هل يمكن أن ينتهى تحالف الأمن مقابل النفط بين أمريكا والسعودية
بقلم: علي الصالحمحمد بن سلمان بعدما خذله الأشقاء وتخلى عنه الحلفاء، يتخبط في البحث عن الجهة التي تخرجه من المآزق التي حشر نفسه فيها، عن قلة خبرة وتجربة وطموحات عالية، وتضمن له البقاء في الحكم وتحافظ على عرشه، وسط الأخطاء بل لنقل الخطايا التي ارتكبها منذ اغتصاب ولاية العهد من ابن عمه محمد بن نايف، في يونيو 2017، وما تلاها من اعتقالات حاول من خلالها إبعاد نفسه عن شبهات الفساد، رغم شرائه يختا بحوالي نصف مليار دولار ولوحة فنية بالمبلغ ذاته تقريبا.
وشملت الاعتقالات من باب التذكير فقط، عددا من الوزراء ورجال الأعمال و11 أميرا من الأمراء الذين كان يمكن أن يشكلوا ولو من بعيد، خطرا عليه بعد خطواته الانقلابية هذا أولا. وثانيا كانت غايته أيضا تجريد هؤلاء من عشرات، إن لم يكن مئات مليارات الدولارات، لتمويل حربه العبثية الفاشلة ومغامرته الخاسرة ضد الشعب اليمني، منذ اللحظة التي انطلقت فيها. هذه الحرب المجرمة التي لا يزال الشعب اليمني، وبعد مرور اكثر من4 سنوات عليها، يدفع ثمنها بأرواح أطفاله ونسائه ومسنيه، وعلى حساب تدمير بناه التحتية وتاريخه.
ولو كان هناك من قارئ للتاريخ الحديث، ممن يدعون أنهم مستشارون لابن سلمان، لمنعه من التورط في مغامرة الحرب، خاصة ضد اليمن واليمنيين، فقد كان غيره أشطر منه وأكثر قوة شعبية وعسكريا، ونحن نتحدث عن الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر، ورغم ذلك فشل في الحرب على اليمن في ستينيات القرن الماضي، واضطر للانسحاب يجر أذيال الفشل، بعد فقدان عشرات آلاف القتلى من الجيش المصري، وإرهاق الميزانية المصرية بعشرات ملايين الدولارات، عندما كان للمليون معنى وقيمة. فتارة تُسرب معلومات عن تعزيز بن سلمان علاقاته بدولة الاحتلال لبسط سيطرته على المنطقة، وتارة أخرى تسرب معلومات عن رغبته بوقف الحرب التي أرهقت الميزانية السعودية، وكلفتها خسائر سياسية وعسكرية وبشرية كبيرة، كان آخرها الهجوم الذين شنه الحوثيون داخل الأراضي السعودية، فقتلوا وجرحوا وأسروا من الجند السعوديين أو لنقل من جيش المرتزقة الآلاف. جاء هذا الهجوم بعد أيام فقط من القصف الصاروخي الباليستي لمنشآت ارامكو النفطية في الظهران، الذي تسبب بخسائر مادية كبيرة ونفسية، وأثار الرعب في نفوس السعوديين، الذين اعتقدوا خطأ أن أرامكو والمنشآت النفطية الأخرى بمعزل عن أي خطر بالحماية الامريكية. وزاد وضاعف من مخاوف السعوديين، رد الفعل الواهي والضعيف للحلفاء تتقدمهم الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب وكذلك الحليف الجديد بنيامين نتنياهو.
وضاع نفط أرامكو في رمال الصحراء، اذ لم يحدد بعد المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ، إن كانت من مناطق الحوثيين في اليمن أو غرب العراق، الذي تسيطر عليه مليشيات شيعية أو ايران نفسها. ورغم أن ترامب ووزير خارجيته بومبيو مقتنعان بأن الصواريخ أطلقت من الاراضي الإيرانية، إلا أن أي اجراء لم يتخذ ضد النظام في طهران، كما كان يأمل السعوديون وخاب ظنهم، وليست هذه هي المرة الاولى ولن تكون الاخيرة التي تخيب فيه ظنونهم. وهذه المعلومات تعطي نوعا من المصداقية لتقارير صحافية تتحدث عن رغبة سعودية في التوصل إلى تفاهم مع إيران، للخروج من أزمة اليمن اولا، ويبدو أن بن سلمان توصل لقناعة مفادها أن ضرب إيران والحاق الهزيمة بها لم يعد واردا في السياسة الأمريكية.
