بين محمد بن سلمان وجده عبدالعزيز «3»
بقلم: سامي كمال الدين
أوحى الملك عبد العزيز بن سعود للعالم الإسلامي، منذ بدأ حربه في الحجاز، في مواجهة الشريف حسين بن علي وابنه، بأنه ليست لديه رغبة في حكم الحجاز، وبأن الحكم سوف يكون شورى بين المسلمين، حسب قول مستشاره حافظ وهبه في كتابه «جزيرة العرب في القرن العشرين».
سيطر الملك عبد العزيز على بلاد الحجاز، ومن ثم حضرت وفود الدول الإسلامية مثل الهند وسوريا ولبنان وجاوة وسومطرة.. واتجه التفكير إلى تكوين حكم جمهوري يشارك فيه جميع المسلمين.
وهنا قدح فكر الملك عبد العزيز ومن معه بتأليف لجنة من أعيان مكة وجدة تبايعه ملكاً على بلاد الحجاز، لينشر بياناً يلغي فيه المؤتمر الإسلامي، الذي دعا إليه الوفود الإسلامية بنفسه.
أقيم احتفال كبير بالبيعة في المسجد الحرام عام 1926 للسلطان عبد العزيز بن سعود على سنة الله ورسوله وعلى نهج الصحابة والسلف الصالح والأئمة الأربعة.
روى أمين الريحاني في كتابه «تاريخ نجد الحديث» ص 427 قصة البيعة كاملة، وفيها قول الخطباء ومدح الشعراء، وخطبة عبد العزيز...
لاقت البيعة مواقف رافضة لها في مصر والهند، وقرروا أن عبد العزيز خانهم وتخلى عن وعده لهم واتفاقه معهم.
كان حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز في مصر وقت البيعة، فأرسل له كتاباً مما جاء فيه: «إن رويتر اليوم نشرت بأنكم ناديتم بأنفسكم ملكاً على الحجاز، فإنْ كان هذا الأمر صحيحاً فقد غشّكم من أشار عليكم بذلك لأن هذه المسألة أثارت الرأي العام في الخارج ضدكم.
هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى أنه لا ينطبق مع العهود التي قطعتموها على أنفسكم أمام العالم الإسلامي وملوك المسلمين في تشكيل حكومة الحجاز، ولو تريثتم قليلاً لحين انعقاد المؤتمر الإسلامي وتقريره مصير البلاد لكان خيراً وأبقى، والنتيجة كانت لكم على كل حال. ويظهر أن هناك أيادي أثمة حسنت في نظركم هذا الأمر....».
رد الملك عبد العزيز على حافظ وهبة، بأنه لم يستطع إثناء الناس عن اختيارهم له، وبيعتهم إياه، وأنه وافق لأجل أمن الحجاز واستقرار الأمة الإسلامية!
رفضت جمعية الخلافة الإسلامية في الهند البيعة، وكذلك جمعية خدام الحرمين، التي عقدت مؤتمراً إسلامياً طالبت فيه المسلمين بعدم تشجيع الحج بسبب سيطرة الحكم الوهابي على الحجاز.
يقول د. علي الوردي مستنداً إلى دائرة الوثائق البريطانية في لندن أن جريدة «أم القرى» هاجمت هذا المؤتمر، وانتقدت قراراته، وأطلقت على جمعية خدام الحرمين بأنها جمعية أعداء الحرمين.
لكن موسم الحج جاء وذهبت الوفود والحجاج إليه، وجاء وفد مصر ومعه المحمل المصري، الذي اعتادت مصر أن ترسله كل عام، يحمل كسوة جديدة للكعبة، يترأسه محمود عزمي باشا، ومعه فرقة موسيقية عسكرية وجنود ومدافع.
وصل «المحمل النبوي» إلى ساحة الحرم والتف الناس حوله سعداء به، وما إن وصل بعد ذلك إلى منى متجهاً إلى جبل عرفات، حتى التف حوله مجموعة من أتباع محمد بن عبد الوهاب، وكان يطلق عليهم الإخوان، وهم خلاف جماعة الإخوان المسلمين بالطبع، وأخذوا يهتفون «هبل.. هبل؛ وقذفوا المحمل بالحجارة، لأنهم يرون أن المحمل وثن يعبد من دون الله، والموسيقى التي تتقدمه بوق الشيطان. طلب منهم محمود عزمي باشا الابتعاد، لكنهم لم يأبهوا، طلب من جنوده إطلاق النار في الهواء لتخويفهم لكنهم لم يستجيبوا، وذكرت بعض المصادر أنهم بدأوا في إطلاق الرصاص، مما دعا بعزمي باشا أن يأمر جنوده بإطلاق الرصاص والقنابل عليهم، ليقتل منهم 25 رجلاً.
ينقل الوردي عن آرمسترونج أن «ابن سعود اقترب عقب الحادثة من أمير الحج المصري محمود عزمي باشا، وأخذ يعنفه على ما فعل، فرد عليه الباشا قائلاً مع شيء من الزهو والعجرفة: «احتراماً لجلالتكم توقفت عن الضرب، ولولا ذلك لأفنيت هؤلاء الغوغاء كلهم». فسيطر ابن سعود على أعصابه، وقال له «ليس هذا وقت التفاخر، فهنا مكان مقدس أمر الله أن لا يقتل فيه أحد، وأنتم ضيوفنا وتحت حمايتنا، ولولا هذا لعاقبتك».. ولست هنا بصدد تقييم أيهما محق، فمن كتبوا التاريخ، كل كتبها من زاويته.
لما عرف الملك فؤاد بالخبر غضب وأوقف إرسال كسوة الكعبة، وأوقف إرسال الأموال إلى الحجاز.
ربما سمع عبد الفتاح السيسي بالملك فؤاد، لكنه قطعاً لم يسمع عن محمود عزمي باشا، الذي رأى أن الصحافة هي السلطة الرابعة، وقاتل لأجل حريتها، وأسس عدداً من الصحف، وكان أول رئيس تحرير لجريدة روز اليوسف اليومية عام 1935، وكان رئيس وفد مصر الدائم في الأمم المتحدة، ومات بأزمة قلبية في الأمم المتحدة، وهو يرد على الأكاذيب الإسرائيلية بشأن احتجاز السفينة «بات كاليم» عام 1954
لو وجد محمود عزمي باشا في عهد الأمير محمد بن سلمان والسيسي لتم قتله بتهمة الخيانة العظمى أو الانتماء لجماعة إرهابية!
ارسال التعليق