تلميح سعودي جديد لاسترضاء واشنطن بالتطبيع
منذ أزمة النفط الأخيرة، تشهد العلاقات السعودية الأمريكية توتراً غير مسبوق في فترة حكم محمد بن سلمان. خلافات ظهرت في واشنطن على شكل رفع النبرة ضد محمد بن سلمان، خاصّة وأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تزال ملتزمة بعدائها للرياض، في المقابل، فإن "السعودية" تواصل استرضاء الجانب الأميركي واستمالته على صعد عدّة بما في ذلك التلميح لجهوزية التطبيع مع الكيان المؤقت.
رسائل "السعودية" التي لا تزال تحتفظ بورقة التطبيع مع الاحتلال، تلقّاها الجانب الاسرائيلي في خضم الخلافات بين الرياض وواشنطن، فخرج رئيس الاحتلال الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، ليعلن تمنياته بانضمام "السعودية" إلى اتفاقيّات التطبيع، مبدياً استعداده "بسرور" لزيارتها علناً في المستقبل.
هرتسوغ وفي مقابلة له مع صحيفة "إسرائيل هيوم" قال إنّه: "سيكون سعيداً بزيارة السعودية علناً". وتمنى في المقابلة على السعوديين الانضمام إلى "عائلة" الاتفاقيات التي أبرمت بين الكيان المؤقت ودول خليجية، مضيفاً: "بالطبع سيسرّني الوصول في زيارة علنية إلى السعودية في المستقبل".
وأشار رئيس الاحتلال إلى أنّ مسألة "انضمام السعودية إلى تلك الاتفاقيات ليست متعلّقة بإسرائيل حصراً، وإنّما بعوامل داخلية سعودية وبالعلاقات السعودية الأميركية".
في موازة ذلك، انتشر مقطع فيديو للأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى ظهر فيه مرحّباً بشكل بدعوة الحاخام الإسرائيلي Abraham Cooper إلى عشاء السبت في القدس، لكن العيسى اعتذر عن الدعوة فقط لأنها ستكون مثيرة للجدل في هذا الوقت.
وفي مقطع الفيديو الذي جمع الطرفين، قال الحاخام الإسرائيلي: "هذا السؤال من ابنتي الكبرى شالوليت، وهي أم لثمانية تعيش في القدس، هي تسأل أن تسطيع تلبية دعوتها أن تكون ضيفها في عشاء السبت المقدس في القدس، لذلك نحن نتشرف في بأن ندعوك في مركزنا في القدس لعشاء السبت المقدس، وأنا أعلم أنك ستكون مشغولاً جداً بهذا اليوم، ستصلّي الجمعة في القدس، وبعدها في المساء ستكون معي ومع أحفادي، عند الحائط الغربي للقدس". وسأل: "هل هذا سيكون بعد الوباء؟"
ردّ عليه العيسى مبتسماً: "طبعاً يكفي أنني تناولت الغداء مع والدها، في الولايات المتحدة الأميركية، وزيارتي للقدس ستكون عندما يكون هناك سلام مع الجميع، لنبارك ذلك السلام الذي يمثل مطلبنا جميعاً، وإن أي زيارة الآن ستكون مثيرة للجدل وستزيد من التعقيدات، لكن على العموم أشكر هذه الدعوة ولكن أعلّق عليها بما ذكرت".
يعد العيسى من أبرز أدوات التطبيع في "السعودية" فقد سبق له أن زار معسكر الإبادة الجماعية لليهود في بولندا إبان الحرب العالمية الثانية أوشفيتز، بالتزامن مع إحياء ذكرى الهولوكوست عام 2020. وهي خطوة احتفى فيها الإعلام الإسرائيلي، إذ نشر حساب "إسرائيل بالعربية"، التابع للخارجية الإسرائيلية، مقطع فيديو للعيسى، يؤم وفد من رجال الدين في الصلاة في معسكر أوشفيتز.
وأكدت الرابطة في موقعها أن الزيارة جاءت لـ"التنديد بكل عمل إجرامي أياً كان مصدره وعلى أي كان ضرره وأثره، وأن هذه هي قيم الإسلام، وسيُعَبِّر عن ذلك جمع غفير من القيادات الإسلامية من كبار العلماء الذين سيقومون بتلك الزيارات، والتأكيد كذلك على أن الموقف الإسلامي لا يحمل سوى قيمه الرفيعة المجردة، ليُعبّر عن عدالة الإسلام مع الجميع وأنه دين رحمة وإنصاف وأنه ضد كل ممارسات الشر وأن هذا الموقف لا يقتصر على داخله الإسلامي فقط، بل يشمل الجميع فعدالة الإسلام ورحمته عامة".
وفي آخر مقابلة له مع مجلة "ذي أتلنتيك" الأمريكية، أكد محمد بن سلمان أن الكيان المؤقت حليف محتمل للرياض. وعند سؤاله عن رأيه في تطبيع دول خليجية مع الكيان المؤقت قال ابن سلمان إن: "الاتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي هو ألَّا تقوم أي دولة بأي تصرف سياسي، أمني، اقتصادي من شأنه أن يُلحق الضرر بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وجميع دول المجلس ملتزمة بذلك، وما عدا ذلك، فإن كل دولة لها الحرية الكاملة في القيام بأي شيء ترغب القيام به حسب ما ترى".
