آل سعود يصفقون لاستراتيجية ترامب من إيران.....والأوربيون ينتقدونها ويبتعدون عنها بمسافة
ما أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء يوم الجمعة الماضي 13/10/2017، عن استراتيجيته الجديدة تجاه إيران، مؤكداً رفضه الإقرار بالتزام إيران الاتفاق النووى، واعتبر أنه " أحد أسوأ " الاتفاقات في تاريخ الولايات المتحدة، حتى سارع النظام السعودي قبل غيره من كل حلفاء الولايات المتحدة، الى التصفيق لهذه الاستراتيجية والترحيب بها، حيث قالت وكالة الأنباء السعودية بعيد اعلان ترامب مباشرة، ان الرياض ترحب بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه ايران.
وأشادت الرياض برؤية ترامب في هذا الشأن والتزامة بالعمل مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لمواجهة التحديات المشتركة. وقالت السعودية ان ايران....
" استغلت العائد الاقتصادى من رفع العقوبات واستخدمته للاستمرار في زعزعة الاستقرار في المنطقة وبخاصة من خلال تطوير صواريخها البالستية، ودعمها الارهاب في المنطقة " . وأكدت السعودية التزامها التام باستمرار العمل مع شركائها في الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي لتحقيق الأهداف المرجوة التي أعلنها الرئيس الأمريكي.
وما يثير الاستغراب عند بعض المراقبين، هو أن النظام السعودي سارع إلى التصفيق لترامب دون الالتفات الى مخاطر هذه الاستراتيجية وتداعياتها على المنطقة وعلى النظام السعودي نفسه واستقرار المملكة السعودية، بعكس حلفاء الولايات المتحدة الأوربيين الذين هم أكثر قرباً من الادارة الامريكية، مقارنة بالنظام السعودي الذي وضعه ترامب في معادلة البقرة الحلوب، التي متى ما جف حليبها ترسل الى المقصلة لذبحها والاستفادة من لحمها !! فالأوربيون عارضوا هذه الاستراتيجية بقوة وانتقدوها وحذروا أمريكا من الذهاب اليها، حيث أصدرت كل من باريس وبرلين ولندن بياناً مشتركاً، أكدت فيه تلك العواصم التزامها بالاتفاق النووى... وقالت الدول الثلاث نحن رؤساء الدولة والحكومات في كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، نأخذ علماً بالقرار الذي اتخذه الرئيس ترامب بعدم الاقرار أمام الكونغرس الأمريكي باحترام ايران للأتفاق " " ونحن قلقون حيال التداعيات التي يمكن أن تنجم عنه" وتابعت في بيانها : " نشجع الأدارة والكونغرس الأمريكيين على أن يأخذا في الاعتبار التداعيات المحتملة لقرارهما على أمن الولايات المتحدة وحلفائها قبل إتخاذ أي إجراء من شأنه التعرض للاتفاق، على غرار إعادة فرض عقوبات على ايران سبق أن رفعت ".
ليس هذا وحسب وانما أعلنت فرنسا ان رئيسها إيمانول ماكرون يدرس التوجه الى ايران، تلبية لدعوة روحاني، بحيث تكون اذا تمت أول زيارة يقوم بها رئيس دولة، أو حكومة فرنسية لايران منذ عام 1971، وقالت الرئاسة الفرنسية ان الرئيسين تشاورا هاتفياً، وذكرّ ماكرون بتمسك فرنسا بالاتفاق النووي.
بدورها، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوربي فيديريكا موغريني إنه لا سلطة لدى ترامب لوضع حد لهذا الاتفاق في أي وقت...وشددت على ان " هذا الاتفاق ليس اتفاقاً ثنائياً، ليس معاهدة دولية " مضيفة: " بحسب علمي، لا يستطيع أي بلد في العالم أن يلغي بمفرده قراراً لمجلس الأمن الدولي نم تبنيه بالإجماع ".
فهل المعارضة الأوروبية الشديدة لقرار ترامب الآنف هي فقط بسبب الخوف من ضياع العقود والصفقات الاقتصادية والتجارية التي أبرمتها بعض الدول الاوربية، سيما فرنسا والمانيا وايطاليا، مع ايران، بعد الاتفاق النووي؟ على الرغم من الحرص الأوربي على عدم تضييع هذه العقود؟ بالطبع هذا سبب من الأسباب التي دفعت الأوربيين إلى هذه المعارضة بل والتهديد بالابتعاد عن الولايات المتحدة والتقرب من كل من روسيا والصين كما جاء ذلك على لسان وزير الخارجية الالماني، فالأوربيون أدركوا أن هذه السياسية التي يتبعها ترامب سوف تقود المنطقة والعالم الى حرب مدمرة، لا تقتصر على الإقليم فحسب وإنما ستتمدد الى كل العالم وتحرق الأخضر واليابس، هذا أولاً، وثانياً، ان مثل هذه السياسة، حتى وان لم تؤد الى حرب طاحنة، فأنها سوف تسلب الأمن والاستقرار في المنطقة، وبالتالي فأن مثل هذه الأجواء تشكل عائقاً كبيراً أمام التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأوربية ودول المنطقة ومنها السعودية أيضاً، وثالثاً : ان الأوربيين يدركون ان سياسة التوتير التي يتبعها ترامب سوف تفتح المنطقة على أفق الحروب، سواء بين ايران والكيان الصهيوني، أو بين ايران ودول الخليج العربية، فأنها ستؤدي بالنهاية إلى القضاء على كل العقود والصفقات الاقتصادية والتجارية بين الدول العربية في الخليج وبين الدول الأوربية. ولا يريد هؤلاء الأوربيون التفريط بهذه المصالح لمجرد ان ترامب غير راض عن الاتفاق النووي الإيراني. اكثر من ذلك ان إلغاء الاتفاق يشكل ضربة حتى للاقتصاد الأمريكي نفسه، وفي هذا السياق قالت محررة صحيفة (غلوبس) الإسرائيلية – الاقتصادية في 14/10/2017، والتي كانت ضيفة على القناة العاشرة بالتلفزيون العبري، انه بعد توقيع الاتفاق قامت إيران بالتوقيع على اتفاق مع شركة بوينغ الامريكية لشراء عدد كبير من الطائرات المدنية، والتي تصل تكلفتها الى 3مليارات دولار، وأضافت الى ان الاتفاق لم يخرج لحد الآن الى حيز التنفيذ، ولكن في حال فرض قيود وعقوبات جديدة على ايران من قبل الكونغرس، فإن ايران ستقوم بالغاء الصفقة، التي ستعود سلباً على الاقتصاد الأمريكي، كما لفتت إلى ان الدول الأوربية لم تتنازل عن الاتفاق مع إيران، بسبب حجم التبادل التجاري بين القارة العجوز والجمهورية الإسلامية، وهو الارتفاع الذي بدأ مباشرة بعد توقيع الاتفاق النووي مع طهران قبل سنتين ونيف..قالت محررة صحيفة غلوبس.
فإذا كانت الدول الأوربية على هذا المستوى من الخوف والقلق من قرار ترامب حرصاً على أمن الولايات المتحدة نفسها وحلفائها ومنهم الكيان الصهيوني والسعودية، وحرصاً على أمنها نفسها، اي الدول الأوربية، فلماذا لا تكون السعودية أكثر حرصاً وهي المعنية اكثر من غيرها بتداعيات قرارات ترامب في الغاء الاتفاق النووي الإيراني؟
ذلك ان خطاب ترامب أكد معطيات وحقائق في غاية الخطورة على السعودية نفسها كان ينبغي ان تكون لها درساً وعبرة لاتخاذ موقف مغاير تماماً لموقفها المؤيد والمصفق لترامب، ومن هذه المعطيات ما يلي:
1- أقر ترامب بأن ايران قوة إقليمية كبرى ولاعب أساسي ومؤثر في المعادلة الإقليمية والدولية، وذلك من خلال اشارته الى أنها لديها نفوذ كبير ومتعاظم في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وانها تقوم بتقوية وتسليح ما اسماها المنظمات الإرهابية في تلك الدول والمنطقة ( أي حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والجيش السوري في سوريا، والحوثيين في اليمن وحركات فلسطينية عدة).وهذا يعني بدوره فشل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، أو بعبارة أصح اقراره أي ترامب بفشل بلاده وحلفائه وعملائه في المواجهة مع هذا البلد رغم استخدام كل هذه الخطط والمشاريع والتي ليس أخرها، فشل الحرب بالوكالة عبر الإرهابيين من دواعش ونصرة ومن لف لفهم من القطعان التكفيرية المجرمة.
