مسودة أول قانون عقوبات مكتوب في السعودية: قوننة للانتهاكات
قالت منظمة العفو الدولية، في تقرير جديد صدر في التاسع عشر من الشهر الجاري، إن المسودة المسربة لأول قانون عقوبات مكتوب في السعودية، والذي تم تسريبه عام 2022، تبتعد كل البعد عن تلبية المعايير العالمية لحقوق الإنسان، وتكشف النفاق الكامن وراء وعود ولي العهد محمد بن سلمان بمحاولاته الترويج لحكومته على أنها تقدمية وشاملة. مشيرة إلى أنه على الرغم من أن السلطات السعودية لم تقم بمشاركة مسودة قانون العقوبات للتشاور مع المجتمع المدني المستقل، لكن عددا من الخبراء القانونيين السعوديين أكدوا صحة المسودة المسرب.
ويحلل التقرير، الذي يحمل "بيان القمع" مسودة القانون المسربة التي تكشف كيف أنه بدلاً من تحسين سجل حقوق الإنسان السيئ في البلاد كجزء من الأجندة الإصلاحية لولي العهد، فإنه يتعارض مع القانون الدولي ويقنن الممارسات القمعية الحالية في قانون مكتوب. يجرم مشروع القانون الحق في حرية التعبير والفكر والدين، ويفشل في حماية الحق في حرية التجمع السلمي.
ويسلط التقرير الضوء أيضاً على حالات قمع المعارضين الأخيرة، موضحاً مخاطر اعتماد المشروع كما هو.
قالت أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية "إن غياب قانون العقوبات المكتوب قد أدى منذ فترة طويلة إلى حدوث انتهاكات منهجية وظلم في المملكة العربية السعودية. قد يكون إصدار أول قانون للعقوبات فرصة حاسمة للسلطات السعودية لتحويل نظام العدالة الجنائية المسيء إلى نظام يحترم حقوق الإنسان. وتابعت: "إن تحليلنا لمشروع القانون المسرب يكشف أنه في الأساس بيان للقمع من شأنه أن يرسخ انتهاكات حقوق الإنسان ويقمع الحريات".
وتؤكد في تقريرها على أنه في الوضع الحالي، يحطم مشروع القانون الوهم بأن ولي العهد يتبع أجندة إصلاحية حقيقية. ووفقا للمنظمة تمر السعودية بمنعطف حرج: فمع وجود مشروع قانون العقوبات قيد المراجعة التشريعية حاليا، لا تزال لدى السلطات فرصة لتثبت للعالم أن تعهداتها بالإصلاح هي أكثر من مجرد وعود فارغة. ويجب عليهم التشاور بشكل عاجل مع خبراء المجتمع المدني المستقلين وتعديل مشروع القانون لضمان توافقه مع المعايير الدولية وإعادة تقييم القوانين الحالية لدعم حقوق الإنسان.
وإلى جانب تقريرها، تطلق منظمة العفو الدولية أيضاً حمل عالمية مؤخرا للمطالبة بالإفراج عن الأفراد المسجونين ظلماً أو المحكوم عليهم بالإعدام بسبب ممارستهم لحقوقهم في حرية التعبير كجزء من حملة القمع التي تشنها السلطات.
وهي الحملة التي تسعى منظمة العفو الدولية من خلالها إلى ممارسة ضغط دولي من أجل إجراء إصلاحات في مجال حقوق الإنسان، وذلك من خلال كشف الحقيقة القاتمة وراء محاولات السعودية غسل صورتها الدولية.
وستسلط الحملة الضوء على الحالات المروعة للذين سُجنوا ظلماً أو يواجهون عقوبة الإعدام لمجرد التعبير السلمي عن آرائهم. وقالت أنييس كالامارد في هذا الإطار: "سوف نكشف عن العواقب المخيفة لحملة القمع القمعية في البلاد وسنزيد الضغط على الحلفاء الرئيسيين للمملكة العربية السعودية للضغط من أجل إصلاح حقيقي".
وكتبت المنظمة إلى مجلس الوزراء السعودي ولجنة حقوق الإنسان في البلاد لإطلاعهما على تحليل منظمة العفو الدولية، بالإضافة إلى الأسئلة المتعلقة بمشروع قانون العقوبات. وفي 4 فبراير/شباط، ردت هيئة حقوق الإنسان السعودية بنفي صحة المسودة وذكرت أن مشروع النظام يخضع حالياً للمراجعة التشريعية. داعيةً السلطات السعودية إلى نشر أحدث نسخة من المسودة للحصول على آراء المجتمع المدني المستقل.
ويحلل تقرير منظمة العفو الدولية مشروع قانون العقوبات الذي تم تسريبه والمكون من 116 صفحة، ويدقق في توافقه مع القانون الدولي لحقوق الإنسان وقدرته على إدامة انتهاكات حقوق الإنسان القائمة. يعتمد التقرير على توثيق حقوق الإنسان على مدى عقد من الزمن لحملة السلطات السعودية على الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي واستخدام التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة وعقوبة الإعدام، فضلا عن مقابلات مع خبراء مطلعين على المشهد التشريعي في السعودية.
وتشير منظمة العفو الدولية إلى أن مشروع قانون العقوبات يغطي فقط الجرائم التقديرية (جرائم التعزير)، التي لم تحدد عقوباتها في الشريعة الإسلامية، ولا يقنن الجرائم التي لها عقوبات ثابتة بموجب الشريعة (المعروفة بجرائم الحد أو القصاص). منح القضاة سلطة تقديرية واسعة في تحديد ما إذا كان قد تم استيفاء الحد الأدنى من الأدلة.
