مؤتمر غروزني الإسلامي...أقض مضاجع آل سعود
يبدو أن ردود الفعل السعودية العاصفة والغاضبة إزاء انعقاد مؤتمر غزوزني، عاصمة جمهورية الشيشان مؤخراً، وتحت عنوان،" مَن هم أهل السنة والجماعة ؟
" لم نتوقف...فبالرغم من أن هذا المؤتمر عقد في الفترة من 25-27 آب الماضي،وبمشاركة أكثر من 200 شخصية إسلامية من البلدان العربية والإسلامية، إلا أن ردود الفعل السعودية تتواصل هجوماً وعنفاً وانتقادا وتشويها للمؤتمر وللمشاركين فيه..وجودة بسيطة لنماذج من ردود الفعل هذه لمشايخ وكتاب آل سعود ومن يدور في فلكهم ممن أستنهضهم النظام السعودي، تكشف لنا، أي هذه الجردة، الحنق السعودي الصارم الذي استبد بآل سعود!! فردة الفعل السعودية الأولى جاءت من هيئة كبار العلماء السعودية الوهابية، حيث حذرت الهيئة من " الدعوات التي تهدف إلى إثارة النعرات وإذكاء العصبية بين الفرق الإسلامية، مؤكدة أن كل ما أوجب فتنة أو أورث فرقة فليس من الدين في شيء " على حد زعم الهيئة الوهابية السعودية..التي أضافت في بيان لها تعليقاً على بيان المؤتمر الإسلامي الختامي قائلة " إن أمة الإسلام أمة واحدة، وتغريقها إلى أحزاب وفرق من البلاء الذي لم تأتِ به الشريعة الإسلامية، وعلى الإسلام وحده تجتمع الكلمة، ولن يكون ذكر ومجد لهذه الأمة إلا بذلك، قال الله تعالى (وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ) " على حد ما جاء في البيان..الهيئة لم تكثف بذلك بل اتهمت المؤتمر بالتسيس وسوء النيات والكيدية حيث جاء في بيانها بهذا الصدد " ليس في الكياسة ولا من الحكمة والحصافة،توظيف المآسي والأزمات لتوجهات سياسية، وانتماءات فكرية، ورفع الشعارات والمزيدات والاتهامات والتجريح " على حد قول الهيئة الوهابية.
الكاتب السعودي المعروف محمد آل الشيخ، تمرد على تويتر حد المؤتمر، بالقول"مشاركة شيخ الأزهر بمؤتمر غروزني الذي أقصى المملكة من أهل السنة والجماعة يحتم علينا تغيير تعاملنا مع مصر فوطننا أهم ولتذهب مصر السيسي إلى الخراب.كنا مع السيسي لان الإخوان والسلفيين المتأخونين إعداد لنا وله، أما وقد أدار لنا ظهر المجن في غروزني وقابلنا بالنكران فليواجه مصيره بمفرده " على حد قوله.
كاتب سعودي آخر هاجم الشخصيات المصرية التي حضرت المؤتمر هو الأكاديمي المعروف محمد عبد الله العزام والذي تمرد على تويتر بالقول " مفتي مصر السابق علي جمعة تتلمذ على يد الشيخ حمود التويجري (رحمة الله) وأكرمه علماء السعودية وشبع من علمهم وموائدهم...أستغرب صمت مؤيدي السيسي من السعوديين عن خيانة مؤتمر الشيشان.. مكافأة شيخ الأزهر للسعودية على مشاريعها الضخمة في الأزهر التحالف مع بوتين لطردها من العالم الإسلامي..." على حد قوله.
أما المحلل السعودي إبراهيم آل مرعي فقد علق على المؤتمر إياه تعبير عن وقوف الغرب والشرق ضد السعودية!! وقال: " اتفق الغرب والشرق على استهداف المملكة العربية السعودية فكريا وامنياً وعسكرياً لأنها تقف سداً منيعاً ضد تحقيق أهدافهم في المنطقة!! )) على حد زعمه وتختم هذه الجودة بدعوة الكاتب السعودي المعروف بقربه من البلاط السعودي جمال خاشقجي الذي عقد مؤتمر إسلامي لأهل السنة والجماعة رداً على مؤتمر غروزني الذي هاجمه بعنف أسوة ببقية الكتاب والمشايخ السعوديين. إذن يتضح مما تقدم أن المؤتمر هّز أركان النظام السعودي ومؤسسته الوهابية من الأعماق، ذلك رغم محاولات الكتاب السعوديين أو بعضهم التقليل من أهمية المؤتمر وتشويهة بأنه محاولة إيرانية، أو انعقد بدوافع وتخطيط روسيين وما إلى ذلك من عمليات ومحاولات التشويه.
