هل سياسة الرياض تمثل تهديدا للتعايش؟
التعايش الحقيقي يقوم أولا على احترام الآخر (فكرا وعقيدة) والتسامح، والسماح له بممارسة حريته بضمانة قوانين دستور دولة حضارية تحترم التعددية والتعايش، بعكس ما تقوم به السلطة الاستبدادية والتكفيرية بفرض فكر وعقيدة أحادية تكرس التكفير والكراهية، والإساءة والتجييش ضد الآخر من خلال مؤسساتها كالتعليم والإعلام، والتضييق والمنع والملاحقة لكل من يمارس حقه على أساس أنه يخالف فكر السلطة الحاكمة.
لقد تمكنت السلطة الاستبدادية عدوة الحرية والتعايش والتعددية من فرض واقع جديد حسب مزاجها قائم على إجبار المكونات الوطنية على التنازل عما يؤمنون به لأنهم الحلقة الأضعف بينما - السلطة الحاكمة – هي الجهة الأقوى لاستخدامها كافة الأساليب القمعية والقوة لفرض فكرها وإرادتها، - وللأسف الشديد قد قامت بنشر ذلك الفكر الخطير في الوطن والعالم لأنها تملك قوة مادية وإمبراطورية إعلامية - إنه واقع لا علاقة له بالتعايش بل هو ضد التعددية والتنوع والتعايش واحترام العقول والأفكار والحرية.
مقومات التعايش
التعايش يتحقق وينمو من خلال سن قوانين في دستور يمثل الإرادة الشعبية يؤكد على العدالة والتعددية والحرية والمساواة في الحقوق والمواطنة، والسماح لكل مواطن أن يمارس حريته بالتعبير والتعبد حسب ما يؤمن به في كافة أرجاء الوطن، والظهور على وسائل الإعلام الرسمية فهي حق للجميع، والسماح بطباعة الكتب ونشرها وفتح مؤسسات المجتمع المدني السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية المختلفة، وكذلك مراكز ومقرات علنية واضحة تمثل الفئات والمؤسسات والمدارس التعددية داخل الوطن. وأن تقوم السلطة بمحاسبة ومعاقبة كل من يعتدي على التعددية وحرية الآخر حسب قوانين الدستور.
محاربة التعددية والتعايش لماذا؟
من الذي يحارب التعددية ويمنع المواطنين لغاية اليوم من الحصول على حقوقهم الوطنية بشكل كامل، ويصر على التعامل مع المواطنين حسب المحسوبية والقبلية والمناطقية والمذهبية، ومن هو المسؤول عن انتشار الفساد الإداري في كل المجالات والمناطق، وتعريض الوطن للخطر بسبب ذلك؟.
من المسؤول عن عدم السماح لأي فئة وطنية من التعبير عن أرائها والحصول على المناصب لخدمة الوطن والمواطنين، من الذي يقوم بالإساءة والتجييش ووصف مكونات وطنية بالمشركين في الكتب المدرسية ووسائل الإعلام الرسمية، ويطبع وينشر الكتب المليئة بالإساءة لهم في الدوائر الحكومية؟!.
من الذي يهدد التعايش السلمي؟
سياسة سلطة العائلة الحاكمة هي التي شكلت وما زالت تشكل الخطر الأكبر للتعايش والتعددية والتنوع في المنطقة التي كانت غنية بالتنوع الثقافي والفكري والمذهبي والتراث والآثار، عبر صناعتها ودعمها للفكر التكفيري والتكفيريين والكراهية للآخر، ومحاربة كل من يختلف معها في الدين (لأنه غير مسلم)، والمذهب (لأنه غير سلفي وهابي كالصوفية والشيعة)، والفكر (لأنه ليبرالي وغيره).
لقد كانت الأقاليم: الحجاز، الأحساء – المشرق - (البحرين القديمة: الأحساء والقطيف والبحرين)، وهو الساحل الشرقي للجزيرة العربية، عسير، نجران، جيزان، نجد، الشمال وغيرها، تتمتع بخصوصية في اللهجة واللباس والبناء والإعمار والثقافة والفلكور.
شعوب طيبة بعيدة عن التطرف والتشدد والتكفير والكراهية للأخر – طبعا قبل تأسيس دولة العائلة الحاكمة وسيطرتها على الأقاليم بالحديد والتكفير وإطلاق اسمها كعائلة على الوطن دون أخذ رأي شعوب الأقاليم في ذلك، وفرض فكرها التكفيري، فتم بذلك القضاء على التعددية والتنوع والتعايش، وهدم الآثار والتراث القديم ومنها الإسلامي، فهدمت ودمرت آثار الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته وصحابته، ولم تسلم المقابر والقباب من الاعتداء (آثار تم المحافظة عليها والاعتناء بها من قبل كل الحكومات التي سيطرت على المنطقة طوال مئات السنين وكلها إسلامية).
سرقة الحضارات السابقة
خلال عقود فقط من سيطرة العائلة الحاكمة في الرياض على البلاد الذي سمته باسمها بكل غرور وغطرسة قد تطاولت على آثار وتراث الحقب والحضارات السابقة ومنها الإسلامية وما قبل الإسلام، وسمت ذلك التاريخ الإنساني والعربي والإسلامي الذي يمتد لآلاف السنين باسمها كعائلة (سعودي)، بل الرسول الأعظم محمد (ص) الذي هو رسول رب العالمين لكافة العالم، والذي هو أعظم شرف للعرب، فقد قالت العائلة الحاكمة عنه بأنه منها يحمل جنسية عائلتها وكأنها هي الأصل يا للعجب!!.
ولكي تكرس السلطة قوتها وهيبتها وتهمش المواطنين فرضت حكاما على المناطق من أفراد العائلة الحاكمة، وكذلك رجال دين من مدرستها ومن يدور في فلكها، وكأن هذه الأقاليم عقيمة غير قادرة على إنجاب حكاما وقادة ورجال دين!.
وبسبب سياسة سلطة العائلة الحاكمة فقد تم القضاء على التنوع، وغدت الأقاليم والمناطق والمدن متشابهة نسخة واحدة في البناء والتخطيط والشكل واللباس حسب تفصيل ومزاج العائلة الحاكمة، بل حتى أسماء الأحياء والشوارع سميت باسماء العائلة الحاكمة، وتم تغيير الاسماء القديمة والتي لها مكانة عند أهالي المنطقة باسماء أفراد العائلة الحاكمة، مما يعد تعديا صارخا على التعايش والتعددية والتنوع.
سياسة السلطة بتبني الفكر الأحادي التكفيري ودعمها له ونشره في العالم، ورفضها للحرية والتعددية والديمقراطية .. يشكل خطرا كبيرا وتهديدا للتعايش السلمي في البلاد والمنطقة والعالم. فالعالم أصبح كالقرية الصغيرة ولابد أن ينعم البشر بالحرية والتعددية والتسامح واحترام حقوق الإنسان واحترام إرادة الشعوب عبر صناديق الانتخاب المباشر .. ليعم التعايش السلمي.
وللحديث بقية ...
بقلم : علي آل غراش
ارسال التعليق