السعودية أنهت الحريري سياسياً منذ عام 2017 ولا وريث سياسي له
حزيناً غادر سعد الحريري تاركاً موقعة السياسي خالياً بعد 17 عاماً من تعيينه رئيساً لتيار المستقبل، واستحواذه بذلك على زعامة الطائفة السنيّة.
سنوات عصيبة مرّت بالرجل الذي عاد في جلباب أبيه الراحل رفيق الحريري محاولاً الاستئثار بإرثه السياسي والمالي والشعبي.
كانت الأمور تسير على ما يرام، حتى جرى تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد في “السعودية” عام 2017.
لم يصبر الأخير أبداً على الحريري، فاستدعاه سريعاً إلى الرياض بخديعة الدعوة إلى “رحلة صيد”.
الحريري الذي ذهب آنذاك بلباس رياضي متشوّقاً لرحلة الصيد تلك، لم يكن يعرف أنه هو “الفريسة”.
ذهب الحريري ولم يعد إلا بعد استنفار دولي لإخراجه “حيّاً” من براثن الرياض حيث احتُجز في فندق “ريتز كارلتون” وأُجبر على تلاوة بيان الاستقالة من رئاسة الحكومة اللبنانيّة.. عاد الحريري إلى لبنان حيّاً كما أرادت قوى خارجية وداخلية، لكنه بالنسبة للرياض كان قد انتهى وصار بحكم “الميّت سياسياً”.
لعبة الحظ صادفت الرجل بالتسوية السياسية التي دعمتها دول عربية وغربية في لبنان آنذاك، بالإضافة إلى علاقاته الجيدة بجميع الأطراف اللبنانية.
ارتدى بزّته الرسميّة ورجع الحريري إلى لبنان خائباً ببلد كان بمثابة “الأم الحنون” بالنسبة لآل الحريري.
ومنذ ذلك الحين يرتجي الرجل صك الغفران من الرياض، إلا أن الأخيرة أغلقت أبوابها بوجهه للأبد، فغدا ينازع سياسياً حتى اجتمعت عليه الظروف غير المؤاتية لتقضي عليه، وصار كما لم يرد يوماً: “خارج المشهد السياسي”.
واستهلّت الصحفيّة اللبنانيّة ميسم رزق كلامها بالقول إن: “سعد الحريري لا يزال يراهن على ظروف المنطقة بشكل ما”، ذلك أن توافر ظروف أخرى مغايرة، قد تسمح له بالعودة إلى العمل السياسي. طبعاً سعد الحريري بحسب رزق، يُفضّل أن يكون داخل المشهد وأن يكون رئيس حكومة، وصاحب موقع له كتلة نيابيّة، لكن الظروف غير المؤاتية التي اجتمعت عليه في الداخل والخارج منعته من الاستمرار في العمل السياسي.
تشير رزق إلى أنه كان هناك فيتو سعودي على وجوده يمنع أي وساطة مع “السعودية” لإعادة فتح الباب أمام الحريري، فلمس إذ ذاك الأخير، أنه هناك إجماع عربي ودولي وأمريكي وأوروبي على التخلّي عنه، وهو أصلاً يعاني بسبب الأزمة الماليّة، بمعنى هو لا يملك المال السياسي لتمويل أيّة حملة انتخابيّة، فضلاً عن أنه لديه مشاكل داخل تنظيم تيار المستقبل، مشكلة تمويل ومشكلة دعم سياسي من الخارج. اجتماع هذه الظروف الثلاثة وأهمها التخلّي السعودي عنه، دفعه إلى الانسحاب من المشهد.
هذا الانسحاب هو بمثابة أمر وليس الحريري هو من قرّر ذلك بنفسه، إنما كان ثمّة عدّة إشارات ورسائل وصلته من “السعودية” مفادها “انسوا سعد الحريري فنحن لا نريده وهو لا يمثّلنا، ولا نريد أن ندعمه بأي موقف من المواقف”.