لكن ما الذي أقضىَّ مضاجع آل سعود في هذا المؤتمر ودعاهم لكل هذه " الفزعة " ضد المؤتمر والمشاركين فيه؟! وللاجابة على هذا التساؤل نقول إن ثمة عوامل كثيرة جعلت من هذا المؤتمر على مستوى كبير من الأهمية والخطورة بالنسبة لآل سعود وفكرهم الوهابي وقطعانهم التكفيرية نذكر منها ما يلي:
أولا: حضور شخصيات إسلامية علماء ومفتيين ومفكرين على مستوى كبير ومحترم في العالم الإسلامي، منهم شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب، ومفتي مصر الشيخ شوقي علام، ومفتي مصر السابق الشيخ علي جمعة، وأسامة الأزهري مستشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومفتي دمشق الشيخ عبد الفتاح البزم، وثلة من شيوخ وعلماء المذاهب السنية الأربعة، ما منح هذا الحضور الوازن المؤتمر وزناً وثقلاً كبيراً جعل توصياته ورسائله كبيرة التأثير على المسلمين من أتباع هذه المذاهب والذين كانوا ينتظرون موقفاً محدداً من علماء المسلمين حول ما يقترفه التكفيريون من مدارس الوهابية وحواضنها آل سعود من قتل وذبح وجرائم بشعة باسم الإسلام في سوريا والعراق و ليبيا واليمن .و.و.
وثانياً : التوصيات التي خرج بها المؤتمر على مستوى كبير من الأهمية، كما عكس ذلك أحاديث المتكلمين في المؤتمر، ثم بيانه الختامي وتوصياته، فرئيس الأزهر الشيخ احمد الطيب حدد مفهوم أهل السنة والجماعة بأنه يطلق على الاشاعرة والماتريدية واصل الحديث.
وقال علي جمعة مفتي مصر السابق "إن الأزهر لم يخترق كما يروج البعض للتشكيك في الأزهر، ويردد بعض العلمانيين في مصر أن الأزهر مخترق من قبل بعض الجماعات الوهابية والتيارات المتشددة".
من جهة أكد أسامة الأزهري مستشار الرئيس المصري ووكيل اللجنة الدينية في البرلمان المصري " إن التكفير والتفجير يسيران على قدم وساق . وفي المقابل المؤسسات الدينية المعنية لم تدرك اللحظة الفارقة، مما أنتج فراغاً زمنياً فارقاً في مسيرة التكفير، وملاحقته من المختصين بنشر الدين الوسطي وصححي العقائد ". وقال احد المشاركين في المشاركين في المؤتمر "إن المتطرفين يحاولون أن يقدموا الدين الإسلامي على انه نموذج التخريب والهدم والتفريق والعداء المتواصل". والأهم من ذلك، قال رئيس مجلس حكماء المسلمين، "إن مفهوم أهل السنة والجماعة " الذي كان يدور عملية أمر الأمة الإسلامية قروناً متطاولة نازعته في الآونة الأخيرة دعاوى وأهواء لبست عمامته شكلاً، وخرجت على أصوله وقواعده وسماحته موضوعاً وعملاً..حتى صار مفهوماً مضطرباً شديد الاضطراب عند عامة المسلمين، بل عند خاصتهم ممن يتصدرون الدعوة إلى الله، لا يكاد يبين بعض من معالمه حتى تنبهم قوادمه وخوافيه، وحتى يصبح نهباً تتخطفه دعوات ونحل وأهواء، كلها ترفع لافتة مذهب أهل السنة والجماعة وتزعم أنها وحدها المتحدث الرسمي باسمه، وكانت النتيجة التي لا مفر منها أن تمزق شمل المسلمين بتمزق هنا المفهوم وتشتته في أذهان عامتهم وخاصتهم ممن تصدروا أمر الدعوة والتعليم، حتى صار التشدد والتطرف والإرهاب وجرائم القتل ))... وأوضح رئيس مجلس حكماء المسلمين " أن أهل السنة والجماعة حسب منهج التعليم بالازهر، يطلق على اتباع إمام أهل السنة أبي الحسن الاشعري، واتباع إمام الهدى أبي منصور الماتريدي، وأهل الحديث، ولم يخرج عن عباءة هذا المذهب فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والمعتدلون من فقهاء الحنابلة. وهذا المفهوم بهذا العموم يشمل علماء المسلمين وأئمتهم من المتكلمين والفقهاء والمحدثين وأهل التصوف والإرشاد، وأهل النحو واللغة أكده قدماء الاشاعرة أنفسهم منذ البواكير الأولى لظهور هذا المصطلح بعد وفاة الإمام الاشعري، ثم هو ما استقر عليه الأمر عند جمهور علماء الأمة عبر القرون التالية، وهذا هو الواقع الذي عاشته الأمة لأكثر من ألف عام، حيث عاش الجميع في وحدة جامعة استوعبت التعدد والاختلاف المحمود، ونبذت الفرفة والخلاف المذموم".
