بن سلمان والعرش السعودي ... وتحديات الداخل والخارج
بصعوده لولاية العهد، طوى محمد بن سلمان صفحة عامين من التكهنات والتوقعات حول التنافس والصراع الذي كان يجري وراء الكواليس بينه وبين محمد بن نايف ولي العهد السابق و وزير الداخلية ونائب رئيس مجلس الوزراء، وبالتالي أصبح بن سلمان قريباً جداً من الصعود إلى عتبة العرش السعودي...
وفيما ذهب الكثير من المحللين والمتابعين إلى أن هذا الانقلاب الأبيض على بن نايف بإعفائه من كل المسؤوليات والمناصب التي كان يتمسك بها، وفرض الإقامة الجبرية عليه، بعد تبديل حراسة قصره بآخرين يحصون أنفاسه ويرصدون تحركاته، بحسب ما قالت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في أعدادها الأخيرة... نقول فيما ذهب هؤلاء المحللون والمتابعون إلى أن هذه التطورات سوف تؤدي إلى تفجر الصراع بين أجنحة العائلة السعودية، بسبب نقمة أكثر الأمراء السعوديين المتوثبين للوصول إلى العرش أو إلى مقامات عليا في الحكم السعودي ويربو عددهم عن الثلاثة آلاف أمير...فيما ذهب هؤلاء المحللين والمتابعين إلى هذا الاستنتاج، أرى شخصياً، كما قلت سابقاً على صفحات هذا الموقع، ان مثل هذا الصراع لا يحصل لسببين وجيهين هما أولاً: ان هؤلاء الأمراء لا يمتلكون أي خيار في انتخاب هذا الشخص أو ذاك لتولي هذا المقام أو ذاك من بين افراد العائلة، فالخيارات كلها بيد السيدين الأمريكي والصهيوني، فحينما يقرر هذان السيدان يخرس الباقون، اذ ليس لهم حق الاعتراض لأن التغييب أو التصفية ستكون مصيرهم المحتوم. فحتى حينما قرر أخوة سعود بن عبد العزيز، وعلى رأسهم فيصل خلع سعود، عام1964 لم يجرأوا على ذلك، الّا بعد ذهاب فيصل إلى الولايات المتحدة لأخذ الضوء الأخضر من إدارتها بعد ما طلب سعود من تلك الإدارة سحب قواتها من السعودية واغلاق قواعدها في الملكة بالإضافة إلى مطالب أخرى، ولعل ذلك السبب الأساسي وراء تحرك أخوة سعود لخلعه من عرش المملكة بحجة اتهامه بالخلل العقلي أو عدم الكفاءة والقصور..نعم هناك غضب وعدم رضا، لكنه سوف يظل مكبوتاً، بانتظار الظروف المناسبة، ليتفجر، وهذا يتطلب زمناً، أو أن بن سلمان سيجر المملكة إلى هذه الظروف المناسبة، كما سنرى في الأسطر القادمة...وثانياً: إن هؤلاء الأمراء هم أجبن من ركوب موجة المواجهة المحفوفة باحتمالات القتل والتصفيات الجسدية، لأنهم طلاب دنيا وأهل بذخ ومجون فلا طاقة لهم بركوب سفن المكاره والصعاب، فحتى بن سلمان نفسه الذي يوصف بالجرأة والنزق، لو كان يشعر، ولو بمقدار أدنى، بان صعوده إلى هذه المناصب سوف يكلفه حياته من قبل الأمراء الآخرين، لا أعتقد انه سوف يقدم على هذه المغامرة الّا بضمانة وحماية السيدين الأمريكي والصهيوني.
بن سلمان وتحديات الداخل
في ضوء ما تقدم يمكنني القول، ان الغضب الذي يستعر في نفوس أغلب أمراء العائلة السعودية، ويتوجر أيضاً داخل مجالسهم الخاصة لا يشكل تهديداً جدياً لطموحات بن سلمان، بقدر ما تشكله التحديات الداخلية لمستقبل آل سعود وبن سلمان خاصة، ولمستقبل المملكة برمتها عامة، ومن هذه التحديات ما يلي :
1- مسألة الشرعية ....بشكل عام النظام السعودي لا يحظى بشرعية أساساً، لأنه لم يأت بانتخاب من قبل الشعب، ثم لم ينصبه أعيان البلد، حاكماً على الشعب في تلك البلاد، إضافة إلى انه لا يحظى بشرعية دينية سوى الشرعية التي منحتها إياه المؤسسة الوهابية، والوهابية كما أكد مؤتمر علماء المسلمين الأخير في غروزني العاصمة الشيشانية لا تمثل أي من مذاهب أهل السنة والجماعة وهي تيار منحرف عن جماعة المسلمين، ويشكل تهديداً وتشويهاً لمذاهبهم ومعتقداتهم. ذلك، ان هذا النظام صنعه ونصبه المستعمرون البريطانيون، وبالتالي فإنه، اي نظام آل سعود يضفي على نفسه مشروعية استمراره في الحكم تحت عنوان المشروعية التقليدية التاريخية، واذا كان بن سلمان، كما تؤكد الصحف الغريبة والأمريكية، لا يحظى بإجماع العائلة، فأنه لا يحظى بهذه الشرعية التقليدية والتاريخية، وهذا ما يدفعه إلى اسباغ الشرعية على نفسه كولي للعهد، وكملك في القادم من الأيام، من خلال المزيد من الارتهان إلى الاميركان والصهاينة وهذا مما يكون له ثمناً باهضا جداً كما سنرى بعد قليل.
