تل أبيب تنعي بن سلمان وحبل المشنقة يشتّد حول عنقه
زهير أندراوس
من خلال مُتابعة الإعلام العبريّ في إسرائيل على مُختلَف مشارِبه، والذي يعكس بشكلٍ دقيقٍ أفكار حكّام تل أبيب من المُستويين السياسيّ والأمنيّ، يُمكِن بسهولةٍ بالِغةٍ، التوصّل إلى نتيجةٍ حتميّةٍ مفادها أنّ إسرائيل بدأت بنعي وليّ العد السعوديّ، محمد بن سلمان، التي كانت تعتبره النجم الساطِع، الذي يُشارِك دولة الاحتلال في العداء المُشترَك لإيران، وعلى استعدادٍ لتطوير العلاقات السريّة معها، لا بلْ أكثر من ذلك، إخراجها من الـ”السريّة” إلى العلن، ولكن بعد خطاب الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان، الثلاثاء، شدّدّ الإعلام العبريّ على أنّ مصير بن سلمان قد حُسِم تقريبًا، وأنّ “حبل المقصلة” يشتّد حول عنقه، وجريًا على العادة الإسرائيليّة الممجوجة، فقد “احتجّ” الإعلام العبريّ لأنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ما زال يُحافِظ على الصمت المُطبَق، على الرغم من أنّ الحديث يدور عن جريمةٍ تتعلّق بحقوق الإنسان، إذْ أشارت مُحلّلة شؤون الشرق الأوسط في (يديعوت أحرونوت) إلى أنّه، على ما يبدو، تنتهي قضية حقوق الإنسان بالنسبة لنتنياهو على أبواب المصالِح المُشتركة مع السعوديّة، مُشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ نتنياهو تجاهل أيضًا مُحاولة روسيا لاغتيال الجاسوس السابق، سيرغي سكريبال في بريطانيًا، قلل عدّة أشهر، ومن نفس المُنطلق: الحفاظ على العلاقات مع موسكو.
على صلةٍ بما سلف، رأى البروفيسور الإسرائيليّ يهوشواع تيتلبوم، الخبير في السعودية، وهو من جامعة بار ايلان، والذي عرف خاشقجي جيّدًا، رأى أنّ الإعلامي الذي قُتِل في قنصلية بلاده بإسطنبول، لم يُسلّم بوجود إسرائيل، لافتًا إلى أنّه في العام 2015 كتب على “تويتر” إنّ اليهود بلا تاريخ في فلسطين. لذلك، قاموا باختراع حائط المبكى، وهو هيكل مملوكيّ، حسب تعبيره.
وتابع تيتلبوم إنّ خاشقجي عارض تعاون السعودية السريّ مع إسرائيل، بحجة أنّ الرياض لم تكن بحاجةٍ إليه، وأنّ أيّ علاقاتٍ مع الدولة اليهودية ستُشوّه دون داعٍ سمعة بلاده في العالم العربيّ الأوسع، مُضيفًا أنّه لم يكُن صديقًا لإسرائيل، لكن لم تكُن لديه مشاكل في الاجتماع والتحدث إلى الإسرائيليين، قال تيتلبوم.
في أحد من ظهوره العلنيّ الأخير، تابع البروفيسور تيتلبوم، أكّد خاشقجي، الذي كان على صلةٍ بالإخوان المسلمين، أنّ الرياض قد أصبحت مقربةّ من إسرائيل، لكنّه أضاف أنّ المملكة تراجعت عن بعض المواقف الأخيرة المؤيدة لإسرائيل التي اتخذتها، قال تيتلبوم.
وشدّدّ تيتلبوم في حديثه لموقع (تايمز أوف إزرائيل) على أنّ مقتل خاشقجي الوحشيّ، ومحاولات النظام الحماسيّة للتغطية عليه، تسبّبّا في ضررٍ لا يُمكِن قياسه لهيبة السعوديّة الدوليّة وحاكمها الفعليّ الأمير محمد بن سلمان، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّه من جهةٍ، كان القادة الأمريكيون والإسرائيليون يأملون في أنْ يكون بن سلمان وتصرفاته المؤيّدة لإسرائيل ظاهريًا بمثابة مُساعدةٍ في دفع الفلسطينيين إلى تنازلاتٍ ضروريّةٍ من أجل السلام.
وعُلاوةً على ذلك، أضاف تيتلبوم، فإنّ تآكل مكانة الرياض الدوليّة قد يؤثر سلبًا على دورها كواحدةٍ من القوى الإقليميّة الرئيسيّة التي تقف في وجه سعي إيران للحصول على الأسلحة النوويّة والسلوكيات العدوانيّة الأخرى، إذْ أنّه من الجدير بالذكر أنّ العداء المُشترك ضدّ طهران قد جعل إسرائيل والسعودية أقرب في المقام الأول، وفق تعبيره.
أمّا دان شابيرو، سفير واشنطن السابق في تل أبيب، فكان قد قال إنّ إسرائيل في وضعٍ صعبٍ للغاية، وإنّها تُريد وتحتاج إلى السعوديّة لتكون مرساةٍ راسخةٍ للتحالف الإقليميّ لمواجهة العدوان الإيرانيّ، ولكنّ القيادة السعوديّة الحاليّة أثبتت أنّها غيرُ قادرةٍ على القيام بهذا الدور، قال شابيرو.
بالإضافة إلى ذلك، رأى السفير السابق، أنّه لا يُمكِن لأيّ بلدٍ عربيٍّ آخرٍ أنْ يحّل مكان السعودية في التحالف المُناهِض لإيران في المنطقة، ولكن بن سلمان أثبت أنّه “متهورة للغاية ومتسّرع وغيرُ جديرٍ بالثقة، مُشدّدًا على أنّ اغتيال خاشقجي المُروّع والأكاذيب المستمرّة كانا بمثابة المسمار الأخير في سلسلةٍ من القرارات السيئة التي اتخذها ولي العهد والتي تشمل قصف اليمن دون القلق من إصابات بين المدنيين، فرض حصارٍ على قطر، اعتقال رئيس الوزراء اللبنانيّ سعد الحريري، العراك مع كندا بشأن تغريدة حول حقوق الإنسان في المملكة، بحسب تعبيره.
وخلُص شابيرو إلى القول إنّ محمد بن سلمان كثيرًا ما يعمل من مُنطلق معرفةٍ محدودةٍ وسوء تقدير، مُشدّدًا على أنّ الفضائح المختلفة التي جرّ بلاده إليها تُضعِف المملكة وتُقوِض علاقتها مع حلفائها، على حدّ قوله.
وفي السياق عينه، قال مُحلّل الشؤون الإستراتيجيّة والأمنيّة في (يديعوت أحرونوت) رونين بيرغمان، المعروف بعلاقاته المُتشعبّة مع المنظومة الأمنيّة في تل أبيب، قال اليوم الثلاثاء إنّه على الرغم من أنّ الحقيقة الكامِلة لم تُنشَر حتى اللحظة حول مقتل خاشقجي، إلّا أنّ السعوديّة ووليّ العهد بن سلمان تلقيّا ضربةً قاسيّةً جدًا، والتي ستكون لها تداعياتٍ كبيرةٍ على الشرق الأوسط برمّته، وتحديدًا على الدولة التي ما زالت تلتزِم الصمت، أيْ إسرائيل، مُشدّدًا على أنّ الرئيس الأمريكي لم يعُد قادِرًا على منحه التأييد الأوتوماتيكيّ، وفق تعبيره.
ارسال التعليق