الإعلام الخليجي يكتم صوت غزّة المذبوح
بقلم: أحمد فوزي...
ساعة واحدة في مشاهدة هذه المحطّات، تُشعرك أنك في غرفة تحرير إحدى المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية. هذا ما أدّى إلى انطلاق حملة في مصر تدعو إلى مقاطعتها نظراً إلى مساهمتها في التغطية على الإبادة الجارية في غزّة، وتصدير سردية الاحتلال عما يجري إلى العالم
يبدو أنّ الحرب على غزة ستترك انعكاساتها الطويلة، أقلّه، على المشهد الإعلامي. منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي والمشهد الإعلامي في حالة «غربلة» مستمرة. بينما تجعل الحرب من أشخاص عاديين، نجوماً ومشاهير بسبب مواقفهم الإنسانية والعادلة، تُسقط آخرين بسبب مواقفهم الصغيرة المتمثّلة في إدانة مَن يدافع عن أرضه، وفي اعتبار المحتل هو الذي يدافع عن نفسه أمام الشعب الفلسطيني. التأثير هذه المرة كان مع قنوات يفترض أنها «عربية» تتحدث بلسان أهل غزة ومعاناتهم وتصفها للعالم، على الأقل حتى نواجه الروايات الغربية والأميركية بالحقيقة التي لا تراها، كما تفعل القنوات الغربية برواية المحتل. لكن قنوات العرب تأبى ذلك أو ربما تخاف، بل إنّها تعمل في خدمة كيان الاحتلال وسرديّته، كسياط يواصل الضرب في أهل غزة ليزيد من معاناة الناس على الأرض.
قنوات يشعر مشاهدها أنها لا تخاطبه هو، إنما تخاطب الإسرائيليين. لذا، طالب صحافيون مصريون في مواقع التواصل وفي المجموعات الخاصة بنقابة الصحافيين المصريين، بمقاطعة قنوات «العربية» و«سكاي نيوز عربية»، داعين نقابة الصحافيين المصريين إلى اتخاذ موقف تجاه هذه القنوات ومقاطعتها، بعدما خذلت المشاهد العربي أثناء العدوان على غزة. وكتبت الصحافية في مؤسسة «الأهرام» هاجر حجازي إنّ تجاوزات قناتي «العربية» و«سكاي نيوز» كارثية على المستوى المهني، مشيرة إلى أنّ أحد التقارير التي شاهدتها عبر قناة «العربية» السعودية، أورد أنّ مقرّات لـ «حماس» تقع أسفل «مستشفى الشفاء» في غزة. أمر يذكّر بتقرير «بي. بي. سي» السابق عن وجود مقرّات وأنفاق لـ«حماس» تحت المستشفيات قبل أيام من وقوع مجزرة «مستشفى المعمداني». وقالت الصحافية إنّ القناة ومذيعيها يستخدمون مسمّيات تُرضي الكيان الصهيوني، مستخدمةً هاشتاغ «قناة «العربية» محرّضة». وطالب صحافي آخر بمنع دخول مراسلي القنوات إلى مبنى نقابة الصحافيين في القاهرة لأنهم يصفون الشهداء من الفلسطينيين بـ «القتلى». ووصلت التعليقات على المطالبات بمقاطعة هذه المحطّات إلى تسمية القنوات بالصهيونية طالما أنّها تعبّر عن وجهة النظر الإسرائيلية أكثر من أي شيء آخر.
