رؤية ابن سلمان تقوّضها أسعار النفط وحالة اغتيال
بقلم: سايمون هندرسن / كاتب بريطاني من المفترض أن تشكل رؤية محمد بن سلمان مستقبل بلاده - وقد تفعل ذلك فعلاً. غير أنه سيتعذّر تحقيقها بالطريقة التي كان يعتزمها ابن سلمان إذا ما استندنا إلى الأحداث التي وقعت في الآونة الأخيرة - وبشكل رئيسي انخفاض سعر النفط ولكن أيضاً، تسجيل حالة وفاة في الأسبوع الماضي.
ويُعتبر مشروع نيوم مدينة أحلام تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، تقع في شمال غرب البلاد، وتطل على البحر الأحمر وعلى مصر والأردن أيضاً. ومن المفترض أن يمثّل المشروع مستقبل السعودية في مرحلة ما بعد النفط.
ذلك المستقبل الذي سيكون قائماً إلى حدّ كبير على التكنولوجيا فائقة التطور. ومن شأن العلماء وعباقرة الحواسب الآلية في السعودية أن يعيشوا في عالم آلي، حيث سيتمّ توقّع كل حاجاتهم إلكترونيا – كتنظيف منازلهم وشراء الطعام– والتعامل معها خلال تواجدهم في العمل.
وقد تمّ تشجيع المستشارين الذين يضعون تفاصيل المشروع من أجل إطلاق العنان لمخيلتهم من دون أي قيود تقريباً. وهذا ما فعلوه: وإذ كانوا يرغبون في تألّق الرمال المحلية تحت ضوء القمر، فقد اتصلوا بـ"الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء" الأمريكية (وكالة "ناسا") سعياً للاستفادة من معرفتها وحكمتها حول كيفية تحقيق ذلك.
ولكن أحلام محمد بن سلمان اصطدمت بواقع مؤسف، فالمنطقة ورغم كونها نائية وصخرية ورملية، ليست خالية، فهناك أشخاص يعيشون فيها. ويقدّر عدد سكانها بنحو20,000 شخص، معظمهم من قبيلة الحويطات، ويكسبون رزقهم من حصاد أشجار النخيل وصيد السمك.
في الولايات المتحدة، يشمل "حق الاستملاك" - أي البيع القسري للأراضي اللازمة للتنمية إلى الحكومة - اللجوء إلى محامين. أما في السعودية، فقد تكون العملية أشد تعقيداً. وقد تعهد أحد السكان المحليين، عبد الرحيم أحمد الحويطي، عبر الإنترنت بالبقاء في منزله.
ونقل عبر تغريدات صرخات التحدّي التي أطلقها ضد تجمع للشرطة خارج منزله. وسجلت تغريدات نشرها آخرون إطلاق نار كثيف. وفي وقت لاحق، أظهر فيديو مسجل على الهواتف المحمولة أضراراً كبيرة لحقت بداخل المنزل. وقال بيان رسمي إنه قُتل في تبادل لإطلاق النار.
وفي جنازته، أحضرت كتيبة كبيرة من الشرطة جثته إلى المقبرة حيث تجمّع أفراد من قبائل محلية بكآبة. لكن نهاية القصة، أو هذا الجزء منها، سُطّرت صباح يوم الثلاثاء، عندما أفادت "وكالة الأنباء السعودية" الرسمية أن "مشائخ وأعيان وأبناء قبيلة الحويطات بمنطقة تبوك" رفعوا "أصدق عبارات الولاء" للملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان.
وأضافت، "قبائل الحويطات يعبّرون عن [...] دعمهم للمشاريع الكبيرة في نيوم" التي أطلقها صاحب السمو الملكي ولي العهد في منطقة تبوك وكذلك للمشاريع في آمالا.
("آمالا" هو اسم المشروع في البحر الأحمر الذي يهدف إلى تشجيع الزوار الأجانب على الاستمتاع بالمياه المرجانية الرائعة الجمال؛ وكان رجل الأعمال ومنظم السياحة البريطاني ريتشارد برانسون متحمساً للمشروع، حتى مقتل الصحفي السعودي المنشق جمال خاشقجي).
علينا أن نرى مدى استمرار قبيلة الحويطات، التي تمتد أيضاً إلى مصر والأردن، في الاستجابة لمشروع "نيوم" - الذي يتكون حالياً على ما يبدو من أكثر قليلاً من مجمع قصر ملكي واحد أو اثنين.
لكن يبدو أن "نيوم" يبقى جزءاً أساسياً من خطة «الرؤية 2030» التي أطلقها محمد بن سلمان والرامية إلى تحويل المملكة. وبالفعل، أفادت بعض التقارير أن محمد بن سلمان يقيم حالياً في المنطقة، مغلق في حجر مع مستشاريه.
وفي حين لا تزال أسعار النفط منخفضة– حيث كان سعر برميل خام برنت المتداول على نطاق واسع حوالي 23 دولاراً صباح يوم الأربعاء – إلّا أنه تتمّ إعادة الحسابات المتعلقة بخطط محمد بن سلمان وأجزائها التي سيتعين إما شذبها أو تأجيلها، سواء داخل المملكة أو خارجها.
وأفادت بعض التقارير يوم الاثنين أن صندوق الثروة السيادية السعودي استثمر 500 مليون دولار في شركة "لايف نيشن" للترفيه (Live Nation Entertainment)، وهي أكبر شركة لتنظيم الحفلات الموسيقية في العالم، مما يشير، بالنسبة للعديد من المراقبين، إلى وجود ثقة مفرطة في عالم ما بعد الفيروس.
ويتعارض ذلك مع تصريح صدر يوم الاثنين أيضاً من قبل مسؤول في "صندوق النقد الدولي" أشار فيه إلى أنه يجب استخدام صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط لتعزيز الاقتصاديات المحلية.
- سايمون هندرسون مدير "برنامج شؤون الخليج وسياسة الطاقة" بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذراع البحثي للوبي الإسرائيلي.
ارسال التعليق