2- لأن بن سلمان لا يحظى بالمشروعية، ولا يتمتع بتأييد شعبي أو بتأييد من العائلة السعودية نفسها، فأنه سيكون مجبراً على إجراء تغييرات هائلة بالمؤسسات الحاكمة، بإخراج من يشعر بأنهم لا يوالونه، واستبدالهم بالموالين له وهذا ما يؤدي إلى اتساع حالة التذمر والتبرم في الشارع السعودي، ولأن هذا الشارع تحكمه الأنظمة والعادات القبلية، فمن غير المستبعد أن يجر ذلك إلى حالة من التمرد بين أوساط هذه القبائل على خلفية شعورها بالغبن أو الظلم أو ما شابه ذلك، سيما وان هذه القبائل منقسمة من ناحية الولاء للأمراء السعوديين، فهناك من بعض القبائل من يدينون بالولاء لبن عبد الله متعب وإخوته، مثل قبائل شمر، ومنهم السديوريون الذين يوالون أبناء السديرية الملك سلمان واخوته وهكذا، وإذا ما لم انتقلت الخلافات إلى هذه القبائل فذلك ما يعجل بتلاشي وتفكك المُلك السعودي، وذلك خيار سوف يعجل بحدوثه بن سلمان كما قلنا لأنه لا يثق بمن حوله من الأمراء، فأنه سيكون مجبراً على إخراج اتباعهم في المؤسسات الحكومية.
3- صعوبة تحقيق وعوده الإصلاحية، وتوفير فرص العمل للشاب في المملكة وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط، التي هي نتيجة لسياسات النظام السعودي للإضرار بإيران وروسيا، على خلفية املاءات أمريكية صهيونية هذا أولاً، وثانياً : ان حرب اليمن باتت تستنزف البلد وتلتهم عائدات النفط ومخزون الاحتياطي النقدي السعودي، لدرجة أن النظام السعودي لجأ إلى سياسات تقشفية باتت تضغط على المواطن في المملكة وترهقة، من مثل سحب دعم الأسعار للمواد الأساسية وارتفاع أسعار بعض المواد الضرورية، وتقليل الرواتب لقطاع كبير من موظفي الدولة وهكذا فالقصة باتت معروفة، وثالثاً : بالإضافة إلى ما تقدم فأن الرئيس الجديد ترامب، الرئيس الأمريكي فرض على السعودية وبقية دول الخليج الجزية لقاء حماية أمريكا لهذه الأنظمة، وفي زيارته الأخيرة للرياض نجح في شفط أكثر من 480 مليار دولار من السعودية فحسب، على شكل عقود استثمارات وصفقات أسلحة وهبات وما إلى ذلك، ومقرر أن تدفع السعودية خلال السنوات القادمة ما مقداره إثنين تريلون دولار للولايات المتحدة الأمريكية!! كل ذلك يجعل من المستحيل على بن سلمان تحقيق إصلاحات اقتصادية في بلاده، أو حتى أي إصلاحات من نوع آخر، سياسية أو ثقافية لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
على العكس من ذلك تماماً، فبدلاً من تبني سياسة الانفتاح على فئات المجتمع في السعودية وكسب رضا الناس أو استحالة بعضهم نحو القبول به، وإحساسهم بالمساواة ورفع الحيف والظلم عنهم، بدلاً من ذلك راح يصعد الإجراءات الأمنية ويستخدم الجيش والأسلحة الثقيلة كالمصفحات والمدافع لقمعهم والتنكيل بهم كما يجري ذلك في المناطق الشرقية، في منطقة العوامية تحديداً، ومنذ أكثر من شهرين. ذلك مما زاد ورفع من وتيرة التذمر والغضب بين أوساط هذه الشرائح الشعبية التي تشعر بالظلم والحيف والتمييز المذهبي وغير المذهبي، الذي تمارسه سلطات آل سعود عليها. وذلك ما يشكل تحدياً جدياً لبن سلمان وتهديداً له ولآل سعود ككل. هذا بعض من التحديات الداخلية لبن سلمان، نترك البعض الآخر لفطنة القارئ الكريم، والتي لا تخفى عليه.