وعلى أساس هذا الوضوح أصدر المؤتمرون توصياتهم، ومن أبرزها:
· إن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علماً واخلاقاً وتزكية على طريقة سيد الطائفة الإمام الجنيد ومن سار على نهجه من أئمة الهدى.
· للقرآن الكريم حرم يحيطه من العلوم الخادمة له، المساعدة على استنباط معاينة، وإدراك مقاصده، وتحويل آياته إلى حياة وحضارة وآداب وفنون وأخلاق ورحمة وراحة وإيمان وعمران وإشاعة السلم والأمان في العالم حتى ترى الشعوب والثقافات والحضارات المختلفة عياناً، أن هذا الدين رحمة للعالمين وسعادة في الدنيا والآخرة.
وكل ذلك يعني أموراً ودلالات في غاية الأهمية والخطورة منها ما يلي:
أولاً: إن المؤتمرين صوبوا مصطلح أهل السنة والجماعة الذي اختطفه آل سعود ومشايخهم الوهابية، حيث اعتبر آل سعود أنفسهم قادة العالم السني واعتبر مشايخهم الوهابيون أنهم المعبر الحقيقي عن الإسلام السني" الحقيقي، أما باقي العناوين فهي كافرة ولا تمثل الإسلام، وبالتالي فأن هذا التوضيح سوف يفشل أبناء الأمة الإسلامية من اتباع المذاهب الأربعة من وحدة الحيرة والاضطراب عدم الوضوح في الموقف والرؤية.
وثانياً: ما تقدم يعني أن الوهابية دخيله بفكرها ورموزها وبشاعتها وتكفيرها للمسلمين وممارسات اتباعها الدموية والبشعة، دخيلة على المسلمين وعالمهم الإسلامي وتعاليم قرآنهم وسنتهم النبوية الشريفة، مما اقتضى وقفة علماء المسلمين من اتباع المذاهب الأربعة هذا الوقفة لإيضاح الحقيقة،ولو أن هذه الوقفة جاءت متأخرة، لكنها باتت ضرورة ماسة بنظرهم أي هؤلاء العلماء، لإنقاذ الإسلام من دنس الوحوش الوهابية الكاسرة أو لإنقاذ المسلمين من التيه والاضطراب في معرفة الحق من الباطل والتفريق بينهما واتباع الحق ومحاربة الباطل.
وثالثاً: تحميل الوهابية واتباعها كل ما يطال الإسلام كدين وكفكرة وثقافة وعبادة وشريعة المسؤولية عند ذلك، والتأكيد على أن الوهابية واتباعها انحراف عن الدين صنعه الاستعمار من اجل نشر التفرقة بين المسلمين بهدف تسهيل السيطرة عليهم وعلى أوطانهم وبهدف تشويه دينهم المحمدي الأصيل.
ورابعاً :التأسيس لتحصين السلام السني من اختطاف الوهابية الدخيلة عليه والصاق للاستكبار والصهيونية، كما أشار المشاركون في المؤتمر في أحاديثهم خلاله. وكل ذلك يعني :_
1- عزل النظام السعودي ومحاصرته سياسياً وإسلاميا وفكرياً، ويتضح عمق هذه الصفعة للنظام السعودي، إذا ما عرفنا الجهود الحثيثة التي يواصلها النظام السعودي من اجل تبرير كل خدماته للاميركان والصهاينة من قتل للمسلمين ومن تآمر عليهم ومن عداء سافر لهم باسم الدفاع عن الإسلام وأهل السنة، كما أشرنا فيما تقدم من الحديث، فوسائل إعلام هذا النظام وكتابه ومشايخه تطبل ليل نهار انه يشن حرباً ظالمة على الشعب اليمني " للقضاء على ما اسماه النفوذ الإيراني " ويدرب ويهول ويرسل القطعان التكفيرية الوهابية إلى سوريا والعراق من أجل القضاء على ما يسميه " التحدي الشعبي " الذي تقوده إيران ضد أهل السنة !! وما إلى ذلك من الادعاءات الفارغة والباطلة التي يحاول تغطية ما يقوم به من جرائم ومن عدوان على الأمة وإسلامها خدمة للصهيونية وللامبريالية الأمريكية والغربية.