وعن استخدام الحريري لكلمة “تعليق” العمل السياسي ودلالتها، توضح الصحفية اللبنانية أن هذه الكلمة تعني أنه لن ينسحب من المشهد السياسي بشكل كامل، ولكن ظروف عودته ليست مؤكّدة. مع العلم أنه منذ الآن وحتى تتوافر الظروف المناسبة، سيكون تيّار المستقبل خارج الحلبة السياسيّة، وخارج المشهد.
يمكن أن تعود الظروف وتتوافر بعودته، ويمكن لا، لذا لم يكن يستطيع القول “حل تيار المستقبل” لأن هذا الأمر بحد ذاته سيشكّل صدمة لدى الجمهور، وله تأثير سلبي كبير عليهم.
قرار إنهاء الحريري تنقلنا رزق في خضمّ الحديث عن استقالة الحريري إلى اليوم الذي اختطفته فيه الرياض وأجبرته على الاستقالة بعدما احتجزته في فندق وأهانته، لتؤكد أن قرار إنهاء الحريري صدر منذ ذلك الحين عام 2017، أي كان هناك قرار سعودي بتصفية الحريري سياسياً.
لكن أيضاً كان هناك ظروف غربيّة مؤاتية له بالإضافة إلى تمتعه بدعم دولي في ذلك الحين، خصوصاً من قبل الفرنسيين الذين أجروا وساطة في العام 2017، فنجحوا في استرجاع سعد الحريري من براثن الرياض.
هذا كان سبب إضافي لمضاعفة الغضب السعودي على سعد الحريري ولزيادة نقمة السعوديين عليه.
“بعد تدخّل الفرنسيين وإجبار السعوديين على إطلاق سراح الحريري زاد هذا الغضب وتحوّل إلى رغبة في الانتقام، بالتالي، لم يكن للرياض القدرة على إنهاء دور الحريري بشكل نهائي تجعله خارج السياسة لأنه كان ثمّة ظروف داخليّة وخارجيّة ساعدته على البقاء، في المقابل كان الحريري طيلة هذه المدّة هو من ينهي نفسه بنفسه إلا أن الظروف لم تكن تساعده” تقول رزق.
وتذكر أنه في الـ2017 كان هناك تسوية رئاسيّة، كذلك كان ثمّة تحالف بين الحريري والرئيس ميشال عون، وبين الحريري والوزير جبران باسيل.
كانت علاقته جيّدة مع عدّة أطراف داخلية منها الوزير سليمان فرنجية، وكانت علاقته لا تزال إلى حد ما متوازنة مع النائب وليد جنبلاط، بالإضافة إلى ذلك، لم تكن علاقته متوتّرة مع القوّات اللبنانية كما هي اليوم، حتى أن علاقته مع الاحزاب الشيعية كحزب الله وحركة أمل كانت لا تزال مستقرة، ولا تزال جيدة مع الرئيس نبيه بري.
بالتالي كان الحريري لا يزال يتحلّى بدعم داخلي، وكان لا يزال بالنسبة للأمريكيين والمصريين.
أما بالنسبة لروسيا فكان الزعيم السنّي الأول الذي يجب التعامل معه.
ولذلك كان الحريري مستفيد من هذا الدعم ولم تستطع “السعودية” آنذاك إجباره على تقديم استقالته.
ولكن اليوم الرئيس سعد الحريري فقد كل هذه المقوّمات، بما في ذلك الدعم الداخلي والدعم الخارجي، فلم يعد الرجل المعتمد أمريكيّاً، ولم يعد الوكيل الحصري لفرنسا في لبنان، وروسيا لا تستطيع أن تقدّم له الدعم.
الدول الخليجيّة أيضاً جميعها تؤيد الرياض في موقفها حيال الحريري وكذلك المصريين لا يستطيعون القيام بأي دور.
وبالتالي فقد الحريري كل هذا الدعم الداخلي والخارجي، وبالتقاطع مع الفيتو السعودي، توافرت الظروف مرّة أخرى، لكن هذه المرّة كي تخرجه كلياً من المشهد السياسي.
