ما وراء تعيين النظام السعودي سفيره في فلسطين: إن لم تستحِ فافعل ما شئت
بقلم: يارا بليبل...
هناك مستوى من الوقاحة الملازمة لأقلام كتاب البلاط السعودي في صحف النظام، تحول بينك وبين فهم التركيبة التي تشكل مدركاتهم المعرفية، إذا ما وجدت. إذ تبدو لك قراءة ومتابعة انتاجهم المكتوب الرامي لاتخاذ موقف سياسي محدد كمن يدور حول الفكرة نفسها مستخدما كل المفردات الممكنة لتعبئة السطور. فراغ فكري، واستهزاء واستخفاف بوعي القارئ من بوابة تشويه الحقائق و"صفّ الحكي".
أثار تعيين نايف السديري سفيرا فوق العادة ومفوضا غير مقيم لدى فلسطين الكثير من التساؤلات حول الأهداف التي يرمي إليها النظام السعودي من وراء هذه الحركة، التي أتت بالتوازي مع تصاعد وتيرة الحديث عن قرب التطبيع الرسمي بينه وبين "إسرائيل" برعاية أميركية، وانكشاف شروط الاتفاق بين الطرفين، لناحية تمسك الرياض ببند حصولها على مساعدة في تطوير برنامجها النووي "السلمي"، وتقديم واشنطن للضمانات الأمنية، وكذا مزاعم إصرار الرياض على حل "الدولتين" التي قدمته مبادرة الملك عبدالله وعرفت لاحقا ب"المبادرة العربية".
وعن البند الأخير، أكد رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو رفضه لقيام دولة فلسطينية إلى جانب "إسرائيل"، وقال إنه لن يوافق على أي شيء "يهدد أمن إسرائيل". جاء ذلك في الجزء الثاني من مقابلة أجرتها وكالة "بلومبرغ" الأميركية، خلال الأسبوع الأول من شهر أغسطس/آب الجاري.
وردا على سؤال حول "تنازلات" يمكن أن يقدمها من أجل اتفاق مع السعودية، قال نتنياهو إن "بإمكاني القول ما لن أكون مستعدا لتقديمه، وهو أي شيء سيهدد أمن إسرائيل. لن أفعل ذلك".
وأضاف أن "القضية الفلسطينية تدخل دائما إلى التقارير حول المحادثات، وهذا أشبه بشيء ينبغي تجاوزه، وعليك القول إنك تقوم بذلك".
وسعى نتنياهو إلى إعطاء أهمية ضئيلة لحل الدولتين في المحادثات مع السعودية. "هل هذا قيل في الغرف المغلقة؟ هل تم بحث هذا الأمر في مفاوضات؟ بإمكاني القول إن هذا حدث أقل من الاعتقاد السائد".
وردا على سؤال حول ما إذا قيام دولة فلسطينية هو "خط أحمر"، زعم نتنياهو أن "هذه لن تكون دولة فلسطينية. هذه ستكون دولة بسيطرة إيرانية. ولن تحصل على دولة فلسطينية، وإنما على دولة إرهاب إيرانية".
وتابع "أنا أقول طوال الوقت إن الطريق الوحيدة التي يمكن أن يكون فيها اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين في المستقبل، هو أن تبقى إسرائيل القوة الأمنية العليا في المنطقة، وإلا فإننا سننهار، وهم سينهارون أيضا".
وتطرق نتنياهو إلى العلاقات بين "إسرائيل" و"السعودية"، وقال إنه "أعتقد أننا على وشك رؤية تاريخ. ولا يمكنني أن أتعهد، لكنني أراهن أن هذا سيحدث. ويدور الحديث بداية عن اتفاقيات اقتصادية – طاقة، مواصلات، اتصالات. وهذا سيستند بشكل طبيعي على جغرافيتنا – من آسيا، إلى شبه الجزيرة العربية وحتى أوروبا. وسوف نرى ذلك حتى في حال اتفاق سلام رسمي أو لا".