2- قطع الطريق على المشروع الصهيوني الأمريكي الرامي إثارة الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، وبين أهل السنة مع بعضهم، وبين المسلمين والمسيحيين وهكذا من أجل تمزيق الأمة أوطانها كما بات معروفاً، حيث انبرى النظام السعودي كرأس حربة لهذا المشروع في عالم المسلمين، وهناك عشرات الشواهد والأدلة على محاولات النظام السعودي تأجيج هذه الفتن في المنطقة، بل لازال هذا النظام التكفيري يواصل هذا النهج ولعل تدخلات الإرهابي ورجل الأمن السفير السعودي في بغداد ثامر السبهان خير دليل على إصرار آل سعود لإشعال الفتنة الطائفية في هذا البلد، كما هو دوره أي النظام السعودي في سوريا وباكستان واليمن وما إلى ذلك.
3- وإضافة إلى ما تقدم، فإن الأهم هو أن المؤتمرين باستبعادهم الوهابية ومشايخها واتباعها عن عالم السنة، واعتبارها دخيلة ومنحرفة ومجرمة ومشوهة للإسلام ومفرقة ومخرقة للمسلمين ولوحدتهم ومضعفة لقوتهم ومهدمة لجبروتهم ومشروعهم الحضاري..شكل ضربة " للتكوين الآيديولوجي الذي يستند إليه آل سعود في حكمهم وبحسب التحالف الاستراتيجي بين المؤسسين محمد بن عبد الوهاب والملك السعودي المؤسس، وهذا يعني بدوره جملة أمور نشير إلى بعض منها بما يلي:
- إن حزب التكوين الايديولوجي للنظام السعودي، ثم إخراج الوهابية من دائرة المسلمين يعني، سلب مشروعية النظام السعودي، تلك التي طوق بها بل وكبل بها أي تحرك شعبي لتغيير النظام باسم الخروج على ولي الأمر، الذي " يعتبر خروجاً على الله والشريعة "وبالتالي يستحق الإعدام والقتل من يفعل ذلك !! فهذا المؤتمر يؤسس لتحرر أبناء الحجاز ونجد وملحقاتهما للتحرر من هذه القيود والانطلاق نحو محاربة هذا النظام المستبد الخارج عن ملة الإسلام، وعمق تعاليم القرآن السمحة. وذلك ما أقضى مضاجع النظام وأرعبه.
- إن حزب التكوين الايديولوجي للنظام السعودي وتجريده مما يسميها الشرعية الدينية على مؤسسة السياسية، سوف يفشل مساعيه لخندقة أبناء أهل السنة ضد إخوانهم الشيعة، فمنذ تحرك المشاريع الأمريكية والصهيونية في منطقتنا قبل خمس سنوات ولحد الآن يحاول النظام السعودي بكل ما أوتي من أموال طائلة ومن مشاريع إعلامية عملاقة أقامها بهذه الأموال، ومن خبث ودهار يقف وراءه الاميركان والصهاينة... يحاول دفع أهل السنة إلى مقاتلة إخوانهم الشيعة، أو تغطيته جرائمه بحق أهل اليمن خاصة، والعراق وسوريا وليبيا وباكستان...عامة بأسم الدفاع عن الإسلام وما إلى ذلك من الادعاءات الكاذبة، فهذا المؤتمر أسس الخطوة الأولى لنسف هذه المساعي السعودية، وفتح أعين أبناء المذاهب الأربعة نحو حقيقة ما يقوم به النظام السعودي ضد الإسلام وضد الأمة الإسلامية في المنطقة، في العالم.
- إن وعي الأمة الإسلامية، سيما من اتباع المذاهب الأربعة، سوف يدفع المخلصين من هذه الأمة إلى التحرك بالفكر والثقافة ونشر الحقائق وبالتحرك الشعبي وقول الكلمة الحق، ضد هذا النظام الجائر، وبالتالي تهيئة الظروف السياسية والثقافية والأمنية لإسقاطه وتخليص أبناء الجزيرة وعموم أبناء الأمة الإسلامية من تآمر وشروره وجرائمه ووقوفه إلى جانب أعداء الأمة الإسلامية الصهاينة والاميركان ومن لف لفهم.
بقلم : عبد العزيز المكي
ارسال التعليق