على «سكاي نيوز عربية» (تأسست في عام 2012) مثلاً، تسمّي القناة ما يحدث اليوم في غزة من إبادة ومجازر بـ «التصعيد»، فيما تعترف طبعاً بـ «الجيش الإسرائيلي» الذي لا علاقة له بالاحتلال، لعلّه في نزهة في قطاع غزة هذه الأيام. وإمعاناً في «الحياد» الكاذب، تستضيف «سكاي نيوز عربية» إسرائيلياً مع كل عربي يظهر على شاشتها. وليل الأحد على سبيل المثال، كانت القناة تستضيف رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» المصري محمد عزالعرب، وعلى الجانب الآخر المحلل الصهيوني شلومو غانور الذي عرّفته المحطّة بأنه «كاتب وباحث سياسي» من دون تنويه إلى جنسيته. وطوال الوقت، كان يمكن للمتفرّج على القناة أن يرى مشاهد من تل أبيب وأخرى لنتنياهو ومتابعته للجنود الصهاينة وزياراته لهم، إلى جانب مشاهد لدبّابات إسرائيلية في خلفية الأحاديث والتعليقات على الأحداث. في المقابل، نادراً ما تظهر القناة الأرض المحتلة أو تعرض مشاهد من غزة نفسها، وبالطبع لا شهداء في «سكاي نيوز عربية»، فكلهم قتلى حتى إن كانت تنقل بياناً عن «تلفزيون فلسطين».
لا تختلف قناة «العربية» (انطلقت عام 2003) وتابعتها «الحدث» (2012) عن «سكاي نيوز عربية»، فلا شهداء من فلسطين أيضاً، بل قتلى أو ضحايا الحرب! وتشترك القناتان أيضاً مع «سكاي نيوز عربية» في أنّ المادة المصوّرة التي تُعرض مع الأخبار ليست من غزة، ونادراً ما يظهر فلسطينيون على الشاشة، كأن كثرة عرض مشاهد بعيدة عن الإبادة التي ترتكبها قوات الاحتلال سترسّخ لدى المشاهد بأنّ كل شيء هادئ في القطاع، وما الأمر سوى بضع معارك بين قوات الاحتلال والمقاومة الفلسطينية. وعند الحديث عن القطاع وما يحدث فيه، تتعمد قناة «العربية» أن تكون الصور الخلفية إما لمساعدات عند معبر رفح أو لأماكن تابعة للأمم المتحدة. وفي تقرير أخير لقناة «الحدث» عن المساعدات السعودية التي تصل إلى مطار العريش المصري، لم تكن هناك أي صورة في التقرير لغزة والخراب الذي حلّ بها، أو صورة لهؤلاء الذين ستذهب إليهم المساعدات الآتية من المملكة!
وفي وجه إحدى مذيعات «العربية»، وجه السفير الفلسطيني لدى بريطانيا حسام زملط انتقادات حادة مباشرة على الهواء للقناة التي تدّعي «الموضوعية» الكاذبة، إذ تصوّر أنّ هناك طرفين للصراع، وتستخدم مصطلحات تدعم رواية إسرائيل حول ما يحدث في غزة، فتعتبر مثلاً أنّ ما يحدث هو حرب بين جهتين، وليس «عدواناً إسرائيلياً يقترب من الإبادة الجماعية» كما قال السفير، مطالباً القناة بأن يكون هذا حديثها وهذه مصطلحاتها... فالمحطّة التي تصوّر ما يرتكبه جيش كامل بعديده وعتاده، بحق مواطنين عزل يدمّر منازلهم ويجبرهم على الرحيل، صراعاً بين طرفين، هي محطة تخون الحقيقة والموضوعية أولاً. اللافت أنّ ساعة واحدة في مشاهدة هذه المحطّات، تُشعرك أنّك تستمع إلى أخبار الكيان الصهيوني ولقطاته المصوّرة عن الإنفاق في أسفل «مستشفى الشفاء»، وتشعر أنك في غرفة تحرير إحدى القنوات الإسرائيلية، فرواية العدو عن الأنفاق تقرأ باستمرار على هذه المحطّات «العربية» من دون دليل واحد، فيما ما يقوله طرف الصراع الآخر ـــ باعتبارهما طرفين بحكم هذه القنوات ـــ غير موجود ولا متاح ولا يعرض على هذه الشاشات.
وتتفق الروايات التي تظهر على شاشات «سكاي نيوز عربية» و«العربية» و«الحدث»، مع توجهات الحكم في السعودية والإمارات، فلا موقف حقيقياً في البلدين تجاه ما يحدث في غزة منذ بداية العدوان حتى الآن، وما يُقال على هذه الشاشات وما يعرض عليها، ليس إلا انعكاساً للمواقف السياسية للبلدين المطبّعين مع الكيان العبري بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ارسال التعليق