ماذا يريد النظام السعودي من مسلسل معاوية
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
بعد تأجيل لعامين... بعد إثارته موجة اعتراضات وانتقادات من أوساط صحفية وسياسية، ونقاد وعلماء دين من السنة والشيعة... باشر النظام السعودي ببث مسلسل معاوية على شاشات قنوات الأم بي سي المملوكة للدولة السعودية، في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك، والمسلسل يزعمون أنه عمل فني! بينما هو يتناول حقبة إسلامية... معاوية ونفاقه وجرائمه بحق المسلمين ورموزهم الإسلامية يومذاك، ولذلك تشويهه للشريعة الإسلامية المحمدية... ولكن رغم الحساسية المفرطة التي ينطوي عليها هذا المسلسل الخطير، والتداعيات الخطيرة على الأمة الإسلامية التي يتركها هذا المسلسل بأحداثه ورواياته، ورغم الجدل الكثير الذي إثاره كما أشرنا في الوسط الإسلامي... إلاً إن النظام السعودي أصرّ وقنرر في النهاية بث المسلسل، ما أثار ذلك الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول الدوافع وراء هذا الإصرار على بثه، سيما في هذا التوقيت حيث تتعرض الأمة الإسلامية خاصة ومنطقة غرب آسيا عامة الى حملة تصعيد عسكرية وثقافية وسياسية ضارية تقودها واشنطن وتل ابيب بهدف استنزاف هذه المنطقة وتقسيم دولها في إطار مشروع قديم جديد تحت مسمى (الشرق الأوسط الجديد) وذلك ما يتطلب وحدة وتراصاً لقوى الأمة الإسلامية للوقوف بوجه هذه الهجمة الشرسة، لا إضعافها وتشتيت قواها واستنزافها من الداخل، كما ستفعل مفاعيل هذا المسلسل على الأمة!!
وكما يؤكد ذلك أكثر المعترضين والنقاد لهذا العمل وذلك لأسباب عديدة يذكرها ويفصلها هؤلاء المعترضين نشير الى بعضها:
1ـ كما يقول الخبراء والمحققون التاريخيون وعلماء الدين وعلم الكلام... و... إن التاريخ الإسلامي يشوبه الكثير من التحريف والتشويه وطمر الحقائق لأن الذي كتب التاريخ في ذلك الوقت هو السلطة أو أعوانها، وبالنسبة لتلك الحقبة التي تناولها المسلسل فقد كتبها الأمويون وجماعتهم وكتابهم وهي الفترة التي ابتدأت من مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، ولذلك يجمع الخبراء على إن أي عمل فني يتناول مثل هذه الفترات التاريخية ويلج في أحداثها ويسير غور مجرياتها بشكل دقيق لابد أن تتوفر فيه إمكانيات الباحث والمحقق التاريخي المجرب وصاحب الخبرة الوقادة!
بل أكثر من ذلك، يقول هؤلاء الخبراء أنه حتى لو توفرت مثل هذه الإمكانيات، لا ينبغي الاكتفاء بشخص واحد، وإنما لابد أن تكون هناك لجنة من الخبراء قادرة على فرز الروايات الصحيحة وتلك الموسوعة، وقادرة على قراءة ما بين السطور لهذه الروايات الكثيرة!! بينما في حالة مسلسل معاوية، الكاتب رجل إعلامي بعيد عن التحقيق والتمحيص، كل ما هنالك، كل تجربته تتلخص في أنه كان لفترة رئيساً لتحرير صحيفة (اليوم السابع) المصرية... والأكثر من ذلك، أنه ليس الشخص المشهور بالتحقيق والتدقيق في قراءة النصوص التاريخية وحسب، وإنما تداول ناشطون او عدد كبير منهم وثيقة تعيد فضيحة خالد صلاح كاتب مسلسل معاوية من جديد رغم مرور سنوات عليها... تلك الوثيقة الرسمية التي أصدرها أمن الجيزة
فإذا كان كاتب المسلسل بهذا المستوى الأخلاقي!! وإذا كان ليس محققاً او باحثاً في قراءة التاريخ فكيف سيكون حال السيناريو الذي يكتبه لهذا المسلسل!؟ لا شك أنه سيكون على شاكلته منحطاً وغير دقيق ويخضع لأهواء ولأجندات خارجية وداخلية لها أهداف خطيرة.
