التغيير

لطالما كانت هناك علاقات معقدة بين المملكة وأفغانستان. وتعود هذه العلاقات إلى القرن 19 عندما أصبحت أفغانستان أول دولة إسلامية تعترف بالدولة آل الثانية من 1824 إلى 1891. وفي عام 1930، اعترف "بن سعود" بحكم الملك "نادر شاه" في أفغانستان. كما وقع البلدان في عام 1932 أول اتفاقية صداقة بينهما. وفي عام 1950، تم الاحتفاء بزيارة الملك "ظاهر شاه" للمملكة على طابع بريد في المملكة.

وبقيت العلاقات وثيقة خلال العقود التالية، ولم يكن هذا عائد بالأساس للمصالح الجيوسياسية للمملكة في أفغانستان ذاتها، وإنما بكيفية تأثير البلاد على علاقات المملكة مع إيران وباكستان، في ظل كون الأولى منافسة رئيسية للمملكة، بينما الثانية حليفة رئيسية.

ويمثل الاحتلال السوفيتي لأفغانستان منذ عام 1979 قمة النفوذ لنظام آل سعود. وبالتنسيق مع باكستان والولايات المتحدة، أيد آل سعود المجاهدين وساعدوا أيضا العديد من اللاجئين الأفغان. وطوال الثمانينات، مارست المملكة نفوذا مباشرًا على مختلف الجماعات الإسلامية في أفغانستان وسافر العديد من المواطنين إلى هناك لمحاربة السوفييت.

وبعد انسحاب الاتحاد السوفيتي في عام 1989؛ وعلى مدى الحرب الأهلية اللاحقة في أفغانستان، واصل آل سعود دورهم في التلاعب بالسياسيين والفصائل الأفغانية نيابة عن الولايات المتحدة، وذلك باستخدام البترودولارات والنفوذ الديني.

ففي عام 1993، وقعت جميع فصائل المجاهدين الأفغانية اتفاقية سلام في مكة بالمملكة ، لكن ذلك فشل في وقف الصراع.

علاقات المملكة مع "طالبان"

بعد سيطرة "طالبان" على السلطة في أفغانستان في أغسطس/آب 2021، شجع بعض الخبراء المملكة على محاولة اللعب بورقة الدين مرة أخرى.

وفي يونيو/حزيران، وقّع علماء مسلمون من باكستان وأفغانستان و المملكة "إعلان السلام" في مكة، الذي وصفته الصحف المحلية بأنه "حدث تاريخي ومعلم على الطريق نحو المصالحة الشاملة في أفغانستان".

ولم يكن لهذه الخطوة على أي حال أي تأثير على محادثات السلام بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، حيث رفضتها "طالبان" باعتبارها محاولة لسرقة الأضواء الدبلوماسية من قطر باستخدام "علماء مرتزقة".

وبدأ نفوذ نظام آل سعود على "طالبان" بتمويل المدارس الدينية في باكستان والتي انطلقت منها الحركة، وهو ما انتهى فعليًا في عام 1996 عندما سيطرت "طالبان" للمرة الأولى على الحكم في أفغانستان.

وفي نهاية التسعينات، تم منع المواطنين رسميا من التبرع بالمال لأي جمعية خيرية غير معتمدة من الدولة، مما يعني وقف تمويل المملكة لـ"طالبان" إلى حد كبير، باستثناء عدد قليل من الأفراد الذين تصرفوا دون معرفة الحكومة.

وذكرت ورقة بحثية للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن في عام 2013 أن "جامعي التبرعات لطالبان يعتقد أنهم يستغلون الشبكات والآليات القديمة التي يرجع تاريخها إلى أوقات تعاون نظام آل سعود مع المجاهدين ومسؤولي طالبان".

وعندما حكمت "طالبان" أفغانستان في الماضي في الفترة من 1996 إلى 2001، كانت المملكة واحدة من 3 دول فقط تعترف رسميا بحكومتها.

ولم يكن ذلك بسبب تأييد المملكة لنظام "طالبان"، بل لأنهم كانوا يبحثون عن وسيلة لتسهيل المفاوضات التي كان يقودها رئيس المخابرات الأمير "تركي الفيصل" لإقناع "طالبان" بتسليم "أسامة بن لادن".

ورأى آل سعود أنه من خلال الاعتراف بحكومة "طالبان"، قد يتمكنون من ممارسة نفوذ مثلما فعلوا في الماضي مع الفصائل الأخرى وأمراء الحرب، لكن عندما سافر الأمير "تركي" إلى أفغانستان في عام 1998 مع وفد من الشخصيات الإسلامية، تم رفض طلبه من قبل الملا "محمد عمر".