أما عن موقف "السعودية" من التطبيع فقد عبّر محمد بن سلمان عن أمل في أن تُحل ما وصفها بـ "المشكلة" بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ثم قال إن الرياض "لا تنظر لإسرائيل كعدو، بل كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك".
وهذه ليست المرة الأولى التي تنتشر فيها على مواقع التواصل الاجتماعي تكهنات بقرب عقد "اتفاق سلام" أو اتفاق تطبيع بين "السعودية" والكيان المؤقت، فقد حدث ذلك سابقاً بعد مقابلة أجرتها قناة "العربية" مع رئيس الاستخبارات السعودية السابق وسفير السعودية في واشنطن، بندر بن سلطان آل سعود، وانتقد خلالها بشدة القادة الفلسطينيين الذين وصفوا تحركات دول الخليج حينها للسلام مع إسرائيل بـ"الخيانة" و"الطعنة في الظهر".
وفي العودة للعلاقات الأميركية السعودية، برزت آخر دلالات تصاعد الخلافات بين واشنطن والرياض بتصريحات لتركي الفيصل قال فيها إن "السعودية" تشعر بخذلان أميركي بشأن تهديدات القوات اليمنية. الرئيس السابق للمخابرات السعودية وفي تصريح له أكد أن بلاده تشعر بأن واشنطن خذلتها فيما يتعلق بالتعامل مع التهديدات اليمنية.
وأوضح أن السعوديون كانوا يعتبرون هذه العلاقة استراتيجية لكنهم يشعرون بخيبة أمل في وقت كنا نعتقد أنه يجب أن تكون الولايات المتحدة والسعودية معا في مواجهة ما نعتبره خطرا مشتركا لاستقرار وأمن المنطقة. وتابع أنه "كانت هناك أوقات صعود وهبوط (في العلاقات) على مر السنين، وربما يمثل الوقت الحالي لحظة هبوط خاصة منذ أن قال الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية إنه سيجعل السعودية منبوذة وبالطبع بدأ في تنفيذ ما قاله" مشيراً إلى أن اليمنيين "أصبحوا أكثر عدوانية بعد أن رفع الرئيس بايدن المليشيات من قائمة الإرهاب".
الفيصل الذي عمل سفيرا لدى واشنطن، ذكر أيضاً قرار الرئيس بايدن وقف الدعم لعمليات التحالف في اليمن وعدم مقابلته محمد بن سلمان وسحبه "في إحدى المراحل" للمنظومات الأمريكية المضادة للصواريخ من "السعودية"، وهي أكبر دولة مُصدرة للنفط في العالم. وأعرب عن أمله في أن تتخطى بلاده في علاقتها مع واشنطن هذه المرحلة "كما تخطينا عدة انتكاسات بعلاقتنا في وقت سابق."
وبحسب الفيصل، تبدو واشنطن حريصة جداً على إبقاء قنوات اتصالها مع الرياض مفتوحة من خلال المكالمة الهاتفية وزيارات المسؤولية، "لكنها ليست شيء واحد فحسب." وأضاف: "المسؤولون الأمريكيون كانوا يعلنون أنهم يدعمون السعودية وسيساعدونها في الدفاع عن نفسها ضد العدوان الخارجي وما إلى ذلك. نحن ممتنون لتلك التصريحات، لكننا نحتاج لرؤية المزيد فيما يتعلق بالعلاقة بين القيادتين."
كما أكد المسؤول السعودي أن الرياض لا تريد أن تكون "أداة أو سبب لعدم استقرار أسعار النفط"، مشيراً إلى أن إجراءات مثل الحظر الذي تم فرضه عام 1973 شيء من الماضي. وأعرب عن استيائه من تعليقات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، عبر قناة "إن بي سي" الأمريكية، لدعم نهج "الجزرة والعصا" لإجبار السعودية على زيادة حصتها من إنتاج النفط من أجل تقليص الأسعار خلال ما أسمته "أزمة وجودية".
الجدير بالذكر أنه في سياق الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكيّة للضعط على محمد بن سلمان، فتحت واشنطن أحد أبرز الملفّات الحسّاسة في تاريخ العلاقات الأمريكية ـ السعودية وهو هجمات 11 سبتمبرالتي أُدينت فيها "السعودية" بشكل مباشر من الولايات المتحدة. تتقاطع خطورة فتح هذا الملف الآن مع ضعوطات واشنطن على الرياض لرفع إنتاج النفط، وخفض الأسعار، في ظل الأزمة بين موسكو وكييف وتداعياتها على سوق النفط العالمي.
وفي آخر المستجدّات، قُدّمت أدلّة جديدة مهمة في دعوى 11 سبتمبر ضد "السعودية" من قبل دائرة شرطة العاصمة (MPS) في بريطانيا استجابةً لطلب المساعدة القضائيّة الدوليّة بموجب اتفاقية لاهاي للأدلة. المواد تضمّنت أكثر من 14000 صفحة من الوثائق، وأكثر من 20 ساعة من لقطات الفيديو، ومئات الصور، وساعات عديدة من مقابلات الشرطة المسجّلة بالصوت. أحد مقاطع الفيديو يُظهر عمر البيومي عميل الاستخبارات السعودية، وهو يستضيف خاطفي 11 سبتمبر خالد المحضار ونواف الحازمي في سان دييغو، ويلتقيان مع مسؤولين سعوديين. يظهر في الوثائق أيضاً البيومي وهو يحتضن الداعية الإرهابي أنور العولقي.
ارسال التعليق