تجريم الحريات:
على مدى العقد الماضي، فرضت السلطات السعودية قيودا مشددة على حرية التعبير، واستهدفت عددا كبيرا من الأصوات المعارضة – من المدافعين عن حقوق الإنسان إلى الصحفيين ، بما في ذلك رجال الدين ونشطاء حقوق المرأة ـ من خلال السجن أو النفي أو الإفراج المشروط الذي يشمل حظر السفر. استخدمت السلطات أحكام مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية لإسكات التعبير النقدي والفكر المستقل.
لافتة إلى واحدة من القضايا المروعة، تقضي سلمى الشهاب، طالبة الدكتوراه وأم لطفلين، حكماً بالسجن لمدة 27 عاماً بسبب دعمها لحقوق المرأة على منصة إكس.
لافتة إلى أن من شأن مشروع قانون العقوبات أن يعزز هذه التدابير القمعية من خلال تجريم التشهير والإهانة واستجواب السلطة القضائية بعبارات غامضة، مما يهدد بمزيد من التعدي على الحريات الفردية وإدامة حملة قمع المعارضة
تقنين استخدام عقوبة الإعدام:
على الرغم من وعود محمد بن سلمان بقصر عقوبة الإعدام على الجرائم الأشد خطورة وفقًا لما تمليه الشريعة، فقد حدثت زيادة مروعة في عمليات الإعدام في ظل حكمه، بما في ذلك واحدة من أكبر عمليات الإعدام الجماعية في العقود الأخيرة لـ 81 شخصًا في مارس 2022.
يقنن مشروع قانون العقوبات السعودي عقوبة الإعدام كعقوبة أساسية لمجموعة من الجرائم، تتراوح من القتل إلى الاغتصاب، في انتهاك للقانون الدولي. ويسمح مشروع القانون بإعدام المخالفين الأطفال لارتكابهم جرائم معينة، ويحدد سن المسؤولية الجنائية عند سبع سنوات منخفضة بشكل مثير للصدمة. وتوصي لجنة حقوق الطفل، والسعودية دولة طرف فيها، بألا يقل الحد الأدنى لسن المسؤولية الجنائية عن 12 عامًا.
وتعلق أنييس كالامارد على الأمر: "من الضروري أن ينشئ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة آلية لمراقبة حالة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، حتى لا تتمكن السلطات السعودية من الاستمرار في التستر على الواقع المرير للقمع الذي تمارسه، من خلال شراء صمت العالم، والترويج لصورة التقدم والتألق أمام الرأي العام العالمي بآلة العلاقات العامة الباهظة الثمن".
عريضة المنظمة: لا تنخدعوا بوهم الإصلاح:
وحول العريضة التي أطلقتها المنظمة، فقد كانت انطلاقا من أن "منذ وصول ولي العهد إلى السلطة، تدهورت حالة حقوق الإنسان بشكل كبير، وما يواجهه الناس في السعودية من حملة قمع غير مسبوقة ضد حرية التعبير، بما في ذلك أحكام السجن الثقيلة بسبب التعليقات الانتقادية على وسائل التواصل الاجتماعي". مشيرة إلى وصول عمليات الإعدام المتعلقة بمجموعة واسعة من الجرائم إلى مستويات قياسية.
كما وتتم محاكمة العديد من قضايا التعبير أمام المحكمة الجزائية المتخصصة سيئة السمعة، والتي تهدف إلى محاكمة الجرائم المتعلقة بالإرهاب، ولكنها تم استخدامها كسلاح لإسكات المعارضة. كما تصدر المحكمة الجزائيةالمتخصصة أحكاما قاسية بعد محاكمات جائرة بشكل صارخ للمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين والصحفيين ورجال الدين والأشخاص العاديين.
في عام 2017، أعلنت وزارة الإعلام السعودية عن حملة عالمية "للترويج للوجه المتغير للمملكة العربية السعودية لبقية العالم وتحسين النظرة الدولية للمملكة".
ووفقاً لتوصيف المنظمة فقد تم تعيين خبراء في العلاقات العامة لنشر وهم التقدم والإصلاح ومواجهة التغطية الإعلامية السلبية للبلاد. وقام صندوق الثروة السيادية السعودي، صندوق الاستثمارات العامة، الذي يرأسه محمد بن سلمان، ببناء موطئ قدم بمليارات الدولارات في صناعات الترفيه والرياضة والتكنولوجيا.
وسارعت الشخصيات التجارية والرياضية والترفيهية للاستفادة من السخاء المالي الذي تتمتع به السعودية، ونسي زعماء العالم إداناتهم السابقة لحقوق الإنسان، وقاموا بفرش السجادة الحمراء لولي العهد.
وفي الوقت نفسه تدهورت حالة حقوق الإنسان في البلاد بشكل كبير، فبالإضافة إلى سياسة عدم التسامح مع الانتقادات، فقد أعدمت السلطات السعودية في عام 2022 196 شخصًا وما لا يقل عن 172 شخصًا في عام 2023، على الرغم من وعود السلطات بالحد من استخدام عقوبة الإعدام. رقم 2022 هو أعلى عدد سنوي لعمليات الإعدام سجله باحثونا في البلاد خلال الثلاثين عامًا الماضية.
ارسال التعليق