أزمة الطاقة تتفاقم في البلاد جراء عجز السلطات ورضوخ المواطن
من المعلوم أن الطاقة بكافة أصنافها وأنواعها تلعب دوراً مهماً وحيوياً في حياة الشعوب الاقتصادية والاجتماعية لما لها من تأثير مباشر على المجتمع من الناحيتين المعيشية والرفاهية.
وهذه الحقيقة تبدو جلية بشكل أوضح في الدول التي تمتلك خزيناً كبيراً واحتياطياً ضخماً من الطاقة وفي مقدمتها بلادنا والتي يفترض أن يكون شعبها في أفضل حالاته المعيشية والخدمية، لكن الحقيقة ليست كذلك خصوصاً في السنوات الأخيرة، وتحديداً بعد توريط البلاد في الأزمات الخارجية كالحرب على اليمن ودعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة في المنطقة والعالم.
والرسوم التي فرضتها الحكومة على قطاع الطاقة بنسب تتراوح بين 50 إلى 100% بما فيها البنزين والديزل بحجة التقشف قد أرهقت كاهل المواطن الذي يعاني في الأساس من تدني الأجور وارتفاع أسعار السلع والبضائع الأساسية، فضلاً عن البطالة المتفشية في شرائح اجتماعية واسعة لاسيما في أوساط الشباب ومن بينهم الالاف ممن يحمل شهادات أكاديمية تؤهله للعمل في شتى مفاصل الدولة.
وعانت السعودية من عجز غير مسبوق في الميزانية، ما دعاها إلى إقرار خطة تقشف لتقليل الإنفاق الحكومي. وسجّلت عجزاً كبيراً في السنوات المالية الثلاث الماضية، بلغ إجماليها أكثر من 200 مليار دولار، ما اضطرها إلى سحب 250 مليار دولار من احتياطاتها النقدية. كما اقترضت عشرات مليارات الدولارات من أسواق محلية ودولية لتمويل هذا العجز، فيما تعتزم السلطات فرض ضريبة على القيمة المضافة بنسبة خمسة بالمئة، مطلع العام القادم( 2018).
وهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة رفع أسعار الوقود، حيث سبق أن أقدمت على ذلك في ديسمبر/كانون الأول عام 2015. وهناك مقترحات حكومية لرفع الأسعار خلال الشهور القادمة وبنسب عالية من شأنها أن ترهق كاهل المواطنين والاقتصاد والشركات والمشاريع الصناعية وقطاع انتاج الكهرباء، وبكل تأكيد سيؤدي ذلك إلى تراجع النمو الاقتصادي في عموم البلاد، لاسيما وأن وزارة الطاقة السعودية قد أعلنت قبل أيام أنها ستقوم في الربع الأول من العام المقبل بزيادة أسعار البنزين ووقود الطائرات والديزل.
وكان صندوق النقد الدولي قد حثّ الرياض على إرجاء رفع أسعار الوقود لحماية الاقتصاد في بلد يضخ نحو عشرة ملايين برميل من النفط يومياً.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن منظومة الكهرباء في السعودية تعاني أيضاً من ضعف في الكفاءة، حيث لا تعمل كل المحطات بنظام الدورات المركبة التي توفر كثيراً من الطاقة، كما أن الغاز الطبيعي لا يشكل وقوداً إلا لنصف المحطات. بالإضافة إلى ذلك لا توجد منظومة نقل عام كاملة واقتصادية لدعم هذا القطاع في عموم البلاد.
وتأزم الاقتصاد السعودي بعد تهاوي أسعار النفط، خاصة أن اقتصاد البلاد يعتمد على الإيرادات النفطية كمصدر رئيسي. وقد بدأت السلطات بالبحث عن إيرادات مالية جديدة منذ مدة ليست بالقصيرة.
في سياق متصل نقلت وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية عن مصدر سعودي مطلع قوله إن الحكومة السعودية تنوي رفع أسعار الوقود بنسبة 80% بداية شهر يناير/كانون الثاني القادم. كما تعتزم رفع أسعار وقود الطائرات الشهر المقبل ودون أي تدرج. وأشارت الوكالة إلى أن الزيادات ستشمل أيضاً أسعار وقود السيارات (البنزين) والديزل والكيروسين وزيت الوقود.
وينبغي أن لانغفل هنا دور الشعب في تثبيت أسعار الطاقة داخل البلد، ومقارنة ذلك مع دول تمكنت شعوبها من إرغام حكوماتها على خفض أسعار الوقود باعتباره مطلباً جماهيرياً مشروعاً وجزءاً مهماً من الواجبات الملقاة على عاتق الحكومة التي ينبغي أن تضطلع بمسؤولياتها في هذا المجال استجابة لتطلعات الشعب، لاسيما في بلادنا التي يجب أن تكون في طليعة البلدان في هذا المضمار لوفرة مصادر الطاقة لديها بشكل يفوق التصور.
وكثير من الحكومات قد سقطت أو اضطرت لتقديم استقالتها بسبب فشلها في توفير الطاقة لشعوبها أو تحديد أسعارها بما يتناسب مع الدخل السنوي للفرد، وإن لم يكن ذلك فعلى الأقل أن يقوم الوزير المعني بتقديم استقالته إن كان يحترم نفسه ومسؤولياته أو يتم تقديمه للمحاسبة، لإجباره على تحسين السياسة المتبعة من قبله في هذا الميدان. ولكن يبدو أن القضية في السعودية لاتتعلق بالوزير وحده، بل یقف وراءها النظام الذي یتعمد إذلال المواطن والتضييق عليه بذرائع واهية لتحقيق أهداف غير مشروعة وغير قانونية.
ومن الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة في البلاد على الرغم من انخفاضها في الأسواق العالمية هو سوء التخطيط والإدارة، بالإضافة إلى عدم حرص السلطات على تطوير هذا الجانب الذي ينعكس بشكل مباشر على باقي الجوانب الحياتية، وهذا الأمر يتطلب من كافة شرائح المجتمع النهوض والتكاتف لمطالبة الحكومة بإيجاد حلول عملية ومنطقية لهذه الأزمة، وتحذيرها من مغبة التمادي في هذا المجال، وتوعدها بالإطاحة بها في حال لم تستجب لهذا الأمر، وهو مطلب طبيعي ومعقول جداً في ظل المتغيرات التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية، حيث تسعى كثير من الشعوب لنيل حقوقها المشروعة وفي مقدمتها العيش بحرية وكرامة وسعة من العيش، لاسيما وان البلاد تتوفر فيها كافة مستلزمات العيش الرغيد لما تمتلكه من طاقات ومصادر طبيعية في طليعتها النفط والغاز، بالإضافة إلى أنها تأتي في مقدمة البلدان المنتجة والمصدرة للطاقة، وهذا يفرض عليها أن تكون بمستوى تطلعات الشعب وطموحاته. لكن تبقى مسؤولية الشعب وكلمته هي الفيصل في تحقيق هذه الطموحات والتطلعات ؛ فإما أن تستجيب الحكومة لهذه المطالب المشروعة أو تعلن فشلها أمام الملأ تمهيداً لإقالتها، أو ينهض الشعب ليقلعها من جذورها لأن الحجة قد تمّت عليها ولم يبق سوى خطوات لإبعادها وينبغي أن لا يتأخر ذلك كثيراً لأن الضريبة ستكون باهظة وباهظة جداً على كافة الأصعدة وليس على الصعيد الاقتصادي وحده.
ارسال التعليق