واشنطن والرياض.. محاولات لحفظ ماء الوجه في اليمن
بين الحين والآخر، وكلما اشتدت المواجهات والانتقادات، وأضافت أفق الحلول، وأحرقت أوراق الضغط، حاولت أمريكا كعادتها نفض يدها من مسؤولياتها المتعلقة ببعض الأزمات في الشرق الأوسط، فمثلما حاولت قبل أيام إلصاق تهمة فشلها في سوريا للإدارة السابقة التي تزعمها الرئيس السابق، باراك أوباما، تحاول هذه المرة إلصاق تهمة الفشل في اليمن إلى المملكة السعودية، وكأنها لم تكن الحليف الأول والداعم الرئيسي سياسيًّا وعسكريًّا للمملكة في هذه الحرب الغاشمة على الشعب اليمني.
لهجة أمريكية حادة
بلهجة جديدة ونبرة مرتفعة غير مسبوقة منذ أن طبخ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مع ولي العهد السعودي، والمتحكم الفعلي في شؤون المملكة، محمد بن سلمان، مؤامراتهما لإسقاط الدول العربية وعلى رأسها اليمن، توجه وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تليرسون، بانتقادات قاسية علنية للمملكة السعودية، مستغلاًّ وجوده في باريس، على هامش محادثات مع نظيره الفرنسي، جان إيف لودريان، حيث حث وزير الخارجية الأمريكي السعودية على إمعان النظر في سياستها الإقليمية، مع تنامي القلق بخصوص انخراط السعودية في اليمن وسياستها مع لبنان وقطر، قال: أعتقد أنه في ضوء اشتباك السعودية مع قطر، وكيفية تعاملها مع الحرب في اليمن المنخرطة فيها، والوضع في لبنان، فنحن نشجعها على أن تكون أكثر حرصًا، وأن تتخذ قراراتها بصورة مدروسة أكبر، وعلى أن تمعن النظر أكثر في هذه الإجراءات، وأن تأخذ في الاعتبار كل العواقب.
في ذات الإطار جدد “تيلرسون” الدعوة، التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية الأسبوع الماضي، بإنهاء الحصار على اليمن تمامًا وفورًا، وإعادة فتح كافة موانئه، وشدد تيلرسون على أن فتح الموانئ اليمنية يجب أن يطبق ليس فقط على المساعدات الإنسانية، بل أيضًا على الواردات التجارية، إذ إن 80 في المائة من المواد الغذائية تصل في شحنات تجارية، وطالب السعودية بالسماح بدخولها.
انتقادات سابقة
الانتقادات الأمريكية المفاجئة سبقتها اتصالات جرت بين الجانبين الأمريكي والسعودي، كشف عنها مسؤولون أمريكيون في الأيام الماضية، تتعلق بالأزمات المستعصية الثلاث المحيطة بالمملكة، حيث أجرى تيلرسون اتصالًا بأحد المسؤولين السعوديين، لم يُذكر اسمه، استغرق 45 دقيقة، طلب فيه من الرياض تخفيف حصارها على اليمن، وهو ما تلاه بعد يومين دعوة علنية من الرئيس “دونالد ترامب” للسماح بدخول الاحتياجات الأساسية إلى اليمن على الفور؛ ما دفع الرياض إلى المسارعة باستصدار بيان عن التحالف العربي الذي تقوده في اليمن، أعلنت فيه سماحها بدخول المساعدات عبر ميناء الحديدة، وفتح مطار صنعاء أمام طائرات الأمم المتحدة.
هذه الخطوة السعودية، التي سمحت من خلالها بدخول المساعدات إلى اليمن، جاءت بعد تحذيرات من الإدارة الأمريكية للمملكة، حيث قال مسؤول أمريكي كبير لوكالة رويترز، مساء أمس الجمعة: إن الولايات المتحدة حذرت السعودية من أن الغضب في الكونجرس بسبب الوضع الإنساني في اليمن قد يحد من المساعدات الأمريكية، مع حث الرياض على السماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كبير، وأضاف المسؤول: نريد أن نكون واضحين جدًّا مع المسؤولين السعوديين بأن المناخ السياسي هنا قد يفرض علينا قيودًا إذا لم تُتخذ خطوات لتخفيف الأوضاع الإنسانية في اليمن”، وتابع: على الرغم من أننا لمسنا تقدمًا، لكن لم نرَه كافيًا، نريد أن نرى المزيد في الأسابيع المقبلة.
