هل يشكل رمضان اختبارًا لسياسة آل سعود بمواجهة الوباء؟
التغيير
يشهد نحو ملياري مسلم شهر رمضان على نحو مختلف للغاية بفعل وباء فيروس كورونا، وتلعب مملكة آل سعود دوراً مركزياً في هذا التحوّل لكونها مهد أقدس موقعين إسلاميين: مكة والمدينة، ولأن الملوك السعوديين يعتبرون رعاية هذين الحرمين الشريفين من أولوياتهم الأساسية وجزءً حيوياً من شرعيتهم.
اتخذت حكومة آل سعود إجراءات جريئة لمكافحة تفشي فيروس كورونا. فقد أغلقت بالتدريج مكة والمدينة اللتين ما زالتا قيد الحجر الصحي وحظر التجوال على مدى 24 ساعة حتى الآن، وعزلت منطقة القطيف، الشيعية في غالبيتها. كما أغلقت المساجد وعلّقت البرامج التعليمية الدينية وخُطب الجمعة في عموم أرجاء المملكة.
بيد أن هذه القرارات لم تنبع فقط من باب الحرص على الصحة العامة والمقاصد الدينية، إذ لا يمكن فهم سياسات آل سعود خارج إطار لحظتها التأسيسية، ورؤاها المستقبلية، والتنافس الجيو-سياسي مع إيران. كما أن محصلات هذه القرارات ستكون لها مضاعفات مهمة على مآل قيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
استرجاع ماضي الوباء
قبل أكثر من مئة سنة تقريباً كانت سلطنة نجد، سلف نظام آل سعود الحالي، تُجابه أولى أزماتها: الإنفلونزا الإسبانية في في فترة 1918-1919. حينها، فقدت الرياض حوالي 10 في المئة من سكانها، الذين كان يبلغ عددهم 19 ألف نسمة.
بيد أن الحرمين الشريفين لم يصبحا تحت ولاية آل سعود حتى 1924-1925، وذلك حين تبدّى الأداء الضعيف للحكام الهاشميين في حماية الناس والأماكن المقدسة خلال تفشّي الوباء.
آنذاك، لم يكن لدى الحاكم ابن سعود أي مانع ديني حين طلب المساعدة من مستشفى إرسالية مسيحية. وقد هرع الدكتور بول أرمردينغ رئيس مستشفى البعثة الأميركية في البحرين، وزميله الأميركي الدكتور بول هاريسون بسرعة إلى الرياض للمساعدة على احتواء الوباء.
ورغم الجهود التي بذلاها الطبيبان، فَقَدَ ابن سعود ابنه البكر وولي العهد الأمير تركي بن عبد العزيز وإحدى زوجاته المفضلات وابنة عمه الجوهرة بنت مساعد بن جلوي، أم الملك خالد.
الوباء فرض دروسه: أُطلب المساعدة بسرعة من أي كان يستطيع توفيرها، وإلا ستخاطر بخسارة أفراد من العائلة (وربما ولاة العهد) أو، وهنا الأسوأ، ستخسر الشرعية والسلطة، وهو المصير الذي حاق بالهاشميين الذين سقط حكمهم في الحجاز بعد تفشي الوباء.
وكما استعان ابن سعود بخبرة غير إسلامية وغير عربية لاحتواء الإنفلونزا الإسبانية، يفعل ابنه الخامس والعشرين، الملك سلمان، الأمر نفسه، ليس فقط لاحتواء الوباء بل أيضاً لإرساء مداميك الحكم وتطوير المملكة.
تطلعات مستقبلية
عمدت المملكة، كجزء من برنامج رؤية 2030 الإصلاحي، إلى زيادة انفتاحها على العالم لتعزيز اقتصادها وتغيير سمعتها الدينية المحافظة. شطر من هذا التحوّل يستند إلى السياحة الدينية. ففي سبيل الاعتماد على موارد غير النفط، أرخى ولي العهد القيود على تأشيرات الدخول، آملاً بزيادة عدد السياح الدينيين إلى 25 مليوناً بحلول العام 2025 (كان العدد 17.5 مليوناً في العام 2015).
بيد أن تحويل مكة والمدينة إلى وجهات سياحية مع توفير قطاع ضيافة مناسب، يفرض تحديات كبرى. وجاء فيروس كورونا، وما سيستتبعه من تأثيرات اقتصادية، ليزيد تعقيدات إضافية لهذه التحديات.
التحديات المُحدقة
استفادت حكومة آل سعود من نفوذ الحكومة الكبير في مؤسسات دينية كهيئة كبار العلماء التي يترأسها مفتي آل سعود، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ووزارة الحج والعمرة، ورابطة العالم الإسلامي التي تموّلها مملكة آل سعود، والشرطة الدينية (المعروفة بـ "الهيئة").
وقد حظيت القرارات السريعة التي اتّخذتها الدولة لمواجهة تفشّي وباء كورونا في الغالب بترحيب المواطنين ووسائل الإعلام في آن، وعزّزت سلطة ملك نظام آل سعود وولي العهد.
لكن الاستمرار في إغلاق المساجد خلال رمضان واحتمال إلغاء موسم الحج المتوقع في تموز/يوليو – وهذه ستكون أول مرة التي يحدث فيها ذلك منذ انتشار الطاعون الدبلي في العام 1814 - قد يشكّلان امتحاناً لمدى القبول الذي تحظى به السياسة العامة للدولة من قِبل عامة المواطنين من جهة، والمؤسسات الدينية في المملكة من جهة أخرى.
إن تحقيق التوازن بين الصحة العامة، وممارسة الفرائض الدينية، والطموحات الاقتصادية ليس مهمةً سهلة إطلاقاً، ولا شك أن الخطوات التي ستتخذها مملكة آل سعود في المُقبل من الأشهر ستكون محط الأنظار.
ارسال التعليق