نظرة المملكة لـ"طالبان"

يواجه "آل سعود" الآن لحظة حيرة بشأن أفغانستان، وأحد أهم أسباب ذلك أن العائلة المالكة تشبه الحكومة الأفغانية السابقة في اعتمادها على الولايات المتحدة للحماية من الأعداء الخارجيين والتهديدات الداخلية.

وفي تقرير لشركة "ويكي سترات" الاستشارية حول الآثار المترتبة على المملكة من سيطرة "طالبان" على الحكم، يقول "كوافت كريستيان أولريتشسن"، وهو زميل متخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر بجامعة رايس للسياسة العامة: "من المرجح أن تتصاعد الأسئلة في الرياض حول إخلاص وموثوقية الضمانات الأمنية الأمريكية، والتي كانت بالفعل موضع شك كبير منذ هجمات سبتمبر/أيلول 2019 على البنية التحتية للنفط".

ويضيف أن "التخلي المفاجئ عن الشركاء الأفغان، والذي أُعلن عنه ببرود في خطاب بايدن المتلفز، قد تردد صداه بقوة بين الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة والذين بدأت الشكوك تساورهم منذ تخلي أوباما عن الرئيس المصري حسني مبارك في عام 2011 لتستمر شكوكهم بشأن الدوافع الأمريكية بعد ذلك في عصر ترامب".

وأردف "نيل كويليام" محلل الشرق الأوسط في مؤسسة "تشاتام هاوس"، في نفس تقرير "ويكي سترات": "من المرجح أن تبدأ قيادة طالبان حملة لتحدي شرعية آل سعود وتدعو الشعب مباشرة لتحدي سلطة الأسرة الحاكمة".

ويضيف أن "طبيعة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أقلقت المملكة ، وأدى خطاب بايدن حول الانسحاب، حين أشار إلى أن البقاء في أفغانستان لم يعد يمثل مصلحة حيوية، إلى غضب في الرياض".

وقد تهاجم "طالبان" المملكة في حرب إعلامية، كما إن الجماعات الجهادية العابرة للحدود مثل "القاعدة" قد تهدد أيضا المملكة مرة أخرى انطلاقا من أفغانستان.

ولكن كما أوضح الخبير "سامي حمدي" في بودكاست "أراب دايجست"، فإن هناك أسبابًا قد تدفع الأمير "محمد بن سلمان" للاستفادة من الوضع في أفغانستان لإيجاد دور جديد لدى الولايات المتحدة.

ونقلت "رويترز" عن دبلوماسي أجنبي في الرياض قوله أن المملكة سوف تتخذ نهجا براجماتيًا، وأضاف: " نظام آل سعود لديهم علاقة تاريخية مع أفغانستان وسيتعين عليهم في نهاية المطاف قبول طالبان [مرة أخرى]، ليس لديهم خيار آخر".

وفي عام 2019، قال "جلال الدين شينواري"، نائب وزير العدل السابق لدى "طالبان"، لصحيفة "نيويورك تايمز": "ما نقوله للأمريكيين هو: لقد قبلتم المملكة ، ونحن لن نفعل أكثر من كودها الأساسي؛ القصاص عند القتل، وقطع اليد على السرقة. إذا قبلتم المملكة ، فلماذا لا تقبلون من مثلها".

أمريكا لن تنسحب من المملكة

يعد تطلع "طالبان" لعلاقة مع الولايات المتحدة مثل المملكة مجرد حلم، لأن هذه العلاقة مختلفة تماما عن أي روابط للولايات المتحدة مع أفغانستان.

ولن تنسحب الولايات المتحدة أبدا من المملكة بالطريقة التي انسحبت بها من أفغانستان، ليس فقط بسبب الهيدروكربونات (بالرغم أن الشرق الأوسط لا يزال يوفر حوالي 31% من إنتاج النفط العالمي و 16% من إمدادات الغاز الطبيعي العالمية).

كما إن هذا لا يعود بالأساس للتمحور الأمريكي حول أمن إسرائيل، رغم أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يرغبون بالتأكيد في ضمان ذلك ولديهم رغبة للعمل مع أي نظام عربي، لا سيما المملكة ، للاعتراف رسميا بإسرائيل وفق شروط الولايات المتحدة.

ولكن السبب الرئيسي الذي يجعل من الصعب على الولايات المتحدة الانسحاب من المملكة ، هو العواقب التي لا يمكن تصورها إذا خسرت المملكة سيطرتها على الحرمين الشريفين لصالح تنظيم "القاعدة" أو حركة جهادية أخرى، وهذا هو السبب الذي يجعل الدعم الأمريكي للمملكة صلبًا بالرغم من المخاوف على كلا الجانبين.