بن سلمان وتحديات الخارج
لعلّ من أهم التحديات الخارجية، هي ما يلي:
1- تحدي العدوان على اليمن، فهذا العدوان تحول إلى ورطة حقيقية لبن سلمان باعتباره وزيراً للدفاع، والآمر بشن هذا العدوان على اليمن، فباعتراف الأوساط العسكرية والصحفية والسياسية الأمريكية والبريطانية بأن النظام السعودي، وبن سلمان تحديداً فشل فشلاً ذريعاً في عدوانه على اليمن، فعلى الرغم من دخول هذا العدوان العام الثالث وعلى الرغم من الدعم الأمريكي الغربي له بكل أنواع الأسلحة المدمرة، وعلى الرغم من التفوق الجوي والبحري وحتى البري...الّا أن الحرب باتت تستنزف السعودية وترهقها وتتكبد فيها خسائر بشرية ومادية هائلة وبشكل يومي على أيدي أنصار الله وحلفائهم في الجيش اليمني والمؤتمر الشعبي، الذين يزدادون ثباتاً وصموداً وقدرة على الإبداع في إنتاج الصواريخ والأسلحة الكاسرة للتوازن بين الطرفين، والمرجحة كفة أنصارالله في هذا العدوان على حساب اندحار السعوديين وحلفائهم الإماراتيين والسودانيين وغيرهم من مرتزقة اليمن ومرتزقة دول عربية وأجنبية أخرى. فإذا تراجع بن سلمان وأعلن وقف الحرب فأن ذلك اعترافاً رسمياً بالفشل والهزيمة، وان استمر في العدوان، فأن ذلك سوف يؤدي إلى انهيار المملكة وهزيمتها، ولذلك فأن بن سلمان سيكون بين خيارين أحلاهما ليس مراً فحسب وإنما علقماً.
2- لا يحظى بأي تأييد شعبي، أو تأييد من أركان العائلة السعودية وأجنحتها القوية، فهو سوف يركن إلى تأييد البيت الأبيض والساكن فيه أي ترامب والى الصهاينة، وهؤلاء لا يهمهم سوى مصالحهم، فترامب يريد من بن سلمان توظيف كل إمكانات المملكة في إطار خندقه الدول الإسلامية والعربية التي تؤثر عليها السعودية، ضد إيران وبقية مفاصل محور المقاومة وفي تصريحاته الأخيرة طالب النظام السعودي بتنفيذ ما اتفق عليه في قمم الرياض في زيارته الأخيرة، حول محاربة الإرهاب، أي محاربة محور المقاومة، أما النظام الصهيوني فلنا في تجربة التطبيع مع مصر والأردن خير مثال لما ستئول إليه الأمور في المملكة السعودية، فقد استغل العدو التطبيع مع هذين البلدين في التغلغل والنفوذ والعمل على تدمير العقول والاقتصاد والزراعة والمجتمع لدرجة أن النظام المصري بزعامة مبارك اعترف انه كشف أكثر من 20 شبكة تجسس ودعارة صهيونية لتدمير المجتمع، وفي السعودية لا يكتفي الصهاينة بتدمير العقول والاقتصاد والهيمنة على النفط وتخريب الشباب والمجتمع هناك، وإنما سيطالبون النظام السعودي بتحريف القرآن الكريم وإزالة الآيات التي تتحدث عن اليهود وفسادهم وإفسادهم للآخرين وعن مكرهم وكيدهم، وهذا ما يشكل تحدياً وخطراً على نظام آل سعود وعلى بن سلمان نفسه الذي سيجد نفسه مضطراً لتنفيذ ما يميله عليه الصهاينة والاميركان، فإن امتنع عن تنفيذ رغباتهم فأنهم سيتخلون عن حمايته، بل ويحرضون عليه كما حرضوا على حليفهم وخيارهم المفضل بن نايف لصالحه. وان نفذ املاءاتهم فسيكون في دائرة الخطر المحققة.
3- تحديات الأزمات والحروب التي افتعلها بن سلمان مع محيطه الإقليمي إرضاءاً وامتثالاً لأوامر أسياده الأمريكان والصهاينة، فبالإضافة إلى شنه العدوان على الشعب اليمني، الذي تحدثنا عنه قبل قليل، وبالإضافة إلى معاداته وشنه الحرب الإعلامية والسياسية على إيران والعراق وسوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، ودعمه اللامحدود للقطعان التكفيرية والاصطفاف مع العدو الصهيوني في تدمير سوريا والعراق والفتك في شعبيهما بواسطة هذه القطعان التكفيرية الوهابية، إضافة إلى كل ذلك وغيره، افتعل أزمة جديدة مع حليفته في كل مشاريع التدمير والتخريب والعداء للمنطقة الآنفة، قطر، حيث مازالت هذه الأزمة تتفاعل من أجل تحقيق أهداف الصهاينة والأميركان في استنزاف هذه الأمة وفي حلب الدول الخليجية وشفط المزيد من أموالها وثرواتها، وذلك ما بات يعكس تحديات سلبية كثيرة على النظام السعودي، منها فقدان ثقة الأنظمة الأخرى التي مازالت تقف معه على مضض، وبالتالي الانفضاض عنه خوفاً من غدره بها وانقلابه عليها كما غدر بقطر وانقلب عليها تنفيذاً لأوامر ترامب والصهاينة، ومن شأن ذلك أن ينعكس سلباً على استقرار المملكة وعلى استقرار نظامها المتخلف بقيادة هذا الشاب الطائش، فلا استبعد أن يكون مصيره ومصير آل سعود قريبا من مصير صدام ونظام البعث المقبور، حيث سقط وذهب إلى مزابل التأريخ بسبب طيش صدام وسياساته البائسة.
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق