مضاوي الرشيد: داعش و ال سعود مجرد قاطعي رئوس
برز إجحاف النظام القضائيّ السعوديّ مرّتين في أسبوع واحد. فقد تمّ جلد المدوّن الليبراليّ رائف بدوي وقطع رأس امرأة مدانة بقتل ابنة زوجها، باسم الإسلام وبأمر من نظام يتوق إلى التبجّح بهويّته الإسلاميّة في ظلّ بروز دول إسلاميّة مزعومة أخرى في المنطقة. لقد تعاون هذا النظام مع التحالف الدوليّ ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) في الوقت الذي يعتمد فيه طرق العقاب نفسها التي يستخدمها هذا التنظيم. من سخرية القدر أن تكون المملكة العربيّة السعوديّة شريكاً مهمّاً في الجهود الدوليّة الهادفة إلى القضاء على داعش ومحاربة الإرهاب. ومن المحيّر أن يتعاون التحالف مع نظام ضدّ آخر في حين أنّ الاثنين لديهما الكثير من النقاط المشتركة. فالمملكة العربيّة السعوديّة وداعش يحبّان على ما يبدو تنفيذ عمليّات الإعدام وغيرها من أشكال العقاب في العلن. قد يكون هناك منطق أعوج وراء التحالف الدوليّ مع المملكة العربيّة السعوديّة ضدّ داعش. وقد يحرص التحالف في نهاية المطاف على أن يكون هناك بلد واحد شرعيّ وسياديّ ومعترف به دوليّاً في المنطقة العربيّة يُعتبر قطع الرؤوس العلنيّ فيه وغيره من أشكال العقاب الجسديّ ممارسات عاديّة لا تستدعي الانتقادات. في 9 كانون الثاني/يناير، تلقّى المدوّن السعوديّ الليبراليّ رائف بدوي، الذي أدين بإهانة الدين وانتقاد الفقهاء الدينيّين، 50 جلدة في العلن كجزء من الحكم الصادر بحقّه والمتمثّل بألف جلدة، و10 سنوات في السجن وغرامة محدّدة. وكان من المفترض أن تتمّ جلسة الجلد الثانية يوم الجمعة التالي، لكنّها أُلغيت في اللحظة الأخيرة. فقد اعتُبر غير مؤهّل طبيّاً لتلقّي الخمسين جلدة الأسبوعيّة التي كان من المفترض أن تستمرّ على مدى 20 أسبوعاً. ولم يتّضح ما إذا كانت المحاكم ستعيد النظر في قضيّته، إلا أنّ مراجعة القضايا القانونيّة ليست دائماً بالخبر السارّ. ففي 12 كانون الثاني/يناير، تمّت زيادة مدّة عقوبة المحامي وليد أبو الخير الناشط في مجال حقوق الانسان من 10 سنوات إلى 15 سنة بعد عمليّة المراجعة. ومنذ جلسة الجلد الأولى التي نُفّذت بحقّ بدوي، أطلق ناشطون في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وتونس وبلدان آخرى نسّقت احتجاجاتها حملة تضامن عالميّة تأييداً لإطلاق سراحه. وكان الاحتجاج الأكثر دهشة في واشنطن حيث قام ناشطون سعوديّون يحملون العصي ويضربون الآخرين بمحاكاة دراما الجلد العلنيّ. وعرّف المحتجّون عن الشخص الرئيسيّ المسؤول عن هذه العقوبات القاسية على أنّه وزير الداخليّة الأمير محمد بن نايف، وشجبوا المحكمة السعوديّة التي أصدرت الحكم بحقّ بدوي. وأعربت الولايات المتّحدة الأميركيّة وبريطانيا، من بين بلدان أخرى، عن قلقها بشأن قسوة العقوبة ودعت الملك عبدالله إلى إصدار أمر بمراجعة قضيّة بدوي. وقد تمّ إصدار هذه التصاريح لنزع فتيل