2ــ يضاف الى ذلك، إن خالد صلاح كان منحازاً منذ البداية لشخصية معاوية ومعجباً بها الى حد كبير يكشف ذلك عنه، اطراؤه المتكرر على هذه الشخصية المنحرفة والغادرة، حيث يقول زاعماً: "إن معاوية لم يكن مجرد رجل دولة او قائد عسكري يخوض معاركه بالسيف، بل كان إنساناً صاغته الأيام كما تصوغ النار الحديد، قاسياً حين تستدعي الحاجة، ولينا حين يتطلب الأمر التروي والتدبر"!! ويوضح الكاتب أكثر، إن همه الأساس هو إبراز شخصية معاوية المعجب بها حيث يقول "حين بدأنا هذا المشروع مع قناة الأم بي سي لم تكن غايتنا أن نصوغ حكاية تضاف الى سجل الروايات المتضاربة، ولم يكن قصدنا أن ننتصر لرؤية على أخرى... أردنا أن نقترب من معاوية لا كخليفة نقش أسمه على دواوين الحكم، بل كإنسان وجد نفسه في قلب زلزال لا يهدأ واجبرته الحياة على أن يكون لاعباً رئيسياً في صراعات لم يخترها بنفسه، بل ألقتها الأقدار بين يديه" على حد زعمه... وهناك الكثير من التصريحات لهذا الكاتب المأبون على هذه الشاكلة، وهذا يوضح إن الكاتب اعتبر إن الغدر بالصحابة وتعذيب المؤمنين من قبل هذا المنحرف الظالم معاوية، ثم الكذب والدجل وتشويه الشريعة و... و... كلها معايير لما يريد ان يعرضه عن هذه الشخصية بأنها شخصية (سياسية ناجحة)!! و(متألقة) وتعتبر (قدوة)!! الأمر الذي يكشف الأجندات الحقيقية التي تقف وراء قضية طرح شخصية معاوية في هذا الوقت بالذات!!
3ــ عارض بث هذا المسلسل علماء وهيئات وأحزاب إسلامية من كافة الطوائف لأمرين هامين، فالبعض عارضه لأنه يجسد الصحابة في التمثيل، بل إن هناك فتوى قديمة أصدرها جامع الأزهر في عام 1926 تمنع تصوير الإنسان والصحابة على الشاشات الكبيرة، وبخصوص هذا المسلسل قال عضو هيئة كبار علماء الأزهر المصرية، عبد الفتاح عبد الغني العواري: "إن تجسيد الصحابي معاوية بن أبي سفيان الذي كان أحد كتاب الوحي هو أمر مرفوض دينياً، ولا يجوز تجسيد الصحابة في الأعمال الفنية، كون الفنان الذي يجسد الدور سيقدم بعدها أعمالاً تخالف الشريعة"!! أكثر من ذلك إن حتى المؤسسة الوهابية السعودية كانت قبل أكثر من عقد من الزمان قد حرمت تجسيد الصحابة في التمثيل!!
أما الأمر الثاني، الذي على أساسه عارض البعض الآخر من العلماء والهيئات والأحزاب وحتى بعض حكومات المنطقة، فهو أن تناول هذه الشخصية المثيرة للجدل سوف يؤدي الى إثارة الفتنة الطائفية بين الطوائف الإسلامية في الوقت الذي يتعرض الإسلام وأمته الى أقسى هجمة أمريكية صهيونية تستهدف هذه الأمة حضارياً وعسكرياً وعلى كل الأصعدة...
ما تقدم وغيره كثير يعني إن ثمة مصلحة أمريكية صهيونية ومصلحة لابن سلمان في بث هذا المسلسل، اذا لم تكن هناك أوامر أمريكية صهيونية مباشرة لابن سلمان لبث هذا المسلسل، لأن مصالح كل تلك الأطراف تكمن فيما يلي:
1ــ لأن المشروع الأمريكي الصهيوني يستند أو يرتكز الى إثارة الفتن الطائفية والمذهبية والدينية بين شرائح الأمم، تمهيداً لتمزيق وتقسيم الأوطان وتحويلها الى كانتونات متصارعة يتسيّد عليها الصهيوني، فهذا المسلسل يعتبر رصاصة تطلق في هذا المشروع، لأنه يعتبر مسلسل فتنة وإثارة خلافات طائفية ومذهبية بل وعامل أساسي من عوامل الصراع بين السنة والشيعة، خصوصاً وأن عملاء أمريكا والصهاينة في المنطقة، خصوصاً في العراق قطعوا شوطا كبيراً في رفع الاحتقان الطائفي والمناطقي وفي رفع التوتر خصوصاً في العراق وفي سوريا وفي مناطق أخرى... فأذا لم يكن هذا المسلسل ومفاعيله عاملاً في إثارة الصراعات، فأنه سيشكل بلا شك عائقاً كؤوداً أمام وحده الأمة وضد إمكاناتها مجتمعة في مواجهة مشاريع التقسيم والتمزيق الصهيونية التي تجري في المنطقة وبسرعة مذهلة!!
