هل يقضي تطبيع تل أبيب على تفاهم #السعودية الوليد مع #إيران
بقلم: حسن الطالب...
مع تزايد الحديث عن قرب التطبيع السعودي-الاسرائيلي، وحسابات الربح والخسارة المتوقعة. أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، الاثنين الماضي، أن تطبيع "السعودية علاقاتها مع إسرائيل لن يعود بالنفع على الشعب الفلسطيني وقضيته، ولا على السلام والاستقرار والأمن في المنطقة"، مؤكداً أن الكيان الإسرائيلي يتابع، من خلال التطبيع، "استراتيجيته الأمنية الرامية إلى زعزعة الاستقرار".
وجاءت تصريحات كنعاني في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، رداً عل سؤال بشأن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، بشأن احتمال التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين "إسرائيل" و"السعودية"، وتأثير هذا التطبيع على العلاقات الإيرانية السعودية.
وفي السياق، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إن "تعزيز وتثبيت موقع الكيان الصهيوني الغاصب في المنطقة، لطالما شكّلا الأولوية الأولى والمهمة للغاية للإدارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية"، مضيفاً أن الإدارة الأميركية نجحت، خلال السنوات الأخيرة، "من خلال وعود وتهديدات، بتطبيع العلاقات بين هذا الكيان وعدد من الدول العربية والإسلامية، لكن ما شهدناه على أرض الواقع هو استمرار الكيان الصهيوني بجرائمه ضد الشعب الفلسطيني، وتجاهل حقوقه بحرية أكثر".
إلى ذلك، يبدو أن إقامة الجهاز الدبلوماسي السعودي في الفندق ستتحول إلى دائمة، مع تعنّت النظام السعودي واعتباره السفارة السعودية موقعا غير آمن، بعد أن تم تسلق جدارها عام 2016، قبل القيام بحرقها، الحادثة التي قال مسؤولون ايرانيون أن 4 أشخاص تلقوا أوامر مباشرة من سلطات الرياض نفذوا عملية الحرق بترتيب مسبق، ما يكثف حالة الغموض التي تكتنف مسار العلاقات بين الطرفين سيما مع بروز أزمة حقل الدرة/آرش.
خلافات حول حقل الدرة:
في الأصل، يعود النزاع حول حقل آرش/الدرة إلى ستينيات القرن الماضي، عندها منحت كل من إيران والكويت امتيازاً بحرياً، أحدهما لشركة النفط الإنكليزية الإيرانية السابقة لشركة "بريتيش بتروليوم"، والآخر لشركة "شل" الهولندية المَلَكية. وتداخل الامتيازان في الجزء الشمالي من الحقل، الذي تقدر احتياطياته القابلة للاستخراج بنحو 220 مليار متر مكعب (سبعة تريليونات قدم مكعب).
تفاوضت إيران والكويت على مدى سنوات حول ترسيم الحدود البحرية وكيفية تقسيم هذا الحقل، لكن ذلك لم يحقق نتائج. وبعد سنوات من المفاوضات، أرسلت إيران في عام 2001 معدات التنقيب البحري إلى هذه المنطقة بهدف تحفيز وتشجيع الكويت والسعودية على التوصل إلى اتفاق حول الاستخراج المشترك، لكنها انسحبت بسبب معارضة الكويت.
التفاوض بين الكويت والسعودية حول هذا الحقل المشترك الذي يقع في المنطقة المحايدة بين البلدين، ليس بجدية تفاوضهما مع إيران. وبعد سنوات من المفاوضات منذ مطلع الألفية، توصلت الرياض والكويت أخيراً في عام 2022 إلى اتفاق حول العملية المشتركة في هذا الحقل، وذلك على الرغم من توقف المحادثات مرة واحدة في عام 2013. واحتج المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بشدة على الاتفاق الثنائي الذي حصل من دون وجود إيران ووصفه بـ"غير القانوني".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده إن "الخطوة الأخيرة المتخذة من قِبل الكويت والسعودية في إطار وثيقة تعاون تتعارض مع ما تم التفاوض عليه سابقاً، وهي غير قانونية".
تصاعد النزاع مجدداً حول حقل آرش/الدرة في أواخر حزيران/يونيو 2023. وخلال مؤتمر صحافي، أعلن رئيس شركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن خوجاستهمهر، أن إيران على استعداد تام لبدء التنقيب في حقل الغاز المشترك في آرش/الدرة، وقد بحثت في توفير موارد مالية كبيرة لتنفيذ خطة التطوير.
وقبل ذلك، أشار إلى تطوير حقول النفط والغاز المشتركة كواحدة من أولويات شركة النفط الوطنية الإيرانية وأعلن الانتهاء من الدراسات الأولية والمسح الزلزالي لحقل آرش/الدرة.
بعد هذا الخبر، رفض وزير النفط الكويتي سعد البراك مطالبة إيران في حقل غاز آرش/الدرة واعتبرها مخالفة للمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية. كما طلب من إيران بدء مفاوضات حول ترسيم حدودها البحرية. وقال مصدر مقرّب من وزارة الخارجية الكويتية إن "المنطقة البحرية التي يقع فيها حقل الدرة البحري هي جزء من المنطقة البحرية لدولة الكويت، والموارد الطبيعية فيها مشتركة بين الكويت والسعودية".