الانتقادات وتهدئة المواطنين الذين أدهشهم صمت حكوماتهم إزاء سجلّ السعوديّة السيّئ في مجال حقوق الانسان، بالإضافة إلى نفاق السعوديّة عندما أرسلت ممثّلاً إلى مسيرة ″شارلي إيبدو″ في باريس في 11 كانون الثاني/يناير دعماً لحريّة التعبير. وأشار عدد كبير من النقّاد ومنظّمات حقوق الانسان إلى نفاق الحكومات الغربيّة وأيضاً النظام السعوديّ الذي يؤيّد حريّة التعبير في الخارج ويقمعها في بلده. أمّا القضيّة الثانية فكانت أكثر مأساويّة وشملت قطعاً علنيّاً لرأس امرأة سعوديّة من أصل بورميّ تدعى ليلى بن عبد المطلب باسم كانت تقيم في مكّة وأدينت بتعذيب ابنة زوجها البالغ من العمر 7 سنوات وقتلها. وقد قامت الشرطة الأمنيّة بجرّ المرأة المحّبة بالأسود من الرأس إلى أخمص القدمين إلى جانب الطريق مع حبل حول عنقها، وأجبرتها على الجلوس بينما كان شرطيّاً يمسك الحبل. وانتظرها الجلّاد الذي كان يحمل سيفاً حتّى تتوقّف عن الحراك كي يتمكّن من قطع رأسها. واستغرق الأمر وقتاً لأنّ المرأة كانت تحرّك أطرافها بهستيريّة وتصرخ بصوت عالٍ: ″لم أقتل! لم أقتل! لن أسامحكم أبداً!″، في إشارة واضحة إلى أنّها لم تتلقَّ مسكّناً قبل الإعدام ولم تعترف بقتلها ابنة زوجها. وقام رجل أمن بتصوير عمليّة الإعدام المروّعة سرّاً، ونشر شريط الفيديو على ″يوتيوب″. ويمكن تصوّر وقع مشاهد الإعدام على أقرباء المرأة وأطفالها الصغار. وكانت ليلى عبد المطلب باسم الشخص التاسع الذي يتمّ قطع رأسه منذ بداية العام 2015. وأصدرت الحكومة السعوديّة بياناً أوضحت فيها أنّها حدّدت هويّة الشرطيّ الذي صوّر عمليّة الإعدام ونشرها، وأعلنت عن نيّتها معاقبته. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يتمّ قطع الرؤوس في العلن. ربّما يفضّل النظام ألا يشاهد أحد سوى السعوديّين عمليّات الإعدام بقطع الرأس، وقد يشكلّ شريط فيديو متداول على ناطق واسع مصدر إحراج. وتحت ذريعة الحرص على مشاعر أقرباء المرأة، أمرت السلطات السعوديّة بفتح تحقيق في تصوير عمليّة الإعدام. يدّعي السعودّيون أنّهم يحكمون بناء على رسالة الإسلام المعلنة. ويُعتبر الجلد والضرب بالسوط وقطع الرأس أشكالاً مفروضة من العقاب لا مجال للنقاش فيها أو إعادة تفسيرها. وعلى الرغم من أنّ مئات البلدان الإسلاميّة في العالم تطبّق الشريعة، أقلّه في بعض نواحي الحياة العامّة والشخصيّة، إلا أنّه في السعوديّة فقط وفي أراضٍ أخرى لا تزال تفسّر الشريعة الإسلاميّة بطريقة متشدّدة، تحوّل النواحي العلنيّة للعقاب صلاة الجمعة – عندما يتمّ عادةً تنفيذ أشكال العقاب هذه – إلى مشهد عنفيّ. ويهدف هذا العنف العلنيّ إلى تخويف المتفرّجين وزرع الخوف في نفوس شعب مُكرَه. