واشنطن تحت وطأة الضغوط لمعاقبة ابن سلمان
تتأرجح العاصمة الأمريكية واشنطن على وطأة دعوات متزايدة لضرورة فرض عقوبات على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على خلفية مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي من ناحية، وبين تردد إدارة الرئيس دونالد ترامب من الإقدام على هذه الخطوة من ناحية أخرى.
وكان ترامب قد أعلن الأربعاء الماضي أنه سيبلور موقفًا قويًا خلال الأيام المقبلة، إلا أن تصريحات مستشاره للأمن القومي جون بولتون الثلاثاء -والتي ذكر فيها أن “التسجيلات لا تتضمن أي علاقة للقيادة السعودية بحادثة خاشقجي”- دعت البعض للاعتقاد بوجود رغبة داخل البيت الأبيض للتستر على المسؤولين الفعليين وتبرئة ساحة ولي العهد السعودي خاصة عقب نشر صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا ربطت فيه بين محمد بن سلمان وكبار معاونيه بعملية القتل التي جرت داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية.
ونقلت الجزيرة نت عن مراقبين قولهم إن الحكومة الأمريكية تمتلك عدة بدائل حال اتخاذها قرارًا بفرض عقوبات على ولي العهد السعودي وكبار معاونيه ويحوز الرئيس ترامب الصلاحيات الأكبر بهذا الموضوع، إلا أنه ليس الجهة الوحيدة المتاح لها فرض عقوبات، ويستطيع الكونغرس من جانبه المبادرة بفرض عقوبات متنوعة.
وقال مصدر للجزيرة نت إن هذه العقوبات تهدف حال إقرارها إلى الضغط بالأساس على الملك سلمان بن عبد العزيز لتغيير ولي عهده، وهو ما يضمن ألا تتأثر العلاقات الثنائية الإستراتيجية بين واشنطن والرياض.
ويُعتقد على مدى واسع في واشنطن أن رسائل أمريكية قد وصلت الرياض تركز على ضرورة تغيير ولي العهد حال تراكم القرائن التي لا تدع مجالا للشك في دور لمحمد بن سلمان بعملية قتل خاشقجي، أما كيفية رد الرياض على الرسائل الأمريكية فهو ما ستكشف عنه تطورات الأيام والأسابيع القادمة.
وقالت الجزيرة نت إن أول بدائل العقوبات تتمثل في تفعيل “قانون ماجنيتسكي” وقد أشار مستشار الخارجية ديفيد هيل قبل أيام إلى أن بلاده تقيّم إمكانية فرض عقوبات في إطار هذا القانون. ويعتقد ستيفن روجرز، وهو عضو بمجلس المستشارين بحملة ترامب الرئاسية، أن الرئيس يمكنه الذهاب إلى أي مدى يختاره في هذه الحالة خاصة أن العقوبات -وفقا لهذا القانون- تطبق على الأشخاص لا الدول.
وعلى سبيل المثال يمكن أن يتم فرض حظر على سفر شخص أو أشخاص إلى الولايات المتحدة، إضافة لتجميد الأصول المادية حال توافرها داخل البلاد.
وقالت الجزيرة نت إنه إذا توفرت رغبة داخل البيت الأبيض، يتيح القانون للرئيس سلطة تقديرية لا تشترط توافر أدلة مادية دامغة مباشرة على تورط ولي العهد في عملية القتل كي يسمي الأشخاص الذين ستطالهم العقوبات ويمكن أن تشمل اسم ولي العهد السعودي.
وبالفعل قدم 22 من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي رسالة للرئيس ترامب الشهر الماضي يطالبونه فيها بفتح تحقيق في اختفاء الصحفي السعودي بموجب قانون ماجنيتسكي. ويلزم هذا القانون الرئيس بإصدار تقرير خلال 120 يومًا من الرسالة.
وبدوره يمتلك الكونغرس -بدائل عدة تمثل في مجملها وسائل ضغط على البيت الأبيض لاتخاذ مواقف أكثر صرامة.
فبإمكان الكونجرس استدعاء جينا هاسبل رئيسة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) لتطلع لجان الاستخبارات ولجان العلاقات الخارجية بمجلسي الشيوخ والنواب على شهادتها عن تفاصيل ما استمتعت إليه خلال زياراتها لإسطنبول الشهر الماضي.
ويمكن لأعضاء تلك اللجان توجيه أسئلة لهاسبل عن تقديرها وأجهزة الاستخبارات عن دور محمد بن سلمان، وطبيعة صنع القرار داخل بيت الحكم السعودي وكيفية تنفيذ مثل هذه العملية ومحاولات التستر عليها ودحض الأدلة دون علم ولي العهد.
وتقضي القوانين الأمريكية بأن تُقسم المسؤولة على إبلاغ الكونجرس بالحقيقة كما تعلمها. وجدير بالذكر أن تقديرات كل من جون برينان ومايكل مورييل، وهما من رؤساء “سي آي أي” السابقين، تذهب إلى استحالة القيام بمثل هذه العملية دون معرفة وموافقة ولي العهد السعودي.
ويملك الكونجرس كذلك آلية يمكن من خلالها رفض أي عقود جديدة لتصدير السلاح للسعودية، ورفض تقديم أي دعم عسكري لحربها في اليمن. وهناك اتجاه واسع يحظى بدعم أعداد متزايدة من أعضاء الكونجرس من كلا الحزبين لحظر تصدير السلاح إلى أن يتم تقديم المسؤولين الضالعين في عملية قتل خاشقجي للعدالة.
كما أن عائلة خاشقجي خاصة أولاده الذين يتمتعون بالجنسية الأمريكية، يستطيعون رفع قضايا أمام محاكم أمريكية، وتحدث خبير قانوني للجزيرة نت قائلاً “بعد الاعتراف السعودي الرسمي بالمسؤولية عن قتل خاشقجي والتخطيط لذلك، سيكون من السهولة لعائلته رفض قضايا هنا والحصول على ملايين الدولارات من الأرصدة السعودية بالولايات المتحدة إذا أرادوا السير بهذه الطريق”.
ويعتقد الخبير القانوني أنه يمكن كذلك أن تعتبر عملية تصفية الصحفي إرهاب دولة، وهو ما يمكن أن يخضع حكومة الرياض حينذاك تحت طائلة قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف اختصارا باسم “جاستا” الذي مرره الكونجرس بأغلبية كبيرة قبل ثلاثة أعوام، ويتيح مقاضاة حكومات أجنبية حال ثبوت ضلوعها في دعم أو تنفيذ أعمال إرهابية.
ارسال التعليق