العوامية.. قصة إجرام سعودي
بحلول العاشر من يونيو الحالي سيكون قد مضى شهر على بدء القوات السعودية في اقتحام وحصار وهدم بلدة العوامية التابعة لمحافظة القطيف في المنطقة الشرقية للمملكة والتي يعش بها 30 ألف مواطن، ولم تكتفِ القوى العسكرية للمملكة من شرطة ووحدات من الجيش والمهمات الخاصة والحرس الوطني بمحاصرة البلدة من جميع الجهات واقتحامها في الثالثة والنصف من فجر العاشر من مايو الماضي، بل قامت بإطلاق النار في جميع الاتجاهات عشوائيا مما تسبب في حصيلة كبيرة من الإصابات البشرية والخسائر المادية وفي تهجير أهل البلدة.
شمل عتاد القوات المهاجمة أسلحة متوسطة وثقيلة وإسنادا من المدرعات وبالتالي شملت الإصابات طفلة كانت في منزلها الذي اخترقته رصاصات أحد المدرعات وأسفرت الساعات الأولى من الهجوم عن مقتل مقيم هندي الجنسية برصاصة قنص، فيما منعت القوات سيارات الإسعاف والطواقم الطبية القادمة من مستوصف “مضر” ببلدة القديح المجاورة من دخول البلدة ومحيطها، مع إغلاق المستوصفين الوحيدين بالبلدة وتمركز وحدات عسكرية أمامهما، في ظل تعتيم إعلامي ومنع للصحفيين والإعلاميين من دخول البلدات المحاصرة، وصمت إعلامي عالمي إلا من بعض العناوين المقتضبة، وصمت دولي مطبق من المنظمات والهيئات الدولية والأممية التي يرتفع صوتها فقط لخدمة أهداف سياسية تحت عنوان “حقوق الإنسان” والحريات والالتزام بهما.
ظاهريا، تزعم سلطات المملكة أن العملية تهدف إلى “تطوير” حي المسورة العريق بالعوامية الذي يعود بناؤه إلى حوالي 400 عام، الأمر الذي يجعله أثرا تاريخيا بالنظر إلى عمر الكيان السعودي، مما يستلزم طرد جميع سكانه لإخضاعه لعملية إعادة بناء، مع تعويضات زهيدة لآلاف الأسر المتضررة من فقراء السعوديين المتركزين إلى حد كبير في القطيف أصلا، حيث تدني الخدمات والتهميش والإقصاء المجتمعي والاضطهاد المذهبي.
خلف دعاوى التطوير والتحديث العمراني للمنطقة تقف رغبة النظام السعودي في ضرب أحد المعاقل والحواضن الشعبية لمجموعة سياسية معارضة صغيرة تطالب بالحق في التعبير السلمي عن الرأي والمساواة والتنمية وتكافؤ الفُرَص وعدالة توزيع الثروة، وكان على رأسها المعارض الشيخ نمر النمر ابن العوامية والقيادي الشعبي لها الذي اختطفته السلطات السعودية وأعدمته لمجرد انتقاده علنا لأسلوب آل سعود في إدارة البلاد.
كانت العوامية مركزا لحياة الشيخ ونشاطه وليست فقط المكان الذي وُلد ودُفِن فيه، ولم تزل القطاع الذي يحتوي الكتلة البشرية التي كانت أفكار الشيخ ومقولاته انعكاسا لإرادتها وحقوقها الطبيعية، من هنا اتضحت أهداف قوات السلطة السعودية أكثر فأكثر، بعد دخولها للبلدة وشروعها في هدم حي المسورة على رؤوس ساكنيه، فقصفت حوزة الشيخ نمر النمر التي كان قد أعيد إعمارها مؤخرا وشرعت في البحث عن عناصر نشطة في المعارضة.
وقائع الملف الأسود
تم إيقاف الحياة في البلدة بشكل تام شمل فرض إغلاق متاجر المستلزمات الأساسية وتوقف العملية التعليمية في توقيت أداء امتحانات نهاية العام الدراسي، ونتيجة للإطلاق العشوائي المستمر للنار تعرض نحو 42 متجرا تقع خارج المنطقة المفترض “تطويرها” للتهشم واندلاع النار ومنعت السلطة دخول الدفاع المدني، مع إخلاء قسري لستة وستين متجرا أخرى تقع معظمها في حي الديرة، وتدمير عشوائي لأي مركبات متواجدة في الشوارع، فضلا عن قطع الكهرباء الذي سبق الاقتحام بعدة أشهر، ونقص إمدادات الغذاء نتيجة للحصار.
في اليوم الثالث للعدوان ومع استهداف المنازل بالقذائف فتحت القوات النار على شاب يدعى “علي محمد عقاقة” من قرية أم الحمام خلال تواجده في وسط العوامية بسيارته، وتصاعدت استغاثات بعض العائلات المحاصرة في عمق البلدة، لفتح طريق آمن لهم للخروج من محيط النار، مع اشتعال النار في بعض المنازل وسط حي المسورة تم استهدافها بالقنابل الحارقة.
وتم استقدام رتل جديد من المصفحات والمدرعات إلى البلدة، وفي ذات اليوم قصفت القوات السعودية مسجد الشيخ محمد في وسط الحي بقذائف RBG، وفتحت النار من مدرعة على سيارة كانت تستقلها عائلة من محافظة الإحساء في تقاطع العوامية – القديح فاستشهد الطفل “جواد مؤيد الداغر” وأدخِلت والدته إلى العناية المركزة، مع الاستمرار في اختطاف العديد من المواطنين ونقلهم إلى جهات مجهولة.
في اليوم الرابع اجتاحت القوات السعودية قريتي القديح والبَحاري المجاورتين، والواقعتين خارج زعم التحديث والتطوير وحاصرت القديح مع فتح النار بداخلها مما أسفر عن إصابة 3 أشخاص بينهم طفل، وقامت باقتحام ميدان القلعة في مدينة القطيف (مركز المحافظة) وهدمت الساحة الأمامية والمرافق الخدمية لمسجد المسألة الواقع في الميدان، وفي اليوم السادس عندما تمكنت بعض الأسر القاطنة في جنوب العوامية من العودة إلى منازلها بعد فرار بدأ في أول الاقتحام، اكتشفت تعرض المنازل لنهب طال مجوهرات ومبالغ مالية، وهو ذات الأمر الذي وقع في منزل والد المعارض حمزة الشاخوري، في حي الناصرة مع تحطيمه.
منذ أكثر مأ اسبوع تشرع الجرافات في هدم حي المسورة التاريخي في حين بلغ عدد المنازل المحطَمة من خارج المنطقة المزعوم تطويرها 1300 منزل، وفي الخميس الأول من يونيو تم استهداف سيارة على متنها معارضان اثنان هما محمد صويمل، وفاضل آل حمادة (الموضوع على قائمة للمطلوبين ضمت 9 أسماء) في شارع سوق ميّاس بعبوة ناسفة ما أدى إلى تفحم الشابين، وأفاد شهود عيان بأن سيارات مدنية بزجاج داكن توجهت إليها فور وقوع الانفجار مانعةً أي محاولة لإطفائها، وتمت مصادرة جميع أشرطة تسجيلات كاميرات المراقبة الخاصة بالمتاجر القريبة، وسحب لجثتي المعارضَين إلى مكان مجهول ورفض تسليمهما لذويهما.
بقلم : محمود عبدالحكيم
ارسال التعليق