ويعكس ذلك ما قاله المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي، إن الرئيس الإيراني تسلم رسالة من السعودية عبر وسطاء للحوار، مشددا على أن ذلك ممكن إذا غيرت السعودية سلوكها، وأوقفت حرب اليمن. وكان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان قد أعلن، أن بن سلمان طلب منه الاضطلاع بدور الوساطة مع إيران. وما يعطي ذلك نوعا من المصداقية أيضا، ما تناقلته تقارير إعلامية أخرى حول ضوء أخضر اعطته السعودية لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، لترتيب لقاء مع إيران، كخطوة أولى باتجاه خفض التوترات في المنطقة. ونقلت التقارير عن المسؤول في مكتب عبد المهدي، عباس الحسناوي قوله، إن رئيس الوزراء العراقي يتوسط بين الرياض وطهران، وينقل شروطهما للبدء في المفاوضات. وأكّد أن عبد المهدي يلعب دور الوسيط، لخفض التوترات منذ هجوم «أرامكو». قائلاً: «ليس من السهل جمع طرفيْن متنازعيْن على مستوى الأيديولوجية والطائفة والتحالفات في المنطقة»، مضيفاً أن عبد المهدي دعا إلى لقاء سعودي- إيراني بإشراف ووساطة الحكومة العراقية. وتابع «أعطى السعوديون الضوء الأخضر على هذا المستوى، ويعمل الرئيس عبد المهدي على ذلك»، لافتاً إلى أن المسؤولين السعوديين، بمن فيهم بن سلمان، «هدّأ خطابه» في الأيام الأخيرة؛ علماً بأنّ عبد المهدي أجرى الأسبوع الفائت محادثات في جدة مع بن سلمان.
وتأتي هذه التطورات ربما بعدما توصل بن سلمان إلى قناعة بأنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على واشنطن ونأمل ذلك. وجاءت التطورات الاخيرة بعدما كشفت تقارير إعلامية أمريكية قبل أيام عن لقاء بين بن سلمان ونتنياهو قبل بضعة أشهر. وحسب تلفزيون «PBS» الأمريكي، فإن اللقاء جاء في إطار وعود بن سلمان لترامب باعتراف المملكة بإسرائيل، لتعزيز التطبيع الخليجي معها. ونقلت صحيفة «غلوبز» عن دبلوماسي سعودي قوله، إن تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية مسألة وقت فقط، مقرًّا بذلك بوجود علاقات سريّة بين البلدين. وترسخت فكرة التقارب السعودي الاسرائيلي، قبيل اغتصاب بن سلمان لولاية العرش في 2017. وحسب ما جاء في برنامج فرونتلاين الوثائقي لشبكة «PBS» فقد تعهّد بن سلمان الذي كان يتقد حماسا في حينه وعلى عجلة من أمره، لترامب خلال زيارته الخارجية الأولى بعد توليه الحكم، إلى الرياض في مايو 2017، بالاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات التجارية معها، وقال معد البرنامج إن ما أراده بن سلمان، الذي كان حينها وليًا لوليّ العهد، من ترامب مساعدته في الحاق الهزيمة بإيران ودعم طموحاته، لأن يصبح اللاعب الرئيس في الشرق الأوسط.
وفي مقابل ذلك، تعهّد بن سلمان بمساعدة ترامب وصهره جاريد كوشنر، في حلّ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ونقل البرنامج عن محلّل الشؤون العسكريّة في «واشنطن بوست»، دافيد إغناطوس، قوله «إني (بن سلمان) أرى شرق أوسط تشكل إسرائيل جزءًا منه، أنا جاهز للاعتراف بها، وأن تكون لنا علاقات تجاريّة معها». وأضاف أن طرح بن سلمان «أغرى الإدارة الأمريكيّة وأصبح محور خطّة (صفقة القرن) التي لا يكفّ كوشنر عن الدفع بها». وشهدت العلاقات الإسرائيلية ـ السعوديّة حسب صحيفة «غلوبس» تقاربا كبيرا منذ صعود بن سلمان للحكم، وسط أنباء عن عقد لقاء على متن يخت في البحر الأحمر، ضمّ بن سلمان ونتنياهو، ومسؤولين خليجيّين،واخيرا اكتشفت بعض دول الخليج وجود اليهود في العالم، وضرورة التواصل معهم ليس، لا سمح الله، من اجل كسب ود اسرائيل والتطبيع معها، بل من أجل التسامح الديني، فوزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد يهنئ الشعب اليهودي باللغة العبرية برأس السنة، بينما هنأت السفيرة السعودية اليهود الأمريكيين برأس السنة بالعبرية، وتمنت لهم «شانا توفا» (سنة سعيدة). ومن قبلهم احتفلت دولة البحرين المتقدمة بمواقفها من اسرائيل في العام الماضي، برأس السنة العبرية في احتفال في المنامة وتراقص على أنغام النشيد الوطني الإسرائيلي مسؤولون بحرينيون ومسؤولون صهاينة.
ونختتم بأمل في أن تكون الأخبار المسربة ذات مصداقية، وأن السعوديين وصلوا فعلا إلى قناعة بان من يتغطى بـ»اللحاف الأمريكي/ الاسرائيلي عريان أو بردان». ويزيد من هذا الامل ما قاله جون برادلي، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مقال نشرته مجلة «سبكتاتور» البريطانية «إننا نشهد اليوم تحولا جيوسياسيا جديدا في الشرق الأوسط». مضيفا أن تحالف الأمن مقابل النفط الذي عقده الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت في أربعينيات القرن الماضي على متن المدمرة الأمريكية مع الملك عبد العزيز آل سعود انتهى الآن، مستشهدا برد الفعل الأمريكي الخائب على الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، رغم وصف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للهجوم «بعمل حربي».
________________________كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
ارسال التعليق