وبالعودة إلى التعاطي الإعلامي مع الخطوة السعودية حيال تعيين سفير لها في الضفة الغربية، تزاحم كتاب الرواق السعودي للتهليل للخطوة السعودية، باعتبارها تدل على تمسك "ولي نعمتهم" بالقضية الفلسطينية وتشجب كل ما يتم ترويجه عن تطبيع العلاقات.
بطبيعة الحال، لم تتمكن صحيفة "الرياض"، بالرغم من بحثها المكثف في دليل "ملوك" آل سعود، أن تقدم أي مستمسك يثبت دعم "السعودية" للقضية الفلسطينية بعيدا عن الكلام ورعاية مؤتمرات السلام واخضاع العرب الى المطالب الصهيوأمريكية وتكرار الكلام الممجوج عن "وقوفها" إلى جانب حق الفلسطينيين في تحرير أرضهم وغيرها من الشعارات التي ما انفكت "قيادات وزعماء" أغلب الدول العربية عن تردادها.
وزعمت الصحيفة أن "السعودية" قدمت من أجل دعم مركزية القضية الفلسطينية " الشهداء والدعم العسكري والمادي والسياسي منذ بدء المشكلة فضلاً عن طرح المبادرات تلو المبادرات لحل القضية الفلسطينية، تمثلت في: مشروع الملك فهد للسلام (المشروع العربي للسلام)، الذي أعلن في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في مدينة فاس المغربية عام 1982م، ووافقت عليه الدول العربية، وأصبح أساساً للمشروع العربي للسلام، كما كانت هذه البادرة أساساً لمؤتمر السلام في مدريد عام 1991م."
وتابعت "ولو أردنا سرداً تاريخياً بالحقائق والمواقف والدلالات لمواقف المملكة المشرفة في تبنيها ودعمها للقضية الفلسطينية ابتداءً بتعيين الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- سفيرًا لدى فلسطين في القدس تحديداً عام 1947 قبل تأسيس دولة إسرائيل نفسها عام 1948 والذي هو، بالمناسبة، العام نفسه التي اعترفت فيه إيران بدولة اسرائيل، تلاه بعام واحد اعتراف تركيا بإسرائيل في 1949. ثم لا ننسى زيارة الملك فيصل -رحمه الله- للضفة الغربية والصلاة في القدس عام 1966، فضلاً عن أمره بترميم الأقصى بعد الحريق الغاشم عام 1969."
على هذه الشاكلة يتمثل دعم النظام السعودي للقضية، تعيين سفراء وزيارات مكوكية إلى القدس، والغمز من قناة إيران للتصويب عليها ومحاولة اتهامها بتقمص الأدوار، في تشويه واضح لحقيقة أن إيران حينها، 1947، كانت إيران الشاه، الراعي الرسمي لمصالح أميركا في المنطقة، وليست إيران الولي الفقيه كما هي اليوم منذ العام 1978.
كما أن الصحيفة لم تكتف بما ورد، بل سمحت لنفسها الادعاء بارتباط "السعودية" مع القضية الفلسطينية بالوجدان الديني، وطبعا ونحن هنا لا يسعنا إلا التأكيد على ذلك من بوابة إحياء الذاكرة والإشارة إلى زيارات الصحافيين الصهاينة إلى بلاد الحرمين الشريفين، ونقلهم لوقائع الحج العام الماضي، وكذا مجاورتهم لقبر رسول الله، وإقامة الحاخام يسرائيل هرتسوغ في الرياض. ولا ننسى محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي، الأخير الذي تكرّس أفعاله والصلاحيات المناطة به مبدأ التمسك بأيقونية القضية الفلسطينية، سيما بعد تكريمه من قبل حركة مكافحة اللاسامية واتحاد السفارديم الأمريكيبجائزة هي الأولى التي تخصص” للقادة المسلمين” المشاركين في مكافحة معاداة السامية. وادعى العيسى خلال المؤتمر أنه “بينما عاش اليهود والعرب جنبا إلى جنب على مدى قرون.. من المحزن أننا ابتعدنا في العقود الأخيرة عن بعضنا البعض، هناك من يحاولون تزييف التاريخ، من يدعي أن المحرقة وهي الجريمة الأكثر فظاعة في تاريخنا البشر، انها نسج الخيال”.
