من الإعلام
المشكله في آل سعود وليست في اللبنانيين اوباقي البشر
اسماعيل القاسمي الحسني
مشكلة زعيم حزب الله -إن اعتبرناها كذلك- أنه لم يتجنّى على القيادة السعودية، و لم يهاجمها كما يصور البعض و يسوق بهتانا و زورا، إنما العقدة الحقيقية أن الرجل قام بتوصيف واقع و تشخيصه، بلغة واضحة و صريحة كانت صادمة للطرف المعني، و يمكن تفهم حالة الغضب المتصاعدة لكون هذا الطرف، قد نشأ رجاله مستثنيا نساءه، على معلقات شعر المديح و الإطراء، و تطبّع على معاملة من النفاق الذي تكلس مع مر العقود، يقوم على اعتباره كائنا فوق جميع الكائنات، و لذلك قد خصّته الأقدار برعاية أقدس المواقع للأمتين، ثم ميزته بثروات فلكية الأرقام تغنيه عن كل العالم؛ و دون أن يتوقف العقل أمام هاتين الخاصيتين و إعمال الفكر في جوهرهما. و هنا لابد من الموضوعية أن نقرّ بأن اجتماع السلطة المطلقة و الثروة المطلقة على شخص أو مجموعة، له فعل التخدير المركّز على العقل و المنطق، ما يجعل ضحيتهما يحلق بأوهامه و خيالاته خارج كل مجرات المنطق، و يبحر بمجاديفهما على فُلك الغرور، و لا شيء يمكنه أن يوقف تأثير هذا المخدر القاتل إلا عقلا متشبعا بالعلم، متمسكا بالفطرة البشرية السليمة و ما ينسجم معها من قيّم أخلاقية، دون ذلك فلا محالة أن تأثيره قد يصل بصاحبه لادعاء الألوهية؛ و هنا علينا أن نستحضر تصور فرعون بأنه إله، على أنه كان قناعة راسخة في ذهنه، و حقيقة لا تقبل الجدل؛ و يمكن الوقوف على صورة نمطية في تاريخنا المعاصر لهذه الحالة المرضية، لدى أدولف هيتلر الذي صدّق وهم عظمته بل أقنع شعبه بأنهم فوق سائر البشر، مكمن الخطر لا يتوقف عند هذا “الوهم” الذي يتجذر بالسلطة و قوة المال أو السلاح، و إنما يتمدد لاعتبار البشر الآخر من درجة الحيوان، تحق إبادته قتلا و تجويعا بدم بارد متى اعترض أو خالف خصوصية هذا المصاب بداء العظمة؛ و إن أردتم زيادة، فمن معتقدات “الاسرائيليين”، و وفق تصريحاتهم الموثقة و المنشورة، و كتاباتهم و فتاوى حاخاماتهم، أن الكائن الفلسطيني خصوصا و العربي عموما، أحط قيمة من البشر، و من الأعمال الصالحة إن لم تكن فرضا قتله بأعصاب من حديد؛ لهذا نرى بأم أعيننا كيف أن إسرائيليا يقتل طفلا فلسطينيا دون أن يرف له جفن كما يقال، و إن تجرأت على معرفة نفسية مرتكب الجريمة، لعاينت قناعة بأنه لم يرتكب جريمة بشعة، و إنما قام بعمل يعتز و يفخر به. حالة العقل السياسي و النخبوي السعوديين مصابة بهذه الآفة القاتلة لصاحبها، لكن قبل أن تأتي عليه تقضي على كثير من الأبرياء تماما كما حدث مع الأمثلة السابقة. هنا لسنا نهين و لا نسب و لا نكيل الشتائم، و إنما نحلل حالة سلوكية تقوم على واقع نعيشه، و يدفع البعض من أبناء هذه الأمة ثمنا باهظا نتيجته. الاجراءات التي اتخذها السعودية حيال لبنان، مصحوبة بلغة الكِبر و التعالي كما هي العادة، جاءت بذريعة “إعادة لبنان الى العرب”؛ و لولا تخدّر العقل نتيجة مفاعيل السلطة و المال، في غياب العلم و غيره مما ذكر أعلاه، لسأل صاحبه السؤال التالي: متى خرج لبنان من عباءة العرب؟ أفقط حين شرّح السيد حسن نصر الله الموقف السعودي؟ ثم ألا ترى معي بأن اعتبار المواقف السعودية هي و لها حسرا تمثيل “العرب” هو بعينه الداء الذي نتكلم عنه؟ من يمثل الموقف العراقي و السوري و المصري و الجزائري؟ هل يمثلون قبائل الهوتو أم التوتسي؟ ثم لولا تخدّر هذا العقل: من أوكلهم أو وكلّهم على التصنيف و توزيع شهادات الانتماء القومي؟ تحضرني هنا صراحة معمر القذافي و سؤاله: من أنتم؟ أما القول بأن لبنان قد خرج عن الاجماع العربي، فهو لعمري دليل آخر على غيبوبة عميقة: عن أي إجماع يتحدث هؤلاء؟. “هم فقط العرب”، و “رأيهم هم فقط” هو الاجماع العربي؛ العقل الذي يعيش الواقع و يتمتع بشيء من العلم، يدرك بأن العراق مغيب و سوريا غير مسموع صوتها، و أن ليبيا و اليمن يتم وأدهما دكا بالقصف الوحشي علنا، و أن الجزائر تقف ضد سياسة دول الخليج، و أن مصر -الدولة المركزية و المحورية- لم توافق رأيهم؛ من لا يرى هذا الواقع يؤكد إصابته بداء جنون العظمة حد تأليه الذات، و الذي يصور للمريض بأنه لا يُري الناس إلا ما يرى و لا يهديهم إلا سبيل الرشاد، و منه قول “الإجماع العربي”. يكفي أن تسمع أو تقرأ لبعضهم و هو يعتبر إبادة الشعب العراقي (1991-2006)، و إبادة الشعب الليبي، و دعم الجماعات الاجرامية الارهابية في سوريا للتنكيل بشعبها، و دكّ الشعب اليمني بآلة عسكرية عمياء موغلة في التوحش، و الآن ضرب لبنان في رزقه و الأمر يحتمل التطور، قلت يكفي أن تسمع أو تقرأ لبعضهم إعتبار هذه الجرائم عملا انسانيا بل و يعتز و يفخر به، و في طي الكلام و المواقف: هذا ما يستحق كل من يخالف “الرأي” الذي هو في جوهره “أمرا إلهيا”. لا ننتظر من هذا العقل المريض في المستقبل القريب، إلا ذات السلوك مع مصر و الجزائر و تونس و المغرب، و تحت ذات الشعار الوهمي المفلس “الخروج عن الاجماع العربي”؛ و هنا علينا أن نتساءل: أليس بين هؤلاء رجل رشيد يلجم هذا الانفلات في السلوك، و يخرج هذا العقل من غيبوبة الالوهية العميقة؟ و في المقابل: هل ينتظر قادة الدول العربية المستهدفة حتى يعصف بها هذا الاجرام بساحاتها؟ ألم تكفهم أدلة حالة من سبق؟ أم فعلا هم أعجز من وضع حد لطغيان هذا المرض؟ أسئلة تبقى معلقة صارخة بوجه نخب الحكم و القلم لهذه الأمة الثكلى و المفجوعة بفقدان عقل أبنائها. فلاح جزائري
ارسال التعليق