المساعدات والقروض الأجنبية إلى مشاريع ضخمة مثل بناء عاصمة جديدة تكلف حوالي 58 مليار دولار، والتوسع في الإسكان العقاري الفاخر، وكلاهما لا يستطيع المصريون العاديون تحمل كلفتهما.
ثالثا، لا تستهدف سياسات "السيسي" الاقتصادية المصريين العاديين، بل هي مصممة لخدمة مؤيديه وأعوانه، لا سيما أولئك العاملين في الجيش والأجهزة الأمنية.
وأخيرا، أدى الافتقار إلى المساءلة والشفافية في إنفاق حزم المساعدات المالية، إلى جانب الفساد المستشري في مصر، إلى إثارة الشكوك حول جدواها وما إذا كان بإمكانها تحسين الوضع الاقتصادي في مصر.
ومن المؤكد أن المساعدات الخليجية لمصر ليست سوى مسكن مؤقت لمشاكل مصر المزمنة. ومن غير المرجح أن تساعد نظام "السيسي" على تجنب ما يبدو أنه كارثة اقتصادية ومالية حتمية يصعب التنبؤ بتوقيتها.
لكن ما هو مؤكد هو أن المساعدات الخليجية تساعد في خدمة الأهداف السياسية لدول الخليج لاستقرار مصر بقدر ما تساعد "السيسي" في الحفاظ على بعض مظاهر الاستقرار الاقتصادي في بلاده.
ارسال التعليق