القرارات الاخيرة قرآة متأنية
ربما لا نبالغ اذا ما وصفنا قرارا ت سلمان” فجر الاربعاء بأنها “انقلاب” لا يضاهيه الا ما اقدم عليه اخوه فيصل بن عبد العزيز عام 1965 بعزل شقيقه سعود. سلمان بن عبد العزيز عزل شقيقه الامير مقرن من ولاية العهد بعد ثلاثة اشهرفقط من تعيينه، وعين ابن اخيه الشقيق(السديري) محمد بن نايف في مكانه، ورقى ابنه محمد وزير الدفاع الى منصب ولي ولي العهد، وهو المنصب الذي تولاه محمد بن نايف لثلاثة اشهر فقط. النظام الاساسي للحكم الذي ابتدعه فهد بن عبد العزيز يعطي الملك صلاحية تعيين ولي العهد وعزله، وربما اصدر هذا النظام من اجل تغيير ولي عهده عبدالله، وتعيين احد انجاله او اخوانه السديريين، ولكن غضبة الاول ( عبدالله في حينها)، والدعم الذي حظي به من اشقائه من غير السديريين، و”ارتكازه” على قوات الحرس الوطني، والخوف من انفجار صراع في وسط العائلة الحاكمة، كلها عوامل متفرقة او مجتمعة، ساهمت في عدول فهد عن خطته، واصداره مرسوما بتثبيت عبدالله وليا للعهد، على امل ان تتغير الظروف لاحقا، ولكن المرض لم يمهله طويلا (اي الملك فهد). استند سلمان في مراسيمه الى هذا النظام الاساسي، ولم يستند في الوقت نفسه على مرجعية “هيئة البيعة” التي اسسها عبدالله من كبار الامراء ابناء عبدالعزيز لاختيار ولي العهد، وقال في كلمته الى الشعب التي اعلن فيها هذه التغييرات، ان الامير مقرن هو الذي طلب اعفاءه من منصبه، وانه امتثل الى هذه الرغبة، ولكن كان واضحا منذ ان تولى سلمان الحكم انه يريد التخلص من ارث سلفه عبدالله ويغير تركيبة الحكم، ويضخ دماء اخرى تحت مسمى تحديث مفاصل الدولة، ولذلك بادر الى تعيين محمد بن نايف المفضل لدى واشنطن وليا لولي العهد، وابنه محمد بن سلمان وزيرا للدفاع، مثلما استبدل تسع وزراء، وعزل التويجري رئيس الديوان الملكي السابق من منصبه، قبل ان يتم دفن عبدالله. ارهاصات عزل مقرن المتولد من ام يمانية كانت واضحة للعيان، فقد تقلص دوره كليا في الفترة الاخيرة، وغاب عن دائرة صنع القرار، وبات ظهوره في المناسبات الرسمية محدودا وبروتوكوليا. من الطبيعي، وعندما يقدم احدهم على خطوات كبيرة ومفصلية، كتلك التي اقدم عليها فجر الاربعاء، ان تتناسل الشائعات وتتكاثر، وان تحفل وسائط التواصل الاجتماعي بالعديد من الروايات والتفسيرات، مثل تلك التي تقول بأن مقرن عارض التدخل العسكري السعودي في اليمن، او ان والدته ليست من اصول سعودية، ولكن هذه الروايات وغيرها غير مثبته، ولذلك من الصعب الأخذ بها كحقيقة مسلم بها، ولذلك يمكن ان نحكم على هذه القرارات، وما سبقها في الاشهر الثلاثة الماضية من ظواهرها، ونسلم بأن سلمان الجديد كان مبيت النية منذ اليوم الاول لتوليه العرش بل وقبل ذلك على تغيير الحكم والدفع بوجوه جديدة، والخروج عن السياسات المألوفة وان لم يكن يظهر ذلك حرصا على عدم اثارة عبدالله. التغيير لم يقتصر فقط على ولي العهد، وانما امتد ايضا الى سعود الفيصل وزير الخارجية المخضرم الذي جرى عزله من منصبه بعد اربعين عامااطول مدة يبقى فيها وزير بهذا المنصب في العالم، واستبداله بعادل الجبير سفير المملكة في واشنطن، وهذه نقطة تستحق التوقف عندها، فهذه هي المرة الاولى خلال اربعين عاما التي يخرج فيها هذا المنصب من اسرة فيصل، ويذهب الى شخص اخر وان كان يعتبر من اكثر من خدم ال سعود طوال ثلاثة وعشرين سنة . المسألة الاخرى التي لا تقل اهمية، تتمثل في استبعاد عبد العزيز بن عبدالله ، الذي عينه والده بمنصب نائب وزير الخارجية، وكانت معظم التكهنات تشير الى انه المرشح الابرز لخلافة الامير سعود الفيصل، وهذا الاستبعاد يأتي في السياق نفسه الذي جرى فيه ابعاد شقيقيه مشعل من امارة مكة، وتركي من الرياض، ولم يبق من اولاد عبدالله في منصب وزاري الا متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني، وحتى هذا المنصب غير مضمون، وربما تكون مسألة تغييره مسألة وقت. “عاصفة الحزم” التي جاءت ابرز مفاجآت السياسة الخارجية السعودية في عهد سلمان بن عبد العزيز لم تقتصر على قصف اليمن، وتكثيف التدخل في سورية، والانضمام الى المحور التركي القطري على حساب المحور المصري الاماراتي، وانما بدأت تنعكس على الداخل السعودي نفسه من خلال تركيبة الحكم، وتغييرا جذريا، ودون الاخذ بأي اعتبارات اخرى، ومن بينها مرسوم العاهل السعودي الراحل عبد الله الذي عين مقرن وليا للعهد، وشدد على ضرورة عدم تغييره، او عزله حتى بعد وفاته، والتأكيد على توليه منصب الملك في حال شغوره. الجناح السديري في الاسرة السعودية الحاكمة عاد لاحكام قبضته على مفاصل الحكم ، ولكن بوجوه شابه، وعبر قرارات تتسم بالجرأة والحزم.. الاسئلة التي تطرح نفسها بقوة الآن هي عما اذا كانت عملية التغيير ستتوقف هنا ام انها ستستمر لاحقا؟ وكيف سيكون رد فعل بقية امراء الاسرة الذين تم تجاوزهم في عملية ترتيب الحكم، وخاصة اولاد عبدالعزيز حيث بقي منهم 13 شخصا بعضهم ما زال صغير السن حسب الحساب السعودي أي تحت الثمانين واحفاده وما اكثرهم؟ فهل سيستطيع سلمان تنفيد باقي خطوات الانقلاب ويصفي الحكم من جميع الاجنحة الاخرى ام يتحرك بعض افراد الاسرة لايقاف ما يعتبرونه مهزلة ؟؟
ارسال التعليق