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة داعش في سوريا والعراق، وبوكو حرام في نيجيريا، وطالبان في أفغانستان، أصبحت أشكال العقاب هذه شائعة. وتحاول المملكة العربيّة السعوديّة تهدئة المواطنين المهتاجين الذين يطرحون علامات استفهام – وإن سرّاً – حول مشاركة النظام في قصف داعش وتعاونه في التحالف الدوليّ ضدّ هذا التنظيم. ومن الصعب تقييم ردّ الفعل السعوديّ على أشكال العقاب العلنيّة هذه في بلد يقمع النقاشات حول المسائل المهمّة والحسّاسة. لا شكّ في أنّ عدداً كبيراً من المواطنين الذين يصدّقون أساطير النظام – خصوصاً أولئك الذين يبجّلون التزامه بالشريعة الإسلاميّة – يفرحون عندما يرون الدولة ووكالاتها تنفّذ أشكال العقاب هذه. فهم يعتبرون أنّ أشكال العقاب القاسية هذه تُنفّذ في العلن باسم الله والأمن (مثلاً، المصلحة العامّة)، وبالتالي فهي ضروريّة لصون الدين والسلام. وعندما يقال إنّ أشكال العقاب هذه مفروضة في الشريعة الإسلاميّة، تنعدم كلّ محاولة لإعادة النظر في القانون وإعادة تفسيره بالعودة إلى مبادئ الشريعة، ولا سيّما العدالة والحفاظ على الحياة في هذا العالم. هناك أقليّة سعوديّة ناشئة تعتبر أنّ أشكال العقاب هذه لا تلائم دولة ونظاماً قضائيّاً حديثين. ولا تطال عمليّات الإعدام العلنيّة المفرطة القتلة فحسب، بل هي عقاب أيضاً للسحرة والمثلّيين جنسيّاً والعاهرات ومدمني المخدّرات وتجّار المخدّرات. إنّ مشكلة النظام القضائيّ السعوديّ لا تنبع من دين إسلاميّ عامّ خارج عن التاريخ والسياق، بل تكمن في التفسير السعوديّ للشريعة. ويتولّى هذا التفسير قضاة متخرّجين من جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، وهي معقل للوهابيّة يسعى إلى كبح التنوّع القانونيّ في داخل الإسلام. وتكمن المشكلة الثانية في خضوع القضاة لوزارة الداخليّة ووزيرها الأمير محمد بن نايف. فقد استخدم الأمير ووالده قبله، الأمير نايف، هذه الوزارة كذراع آخر لجهاز الدولة القسريّ، فقاما بتجريم أيّ شكل من أشكال الانشقاق وتوسيع رقعة الأفعال المصنّفة على أنّها جرائم ذات عقوبة قاسية. وتضمّ الحكومة مجموعة كبيرة من الموالين الوهابيّين، من بينهم قضاة ومبشّرون وأفراد من الشرطة الدينيّة وأساتذة. ومن حين إلى آخر، تطمئن الوزارة هؤلاء بأنّها لا تزال وفيّة للعقد الأصليّ بين عائلة آل سعود والوهابيّين. وينصّ العقد على أنّه يتعيّن على الدولة التقيّد بتفسيرات الوهابيّين الدينيّة. في المقابل، يتعيّن على الوهابيّين العمل بجهد لترويض الشعب والحرص على إخضاعه للسلطة الملكيّة. وتشكّل المحكمة أحد الأماكن التي يستطيعون من خلالها إسكات هذا الانشقاق السلميّ في السجن، أو جلد في العلن. وينبغي النظر إلى ما حصل لبدوي وباسم في هذا السياق بالذات، أي أنّ هناك شريكين يؤكّد واحدها للآخر التزامه بالعقد الأصليّ، على الرغم من منافسة آخرين لهما على الدولة الإسلاميّة. إنّ أشكال العقاب العلنيّة القاسية هذه تتعارض إلى حدّ كبير مع تعريف المملكة السعوديّة عن نفسها بأنّها مدافعة عن حريّة التعبير وحليفة مهمّة ضدّ الإرهاب. مضاوي الرشيد - المونيتور
ارسال التعليق