2ــ من ضمن مفردات المشروع الأمريكي الصهيوني الرامي الى توجيه ضربات قاصمة للأمة الإسلامية ولهويتها الإسلامية، هي ضرب قدسية رموزها الإسلامية التاريخية والاستهزاء بها، ذلك من منطلق أن ضرب هذه القدسية سوف يخدم الأعداء او يؤدي الى فك عرى الارتباط المصيري بين الأمة وشبابها وتلك الرموز بما لها من مكانة دينية وعاطفية، لها الدور الأساسي في شحذ همم هذه الأمة وشبابها للدفاع عن هويتها وعن ثقافتها وانتمائها، ولذلك فأن ضرب مكانة واحترام وقدسية هذه الرموز من شأنه أن يسهل مهمة أصحاب المشروع الأمريكي الصهيوني الرامي الى تدمير البنى الأساسية للعقيدة الإسلامية، بحسب توصيات خبراء ودهاقنة هذا المشروع!! فأحدهم كان يقول لا يمكن غلبة هؤلاء المسلمين ما لم نجعل قرآنهم وإسلامهم وراء ظهورهم، ولذلك نجد إن الحرب على الرموز الإسلامية قائمة على قدم وساق، تمثلت في مشاهد كثيرة منها الكاريكاتيرات المسيئة للرسول الأكرم (ص) وحرق القرآن في عموم دول أوروبا، وإساءات كثيرة ما زالت متواصلة، لكن أن تكون هذه الإساءة من مسلمين، كما هو الحال في المسلسل هذا، سوف تكون الآثار أمضى والتداعيات أقوى في توجيه هذه الضربات لمرتكزات هوية الأمة الإسلامية!!
3ــ محاولة تدجين الأمة على قبول المنحرفين والساقطين أخلاقياً من خلال عرض شخصية منحرفة كمعاوية الساقطة أخلاقياً!! على أنه (الشخص القدوة) و(الرجل السياسي المحنك)، وبالتالي إضفاء مقبولية وحتى شرعية على الشخصيات المنحرفة، وهذا يخدم ابن سلمان، ويخدم واشنطن وتل أبيب في وضع الأشخاص المنحرفين على رؤوس هذه الأمة من أجل خدمة مصالحهم لأن مثل هؤلاء لا يتورعون عن كل حرام تأمرهم به دوائر أسيادهم الأمريكان والصهاينة، ولذلك يعتبر تسويق الرقص الماجن في هذا المسلسل الذي يعتبر نظرياً أنه يتناول فترة إسلامية!! تسويغاً أمام الرأي العام لإقامة حفلات التعري وماجنة في بلاد الحرمين الشريفين، الرائجة هذه الأيام...
ففي هذا السياق عرض المسلسل المذكور في حلقته الثالثة، مشاهد للرقص المختلط، وقد قدمها مسلسل معاوية على أنها جزء من الحقبة الإسلامية، واعتبر النقاد إن هذا العرض يهدف لضرب قدسية الشريعة الإسلامية ورموزها ولتبرير التوجه السعودي الجديد الذي يتسم بحالة من الانحلال الأخلاقي.
ويشير الكثيرون من هؤلاء النقاد إن الرقص المختلط يسيء للمبادئ والقيم الإسلامية وحتى القيم القبلية للمجتمعات الإسلامية، ويمس بشخصيات بارزة من بدايات الإسلام، وكل ذلك يصب في إطار جهود الحرب الحضارية التي تشنها واشنطن وتل أبيب ضد الإسلام وأهله!!
4ــ بالإضافة الى محاولة خداع الأمة بأن الانحلال الأخلاقي كان سائعاً منذ عهد الرسول الأكرم (ص) والصحابة من خلال مسلسل معاوية، وتدجين الأمة على هذه القناعات والثقافة، فأن ابن سلمان يريد إضفاء مشروعية على توليه السلطة من أبيه لأن التوريث أسلوب او طريق أول من سلكه معاوية (الشخص القدوة) في هذا المسلسل الهابط!! وبالتالي هي محاولة لإسكات كل الأفواه والوقوف بوجه المعارضين من أمراء آل سعود أنفسهم، ومن عامة أبناء الشعب في البلاد!
في هذا السياق، وفي إطار تناوله دوافع القناة السعودية لبث هذا المسلسل قال المفكر والمعارض للنظام السعودي الدكتور محمد المسعري موضحاً: "... إن النقاش كثر حول معاوية، لا سيما من جانبنا نحن أبناء الطائفة السنية، حيث أبرزنا العديد من الإشكالات التي تتعلق به، ونفاقه وخروجه على إمام زمانه الشرعي، وهدمه لنظام الشورى من وجهة نظر سنية" وتابع: "لنا عدة سنين نبرز فضائح ومشاكل معاوية بن أبي سفيان، فانبرت مجموعة لهذا المشروع بعد أن بدأ النظام السعودي يتباعد عن الفرقة الوهابية بالجناح القتالي الدموي أمثال داعش وجبهة النصرة، ويبعدهم عن التأثير داخل الدولة والنظام ويهمشهم في شتى المجالات..." ويستطرد المسعري موضحاً إن الدفاع عن معاوية في هذا المسلسل والإشادة، من منطلق أنه أول من سن التوريث في الإسلامي، التوريث في الحكم، ولذلك فأن مهاجمته تعني فيما تعني هدم للتوريث بالإسلام، وبالتالي التشكيك في شرعية حكمهم، أي آل سعود، وحتى في البحرين وقطر والكويت والامارات، ولذلك يرى المسعري إن دفاع النظام السعودي عن معاوية يعني الدفاع عن الحكم ال سعود ووسيلة لتثبيت عرشهم!!
ارسال التعليق