ولا يسعنا المجال لذكر تفاصيل حول زيارة العيسى، عام 2020، إلى معسكر الإعتقال النازي “أوشفيتز” ببولندا، تزامناً مع ذكرى الـ75 لمحرقة “الهولوكوست” . وكان قد سبق ذلك، زيارته إلى المتحف الأمريكي لذكرى “الهولوكوست” في واشنطن عام 2018، ثم نشر عقب الزيارة مقالاً في صحيفة “واشنطن بوست”، أدان فيه جرائم النازيين ودعا مسلمي العالم إلى استخلاص الدروس من تجربة “الهولوكوست”.
أمام كل هذه الوقائع الواردة، لا شيء يمنع الصحيفة من الاستمرار بالكذب والوقاحة، حيث حمّلت أهل القضية الفلسطينية مسؤولية تشويه القضية، ولفتت إلى أن الأخيرة " فقدت محوريتها بكثرة ما لقي العرب من الفلسطينيين من نكران وجحود وشتائم واعتداء وولاء للأعداء الوجوديين للعرب، وارتزاق وقبول تدخلات دول ليس لها تاريخ يذكر من المواقف السياسية دعما للنضال، وإنما هي دخيلة على النضال الفلسطيني، هذه التدخلات التي سمح بها الفلسطينيون وعززت من انقسامهم واحترابهم الداخلي، مهدت الطريق لإسرائيل لمزيد من التصعيد ورفض مبادرات السلام، في وقت كانت تعمل فيه السعودية على جمع الفرقاء الفلسطينيين وتوحيد كلمتهم."، وهنا طبعا المقصود بوضوح وبساطة، إيران.
وتابعت الصحيفة هجومها، نحو حركة حماس ودورها في "تعطيل" اتفاق مكة بـ"إملاءات خارجية"، فضلا عن زعمها بالقول " إن القضية الفلسطينية إن خذلها أحد فلم يخذلها أحد قدر بعض أبنائها أنفسهم وابتلعتها الانقسامات، حتى باتت القضية لغة انتخابية تتبارى عليها حماس وفتح، بينما القضية العظمى خارج حساباتهم السياسية!"
وختمت الصحيفة تبرير التطبيع، على أنه أمر طبيعي يعكس مكانة "السعودية" وادعت أن دول كثيرة عظمى كإيران "تعمل على تصحيح نهجها السياسي تجاه المملكة لما رأته من صلابة الموقف السياسي ووحدة الصف الداخلي والثقلين السياسي والاقتصادي".
وأما عن "وحدة الصف" المزعومة، ففندق الريتز كارلتون يشهد، ومحمد بن نايف، وكذا معتقلي الرأي في السجون السعودية وتضاعف مستويات الإعدام منذ استلام محمد بن سلمان زمام الحكم فعليا في "مملكة السلام" كما يحلو للكاتبة القول. وأما عن صلابة الموقف السياسي فيشهد عليه فشل النظام السعودي في اليمن وإقراره بالحوار مع صنعاء والاعتراف بها، وكذا استعادة سوريا لمقعدها في القمة العربية، وصمود قطر بعد حصارها وإبقاءها على تمايز سياساتها ودورها "غير التابع" على الأقل خليجيا.
الكثير من الكلام يقال حول السياقات التي يسعى النظام السعودي من خلالها ترويج خطوة تعيين سفير له في فلسطين. إلا أن ما ينفعنا التذكير به، وباختصار، أن "السعودية" لم تكن معنيّة يوما بالدفاع عن فلسطين، ولا بمناصرة أهلها، وهي كانت قد شنّت حربا على وجوه حماس من القادة المقيمين فيها، أمثال محمد الخضري وولده هاني واعتقلتهما، إلى جانب عدد من الفلسطينيين، بتهم تتعلق بالإرهاب وغيرها. ألا يكفي أن يكون آل سعود يستجدون أمنهم وضمان إمساكهم بالسلطة من واشنطن حتى يقطع الشكّ باليقين؟
ارسال التعليق