سقوط الجوف.. تعاظم انتكاسات آل سعود في اليمن
التغيير
شكل سقوط مدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف اليمنية (شمال البلاد) دليلا واضحا على تعاظم انتكاسات نظام آل سعود في حربه الفاشلة في اليمن المستمرة منذ أكثر من خمسة أعوام.
وبعد معركة عنيفة استمرت أسابيع اقتحمت جماعة أنصار الله يوم الأحد الماضي مدينة الحزم، بعد أشهر من القتال ضد القوات الحكومية التي سيطرت على المدينة منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015.
وازدادت المعارك ضراوة في الجوف، وتحديداً في مديرية الغيل (25 كلم غرب الحزم)، خلال الأيام الماضية الماضية، مع دفع أنصار الله بتعزيزات بشرية ضخمة إلى المنطقة لحسم المعركة.
والجوف إحدى المحافظات اليمنية المتاخمة لحدود آل سعود، وتكتسب أهمية استراتيجية في النزاع الدائر منذ نحو ستة أعوام بين حكومة هادي والتي يدعمها التحالف بقيادة آل سعود، وجماعة أنصار الله.
وللجوف أهمية استراتيجية تبعاً لموقعها، في الصراع الدائر في اليمن، إضافة إلى أنها تمثل خزاناً ضخماً للنفط في البلاد. وتعد الجوف أكبر المحافظات الشمالية مساحة، إذ تصل إلى 39 ألفاً و400 كيلومتر.
وتشترك الجوف في حدود مفتوحة إلى الغرب مع محافظتي صعدة وعمران (الخاضعتين لسيطرة أنصار الله)، ما يعني أن استيلاء جماعة أنصار الله عليها يعزز من حظوظ الجماعة في تأمين معاقلها.
من جهة أخرى، تدفع سيطرة أنصار الله على الجوف، نحو تلاشي آمال حكومة هادي في استعادة صعدة وعمران، إضافة إلى العاصمة صنعاء، كما تشكل خطراً على محافظة مأرب المتاخمة للجوف من جهة الجنوب، والتي تنطلق منها عمليات قوات هادي ضد أنصار الله في منطقة الشمال.
ولا تقتصر الأهمية الاستراتيجية على الأراضي اليمنية وحسب، إذ تشكّل سيطرة أنصار الله على الجوف خطراً على آل سعود، التي تتشارك معها أكثر من 266 كليو متراً من حدودها الجنوبية، ما يجعلها عرضةً لاستهدافها من قبل أنصار الله بشكل أكبر.
وفي 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بدأ أنصار الله هجوماً واسعاً على الجوف، بُغية السيطرة عليها.
وأبدى أنصار الله يون ضغطاً عسكرياً لحسم المعركة ودخول الحزم من ثلاثة محاور رئيسية هي: الغيل والمتون (غرب)، وخب الشغف (شمال).
وظل أنصار الله يهاجمون بكثافة على المحاور الثلاثة أملاً في حدوث اختراق يمنحهم التوغل باتجاه الحزم، وهو ما حدث السبت، على جبهة الغيل، التي تفتقر فيها قوات هادي إلى الحاضنة الاجتماعية.
واعتبر سفير اليمن لدى اليونسكو محمد جميح أن سقوط الحزم في أيدي أنصار الله “انعكاس طبيعي” لبقاء القيادات السياسية والعسكرية خارج البلاد، وانشغال المكونة الداعمة لحكومة أنصار الله بالمكايدات والمعارك الجانبية، إضافة إلى الكشوفات الوهمية داخل قوات هادي.
ووجه مسئولون يمنيون انتقادات لاذعة لتحالف آل سعود عقب سقوط الحزم، خاصة أن الحدث سبقه إيقاف لمرتبات القوات الحكومية يشير إلى “مخطط” لتصفية “حكومة هادي” في أماكن نفوذها.
كما انتقد هؤلاء التعيينات العسكرية الجديدة في رئاسة هيئة الأركان اليمنية، وقالوا إنها تأتي تحضيراً “لطاولة تسوية” ستمنح للحوثي وتركة صالح (النظام السابق) الكلمة الأولى في الشمال اليمني.
وقد أقرّت حكومة هادي بخطورة الوضع العسكري بعد سيطرة أنصار الله على أجزاء واسعة من محافظة الجوف الاستراتيجية، ودفعت بعدد من أعضائها الموجودين في العاصمة الرياض إلى مدينة مأرب، في خطوة تهدف على الأرجح إلى توحيد الصفوف تحسبا لأي هجوم محتمل من أنصار الله على المحافظة النفطية، شرقي البلاد.
وطالب رئيس حكومة هادي معين عبد الملك، في اتصالات هاتفية أجراها مع أبزر القيادات العسكرية للشرعية، بضرورة معالجة أي جوانب اختلال قائمة داخل المؤسسة العسكرية، وتوعد بـ”عدم التهاون مع أي تقصير من المسؤولين، وعلى رأسهم القيادات العسكرية والأمنية في أداء واجباتهم والمهام المناطة بهم على الوجه الأمثل”.
وهذه هي أول تعليقات لأرفع مسؤول حكومي يمني بعد يومين من سقوط مدينة الحزم في أيدي أنصار الله، وسط مخاوف من أن يفتح الاجتياح السلس لمناطق الجوف شهية الجماعة، وتواصل التوغل نحو محافظة مأرب، التي تعد المعقل الوحيد حاليا للشرعية، خصوصا أن المدن الجنوبية المحررة ما زالت فعليا تحت قبضة المجلس الانفصالي الجنوبي المدعوم إماراتيا.
ووفقا لوكالة “سبأ” الرسمية، فقد شدد رئيس حكومة هادي اليمنية، خلال اتصالاته مع وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان وقائد المنطقة العسكرية الثالثة، على “رص الصفوف وتوحيد الجهود، والابتعاد عن الحسابات الضيقة، وتغليب المصالح الوطنية العليا”.
وتوحي تصريحات رئيس حكومة هادي، التي تتحدث عن رصّ الصفوف ومحاسبة القيادات العسكرية المقصّرة، بوجود خلافات عميقة داخل قوات هادي ساهمت في تمكين أنصار الله من السيطرة على عدد من مدن محافظة الجوف في وقت قياسي.
وبعد تزايد السخط الشعبي على حكومة هادي واتهامها بالتفريط بالجوف والاكتفاء بإدارة الدولة من الرياض، بدأت حكومة هادي بالدفع بعدد من أعضائها إلى محافظة مأرب، بهدف متابعة المعركة عن قرب، والترتيب لاستعادة الجوف.
وقال مصدر حكومي إن وفدا حكوميا مصغّرا، برئاسة وزير الإدارة المحلية عبد الرقيب فتح، وصل إلى مدينة مأرب، مساء الثلاثاء، وذلك ضمن خطة لعودة كامل حكومة هادي خلال الأيام المقبلة للعمل من المحافظة النفطية شرقي البلاد.
وأشار المصدر إلى أن ترتيبات تجريها السلطة المحلية بمأرب لوصول رئيس حكومة هادي وباقي الأعضاء، وذلك بهدف توحيد صفوف قوات هادي، و ”الوقوف على متطلبات معركة تحرير الجوف، أو تأمين مأرب من أي هجوم محتمل لأنصار الله”.
ارسال التعليق