وبدون شك ان استخدام هذه القطعان في مواجهة ايران ومحورها في المنطقة يعني للقاصي والداني ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد المواجهة العسكرية المباشرة مع ايران، لمعرفتها ان هذه المواجهة مكلفة جداً بالنسبة لها على كل الأصعدة، ولذلك فأن تصعيد اميركا ترامب مع ايران يدفع بآل سعود وغيرهم من العملاء ليكونوا في مركز دائرة المحرقة وليست الولايات المتحدة، بمعنى ان المملكة السعودية هي التي ستكون وقود هذه المعركة أو الحرب ان وقعت بين ايران والولايات المتحدة، حسب توقع آل سعود، وهي توقعات ترتكز الى أوهام والى خيال لا يدور الّا في أذهان آل سعود !!
2- ان ترامب تجنب إعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، خوفاً من تبعات أي قرار يتخذه بهذا الشأن، لأن من تبعاته استهداف القوات الأمريكية، أو على الأقل تصبح هدفاً للحرس الثوري، هدفاً مشروعاً بحسب ما صرح به كبار قيادات هذا الحرس، وتجنب ترامب لهذا الأمر يكشف بوضوح ان الرجل نصحته وزارة الدفاع البنتاغون بأن لايذهب بعيداً في مهاجمة الحرس الثوري، لأن الولايات المتحدة يمكن أن تنجر الى مواجهة عسكرية مباشرة مع ايران، وهذا ما تحرص الولايات المتحدة على تجنبه بكل السبل، مما يعزز ذلك التحليلات التي تقول ان هذا التعصيد ( الترامبي) ضد ايران، ما هو الّا جعجعة إعلامية ونفسية الهدف منها إثارة أجواء ومناخات نفسية ضاغطة على ايران وعلى المنطقة وعلى الحلفاء الأوربيين وعلى العملاء السعوديين وغيرهم.
3- ان ترامب يصعد ضد ايران، ليس من أجل عيون السعوديين والعرب، وانما من أجل الكيان الصهيوني وامنه ومن أجل إرضاء الصهاينة، لان هولاء باتوا خائفين وقلقين من هزيمة أمريكا ومشاريعها في سوريا والعراق، وآخرها وليس أخيرها، مشروع الانفصال الكردي في شمال العراق، والذي أجهضه الجيش العراقي والحشد الشعبي ومن ورائهما الدعم الإقليمي، ولذلك يرى المراقبون والمحللون، أو بعضهم ان هذا التصعيد من جانب ترامب يدخل في إطار عملية إبتزاز أمريكي كبيرة وضخمة للسعودية ولبقية دول الخليج، من خلال التضخيم من الخطر الإيراني ، ومن خلال المبالغة في شيطنة طهران، ذلك من أجل دفع هذه الدول نحو المزيد من دفع الأموال وعقد الصفقات العسكرية، أو حتى دفعها كما أشرنا الى اتون المحرقة العسكرية، نيابة ودفاعاً عن الأمن الصهيوني. ولعلّ في استعادة القوات العراقية والحشد الشعبي الشيعي كركوك وآبار النفط فيها من بيشمركة مسعود البارزاني عبرة ودرساً للسعوديين، فأمريكا تخلت عن البارزاني ومجموعته، وهي التي شجعته على الاستفتاء والانفصال عن العراق، لكنها وقفت على الحياد لدرجة ان بعض سناتورات الكونغرس الأمريكي احتجوا على هذه السياسة بترك حلفائهم الاكراد بحسب قولهم أمام قوات بغداد وحشدها الشعبي، حيث الحقت الهزيمة بهم ودفنت مشروعهم، مشروع الانفصال، ومن ثم إلحاق الهزيمة بكل مشروع أمريكا في المنطقة. وفي هذا السياق أيضاً يقول " معهد واشنطن لدراسات الحرب ".." الملاحظ أن ما جرى في كركوك من انتصار واضح لحلفاء ايران على حلفاء امريكا يأتي بعد أيام قليلة من اعلان الرئيس الأمريكي رفضه التصديق على صفقة الاتفاق النووي التي وقعها سلفه في 2015، وهو ما سيعطي إشارة غير جيدة لحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط واروبا، بأن واشنطن تخلت عن أقدم حلفائها في المنطقة وهم الاكراد ".