تناثر تيار المستقبل إلى هنا، تشدّد الصحفية اللبنانية على أن إرث الحريرية السياسيّة في لبنان لن يأخذه شخص واحد، فلا وجود لزعيم في الطائفة السنيّة غير سعد الحريري، بالطبع ذلك لا يعني أنه لا يمكن لأحد أن يحلّ مكانه ولكن هذه التركة سيتقاسمها عدد من الأشخاص يمكن أن يكونوا أبناء عائلات تترشّح في عدد من المناطق اللبنانيّة بما في ذلك صيدا، الإقليم، الشمال، عكار، وغيرها، ويمكن أن يكونوا رجال أعمال متموّلين يترشّحون عن مقعد نيابي ما، بحيث يدفعون مبالغ مالية لشراء أصوات الناخبين ثم يتحالفون مع قوى سياسية أخرى أو مع شخصيّات مستقلة.
حينها يستطيعون تأمين حاصل وبالتالي الفوز في مقعد نيابي. كما سيكون هناك وراثة للمقاعد، لكن الأكيد أنه لن يكون هناك وراثة لتيار المستقبل لأن هذا التيار سيتحوّل إلى تيارات، بمعنى أنه حالياً هو عبارة عن كتلة نيابية تتألف من 22 نائب، ستتحوّل إلى أربع أو خمس كتل، كل منها هي عبارة عن نائبين أو ثلاثة بحسب التحالفات، لكن لن يكون هناك وراثة بمعنى الانتقال. اليوم وفق رزق، ثمّة تيار سوف يتناثر، ومن ثم تأي مجموعة أطراف لوراثته بحيث أن كل طرف يحصل على جزء منه، بما في ذلك النواب، النشطاء، الكوادر، جزء من الجمهور، ولكن هذه التركة لن يأخذها شخص واحد.
اليوم مثلاً نسمع بأن بهاء الحريري سوف يترشّح، وأن بعض العائلات لم تلتزم بقرار سعد الحريري التي طلب منها عدم الترشّح. لا بديل للرياض عن الحريري في لبنان بالنتيجة، ليس هناك شخصيّة سنيّة مهيّئة لاستلام زعامة سعد الحريري، حتى أن دار الفتوى الذي يشكّل مرجعيّة روحيّة سنيّة لم يكن لديها موقف واضح في هذا المجال. اليوم هناك عدّة أطراف على الساحة السنيّة ليسوا جدد بل قدامى ولديهم جمهور وحيثيّة وشعبيّة وكانوا يخوضون الانتخابات وسيخوضونها مجدداً.
الكتلة الوحيدة التي ليس لديها رأس في لبنان اليوم هي كتلة تيار المسقبل، والأكيد أنه لن يرث هذا التيار شخصيّة واحدة، ذلك أن الأطراف الأخرى التي كانت موجوة مع الرئيس الحريري أمثال الرئيس نجيب ميقاتي، الرئيس فيصل كرامي، وفؤاد مخزومي، أو أي فئة أخرى من الطائفة السنية ستبقى تمارس دورها من موقعها.
السؤال اليوم: “من هو وريث سعد الحريري في المساحة التي كان يسيطر عليها”.
الجواب: ليس هناك من شخص واحد بإمكانه أن يرث التيار ويخوض معركة معينة تخوّله لخوض الفتن التي تريدها الرياض في لبنان.
حتى أن الرياض ليس لديها بديل عن سعد الحريري حتى تقوم بتبنيهم، هي ستراقب الجميع في الوقت الحالي لترى من هم المرشّحون، وما هي برامجهم وعناوينهم، وعلى أساس ذلك ستقرّر دعمها لهم أم لا، لكن حتى الآن لم يظهر أي طرف جدّي في الطائفة السنيّة ليكون ممثل الرياض في الداخل اللبناني، تنهية الكاتبة اللبنانية كلامها.
ارسال التعليق