وبعد يوم واحد، في 5 تموز/يوليو، أكّدت السعودية مطلب الكويت ودعت إيران إلى ترسيم حدودها البحرية. حقل آرش/الدرة مملوك بشكل مشترك من "المملكة العربية السعودية ودولة الكويت فقط، ولهما وحدهما حقوق سيادية كاملة لاستثمار الثروة في تلك المنطقة".
وبشأن الخلافات مع الكويت، حول حقل "الدرة" أو "آرش" حسب التسمية الإيرانية، قال كنعاني إن بلاده تدعم "الحل الودي للقضايا الحدودية والبحرية مع الجيران، وتتمسك بالحوار لتحقيق ذلك"، مؤكداً أن هذا الحقل مشترك مع الكويت، و"نريد استخدامه بشكل مشترك".
وأضاف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: "أعلنّا استعدادنا للحوار بشأن حقل آرش، لكن إذا لم تكن هناك رغبة في استخدامه المشترك، فمن الطبيعي أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستقوم بتأمين حقوقها، ومصالحها، والاستخراج، والتنقيب من هذه الموارد".
وشدد كنعاني على أن طهران "لن تتحمل أي تضييع لحقوق الشعب الإيراني، والحكومة ملزمة بالدفاع عن مصالحه"، معرباً عن أمله في أن يتم حلّ الخلافات مع الكويت بشأن حقل آرش عبر الحوار وحسن الجوار.
وأمس الخميس، جدَّدت "السعودية" والكويت، التأكيد على مِلكيتهما المشتركة للثروات الطبيعية في حقل الدرَّة.
وأعلنت الخارجية الكويتية، في بيان، أنَّ "الكويت والسعودية تُجددان التأكيد على أنَّ مِلكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة، بما فيها حقل الدرَّة بكامله، هي مِلكية مشتركة بين الكويت والسعودية". وفي هذه الخطوة تصعيد جديد في ملف الحقل النفطي.
انعكاسات التطبيع على التفاهم الوليد:
إزاء ما ورد، يبدو أن ابن سلمان نجح في تخطي الجميع والحصول على مكتسبات شخصية ولنظامه على المستوى الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي تمكن من تثبيط أي محاولة من داخل الأسرة لإطاحته بعد أن أجرى، وعلى مراحل، عملية مسح لكل منافسيه وضاعف من جرعات العنف بوجه المعارضة، رافعا منسوب الخوف من جهة، ومُلهيا الجيل الشاب بمزاعم الانفتاح وحفلات الترفيه وغيرها من المظاهر التي لا تتوافق مع الإسلام والمجتمع في الجزيرة العربية.
أما خارجيا، فقد أمسك ابن سلمان بكافة الخيوط، فبعد أن ضمن الهدوء النسبي مع إيران، ورعى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، انطلق في توطيد علاقات بلاده مع الإقليم المجاور وكذا الدول الاقتصادية الكبرى كالصين وروسيا، دون أن يقطع مع أميركا. الأخيرة التي عرف كيف يبتزها ويحقق الأرباح.
واليوم، ومع عودة الحديث عن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، بعد فترة وجيزة من مسرحية بيانات الاستنكار والشجب لأعمال القمع والقتل الصهيوني بحق أبناء فلسطين، يظهر جليا أننا أمام فترة مفصلية بين اللعب من تحت الطاولة إلى اللعب على المكشوف. وعندئذ لا بد من طرح سؤال محوري، كيف ستتعاطى إيران مع هذا المتغيّر المستجد؟ وهل سنكون أمام انتكاسة سريعة جدا للتفاهم؟
في محاولة تقديم إجابة منطقية للسؤال، لا بدّ من التأكيد على أن طهران وفي معرض إقدامها على التوقيع فهي مدركة تماما لطبيعة العلاقات التي تجمع الرياض بـ "تل أبيب"، وكذا احتمالية مضي ابن سلمان بإعلان التطبيع رسميا. فمن لم يأمن واشنطن يوما في الاتفاق النووي، لن يأمن محمد بن سلمان. وبالتالي، إن مسألة فسخ التفاهم بمجرد الإعلان لن تكون واردة، بل القرار سيرتبط بمديات التطبيع وتأثيراته وحجم المخاطر التي ستهدد إيران هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، آليات التجاوب السعودي وعجلة التنسيق والتعاون بين البلدين سيحكم.
وبما يرتبط بالنقطة الأخيرة، يتضح وجود حالة من البرود بين الجانبين تعززها الخلافات حول حقل درة، وملف التطبيع الآن، وما يلازمه من دور أميركي مسهل وداعم.
يذكر أن التطبيع بين الكيانين جارٍ بكافة أشكاله السياسية، الاقتصادية، الأمنية، العكسرية، الجوية، الثقافية، الفنية، الرياضية، الدينية والإعلامية. وفي آخر ما نشر، اتفاق شركتا "سولار إيدج تكنولوجيز" الإسرائيلية و"عجلان وإخوانه القابضة" السعودية، على مشروع مشترك لنشر الطاقة المتجدّدة في "السعودية"، بعد يومٍ واحد من المحادثات التي دارات بين وزير خارجية الاحتلال، إيلي كوهين، والمبعوث الأميركي الخاص، دان شابيرو، حول تعزيز العلاقات الإسرائيلية ودول الشرق الأوسط.
ووفقاً لبيانٍ صادرٍ عن "سولار إيدج تكنولوجيز"، الاثنين 31/07/2023، ستقدّم الشركة حديثة العهد خدمات توليد الطاقة وتخزينها وإدارتها للشركات السعودية.
ارسال التعليق