محاولة لحفظ ماء الوجه
ربط العديد من المراقبين بين الانتقادات الأمريكية الأخيرة للسعودية وحملة الانتقادات الحادة داخليًّا وخارجيًّا، التي تتعرض لها أمريكا؛ جراء دعمها المطلق للرياض في عدوانها على اليمن. وكمحاولة لحفظ ما تبقى من ماء وجهها، خاصة بعد فشلها في سوريا والعراق، وتورطها في الحرب على اليمن، بحثت واشنطن عن طريقة لنفض يدها من هذه الحرب، والظهور بمظهر الناصح الأمين للمملكة، خاصة بعد أن شن السيناتور الديمقراطي “كريس مورفي” هجومًا عنيفًا على المملكة العربية السعودية والإدارة الأمريكي بقيادة ترامب، وطالب الكونجرس بالتحرك لوقف الحصار الذي تفرضه الرياض على الأراضي اليمنية، وقال العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في كلمة له بالكونجرس، الشهر الماضي، عرض خلالها صورًا للأطفال اليمنيين الذين يتضورون جوعًا، إن السعودية تستخدم التجويع والأوبئة أسلحة حرب في اليمن، مضيفًا أن حملة القصف التي تستهدف البنية التحتية للكهرباء في اليمن لم تكن لتحدث بدون الدعم الأمريكي.
في ذات الإطار أكد “مورفي” أن الولايات المتحدة توفر المساعدة في تحديد الأهداف للطائرات السعودية، مشيرًا إلى أن الطائرات الأمريكية التي تحلق في سماء اليمن تعيد تزويد الطائرات السعودية بالوقود، بما يسمح لها بإلقاء مزيد من القنابل، وقال السيناتور الأمريكي: إن الرئيس ترامب قال إن لديَّ ثقة كاملة في الملك السعودي، وإنه يعلم ما الذي يقوم به، حسنًا دعني أخبرك بما يقوم به، إنه يستعمل التجويع والأمراض سلاح حرب، وهو ما يعد انتهاكًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان. ورفض مورفي ما وصفه بـ”استعمال التجويع والتسبب في الأمراض لأجل كسب نزاع مسلح”.
احتراق آخر الأوراق
على جانب آخر ربط بعض السياسيين بين الانتقادات الأمريكية التي وجهها تليرسون إلى السعودية، واحتراق آخر أوراق الخروج من المستنقع اليمني، والتي كانت تتمثل في الصفقة السعودية الإماراتية مع الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، لإنضاج خطة جديدة ومتكاملة تؤدي في النهاية إلى تولية نجل صالح “أحمد علي عبد الله صالح” مقاليد الأمور في اليمن، مقابل فك ارتباط حزب المؤتمر مع جماعة أنصار الله، وبهذه الصفقة اعتقد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وحليفه الأمريكي أن إنهاء الرئيس “علي عبد الله صالح” تحالفه مع حركة أنصار الله سيوفر لهم تحالفًا يحسم الحرب لصالح الحلف السعودي الإماراتي الأمريكي في اليمن، ولكن إعدام أنصار الله للرئيس السابق “صالح” بعد أيام من توقيعه على هذه الصفقة السرية بدد آمال الرياض وواشنطن وأبو ظبي في الخروج من المستنقع اليمني، وأعادهم إلى نقطة الصفر؛ مما دفع واشنطن إلى محاولة التخلي عن حلفائها في هذه الحرب، التي لم تظهر لها نهاية في الأفق القريب، في وقت تتزايد فيها الخسائر المادية والبشرية، وتدور حولها شبهات تتعلق بجرائم الحرب.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق