ماذا وراء طرد واشنطن للمبتعثين العسكريين السعوديين
“وجود هذه المواد لديهم أظهر سلوكا غير لائق لضابط في القوات الملكية الجوية والبحرية للمملكة، وتم استبعاد هؤلاء الطلاب الـ21 من برامجهم التدريبية في الجيش الأمريكي”..
هكذا برر وزير العدل الأمريكي “ويليام بار”، الإثنين، طرد طلاب عسكريين سعوديين على خلفية حادث إطلاق النار في قاعدة عسكرية بولاية فلوريدا، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي صنفته واشنطن كهجوم إرهابي.
وبحسب إفادة الوزير الأمريكي فقد عُثر على مواد “جهادية” ومنشورات معادية للولايات المتحدة في حسابات التواصل الاجتماعي التابعة لـ17 من المطرودين، بينما عثر على صفحات 15 من أصل الـ21 من المطرودين على مواد إباحية متعلقة بالأطفال.
وجاء تفتيش الحسابات بعدما أطلق العريف السعودي “محمد الشمراني”، في 6 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، النار من سلاح شخصي كان معه داخل إحدى قاعات الدراسة بقاعدة بينساكولا في فلوريدا، فأوقع 3 قتلى و8 جرحى، قبل أن ترديه قوات أمن القاعدة قتيلا، بعد تبادل قصير لإطلاق النار.
وبحسب مجموعة “سايت” التي تراقب المحتوى المتطرف على الإنترنت، فإن “الشمراني” نشر انتقادا لحروب الولايات المتحدة في دول غالبية سكانها من المسلمين، ونقل اقتباسا عن زعيم تنظيم القاعدة الراحل “أسامة بن لادن” على “تويتر” قبل ساعات من تنفيذه الهجوم.
أشباح سبتمبر/أيلول
ومن شأن هذا التطور أن يضعف من موقف السعودية إزاء دعاوى قضائية كثيرة رفعتها عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ضد المملكة بموجب قانون العدالة في مواجهة رعاة الإرهاب المعروف إعلاميا بقانون “جاستا”.
فالقانون، الذي أُقر في سبتمبر/أيلول 2016، يسمح برفع دعاوى قضائية على الحكومة السعودية بدعوى أنها ساعدت في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ومطالبتها بدفع تعويضات للضحايا.
ويعطل “جاستا” قانونا أمريكيا سابقا صدر عام 1976، كان يوفر الحصانة السيادية للدول وحكامها من الملاحقة القضائية داخل الولايات المتحدة، وطُرح القانون للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2009، وأعيد مرةً أخرى لطاولة النقاش في مجلس الشيوخ في 16 سبتمبر/أيلول 2015.
وأبطل الكونجرس بأغلبية كبيرة، في سبتمبر/أيلول 2016، حق النقض (الفيتو)، الذي استخدمه الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” ضد مشروع القانون.
وانتقدت السعودية “جاستا” بقوة وحذرت من عواقب وخيمة وتداعيات على علاقتها مع واشنطن، ورفضت تحميلها مسؤولية اشتراك عدد من مواطنيها في هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتناقلت وسائل إعلامها تهديدات بسحب احتياطات مالية واستثمارات بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة في حال إقرار القانون، وهو ما لم يستجب له الكونجرس في النهاية.
وإزاء ذلك، رُفعت عشرات القضايا ضد السعودية بموجب “جاستا” أمام القضاء الأمريكي، واستقبلت محاكم العاصمة واشنطن ونيويورك وحدها مئات الدعاوى من أهالي ضحايا 11 سبتمبر/أيلول وعائلاتهم، يتهمون فيها المملكة بتقديم دعم مادي ومالي لتنظيم “القاعدة” لسنوات قبل الهجوم الذى يُعد أسوأ عمل إرهابي وقع داخل الأراضي الأمريكية، ويطالبون بتعويضات تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.
ويستند أهالي الضحايا في دعواهم ضد السعودية إلى وجود 15 مواطنا سعوديا من جملة 19 مشاركا في الهجمات التي أدت إلى سقوط 2973 ضحية و24 مفقودا، إضافة لآلاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة.
ابتزاز مالي
وسبق أن نبه محللون إلى استخدام واشنطن لقانون “جاستا” سيفا مصلتا لابتزاز السعودية ماليا، وحذروا من ارتهان المصالح السعودية للولايات المتحدة، خاصة في ظل نسق إدارة الرئيس الحالي “دونالد ترامب”، التي تقوم على عقلية “التاجر” أكثر من عقلية السياسي.
من بين هؤلاء الكاتب السعودي المغدور “جمال خاشقجي”، الذي وجه تحذيرا مباشرا لقيادة المملكة من طرح اكتتاب شركة النفط العملاقة “أرامكو” في بورصة نيويورك الأمريكية، باعتبار أن طرح أسهم الشركة السعودية بالبورصة الأمريكية في ظل إقرار “جاستا” يعتبر “مخاطرة بثروة أمة”، حسب تعبيره.
ولاحقا، تم قتل “خاشقجي” نفسه على يد عملاء حكوميين داخل قنصلية المملكة بمدينة إسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
ويعد ترحيل الطلاب السعوديين من قاعدة فلوريدا الجوية علامة أخرى على تراجع الأهمية الاستراتيجية للسعودية لدى الولايات المتحدة، خاصة بعدما أصبحت الأخيرة أكبر منتج للنفط في العالم.
وكرر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الإشارة إلى هذا التطور، عبر حسابه الموثق على تويتر، مؤكدا على أن بلاده “لم تعد بحاجة لنفط الشرق الأوسط”.
وبدأت العلاقة الاستراتيجية الخاصة بين الرياض وواشنطن في فبراير/شباط 1945 حين اجتمع ملك السعودية آنذاك “عبدالعزيز آل سعود” مع الرئيس الأمريكى “روزفلت” على ظهر المدمرة كوينسي أثناء مرورها بقناة السويس، واتفقا على تأمين المصالح النفطية لأمريكا في السعودية مقابل ضمان واشنطن أمن العائلة الحاكمة السعودية من أى مخاطر إقليمية.
لذا، فإن تراجع قيمة النفط السعودي للولايات المتحدة يعني أن أهمية اتفاق كوينسي آخذة في التراجع بشكل فعلي، بما يعني أن خضوع السعودية لمقررات قانون “جاستا” ربما يكون أقرب من أي وقت مضى، حسبما نقلت صحيفة “الشروق” المصرية عن الكاتب المتخصص في الشأن الأمريكي “محمد المنشاوي”.
وتتراجع مكانة المملكة أيضا في ظل رغبة واشنطن في التخفف من عبء الانخراط في قضايا الشرق الأوسط، ولذا يرجح العديد من مراقبي الشأن الأمريكي أن يعود شبح “جاستا” قريبا، لابتزاز السعودية ماليا إن لم يكن لمحاسبتها قضائيا، حسبما حذر “محمد حيدر” في تحليل نشره في يوليو/تموز الماضي بصحيفة “رأي اليوم”.
ونبه “حيدر” إلى أن “جاستا” يعطي المدعي العام الأمريكي صلاحية البت في القضايا أو تاجيلها لمدة 180 يوما، مع إعادة التأجيل إذا لزم الأمر، كما أنه يعطي وزير الخارجية صلاحية إجراء مفاوضات مع الدول لتسوية قضاياها، ووقف المحاكمات نتيجة لهذه الاتفاقات إن تمت.
وبالتالي يوفر القانون الأرضية القانونية التي تخول الولايات المتحدة مقاضاة أي فرد أو مؤسسة أو منظمة أو دولة في العالم بحجة دعم الإرهاب، كما يعطي فرصة للحكومة الأمريكية لابتزاز المواقف السياسية من الدول المعرضة بما يتوافق مع الأولويات الأمريكية.
ارسال التعليق