مايعني كل ذلك، ان السعودية ستجد نفسها لوحدها فيما لو ورطتها إدارة ترامب في حرب مع ايران، كما تخلت بالاضافة عن تخليها عن اكراد مسعود البارزاني، عن مبارك وزين العابدين بن على وقبلهما شاه ايران محمد رضا بهلوي، وهذا مايتطلب من آل سعود التفكير جدياً بانسياقهم الأعمى وراء المخططات الأمريكية والصهيونية، لأنهم ان ظلوا سادرين في اللهاث وراء هذه المخططات فسيكونون هم الضحية لهذه المخططات، وهم وقودها كما قلنا قبل قليل.
4- لم يؤدِ اعلان ترامب، ومنحه الأموال الطائلة، من أجل القيام به وهو مواجهة ايران عسكريا، بل على العكس كما اشرنا في ما مضى من سطور، ان ترامب عزل أمريكا، بسبب رفض الحلفاء الأوربيين لهذه الخطوة، ولرفض المنظمات والوكالات ذات الشأن بالملف النووي، وأصبحت أمريكا اكثر عرضة للازدراء والانتقاد ليس من أعدائها ومنافسيها مثل الروس والصينيين وحسب وانما من حلفائها الأوربيين وحتى من بعض الصهاينة أيضاً..بل يرى المحللون ان ترامب يعاني من العزلة الداخلية أيضاً فهو محاصر من البنتاغون والسي آي أي والخارجية وحتى من القضاء، وهذا الأخير طعن في اكثر القرارات التي اتخذها بمنع مواطني بعض الدول الاسلامية من السفر الى الولايات المتحدة، بمعنى ان هذا الشخص بات معزولاً من الداخل ومن الخارج ومن ثم ان المراهنة عليه ضرب من الوهم، اذ لا يبدوا هذا الرئيس البائس، كما يقول البعض، انه في وضع يسمح له بتغيير قواعد اللعبة بما يحقق للنظام السعودي طموحاته وآماله في الحاق الهزيمة باعدائه وعلى رأسهم ايران. وهذا ما أشار اليه مراسل الشؤون العسكرية في القناة العاشرة بالتلفزيون العبري، أ ورهيلر، بأن ترامب لم يأت على ذكر البديل في حال عدم إنصياع الجمهورية الاسلامية في ايران للشروط الامريكية، وقال في هذا السياق، ان الرئيس ترامب، خلافاً لسلفة، باراك أوباما، لم يلجأ الى التهديد بالتدخل العسكري، زاعماً في الوقت عينه ان الرئيس ترامب أراد ربما عن طريق ذلك إرضاء ناخبية والرأي العام في الولايات المتحدة، الذي بات ليس مستعداً وليس جاهزاً لإرسال قوات عسكرية لمحاربة ايران في الشرق الأوسط. على حد قوله. بمعنى ان تهديدات ترامب وزمجرته لم تكن سوى جعجعة إعلامية لا قيمة لها، وبالتالي فأن مراهنة آل سعود على هذا الشخص مراهنة خاسرة، وعليهم أن يؤبوا الى رشدهم ومراجعة حساباتهم، ومن ثم تصويب سياساتهم بالشكل الذي يتماشى ومصالح بلدهم وأسرتهم ومصالح المنطقة فهل يتعظوا ويرعووا؟ نأمل ذلك.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق