هل الأزمة العقارية أزمة مفتعلة ؟؟؟
لم يعد خافيا على أحد الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تفاقم أو الأزمة العقارية المحلية، وأن أغلبها كان مفتعلا أكثر من كونه سببا اقتصاديا بحتا، وبعضها الآخر كان نتيجة لتأخر تطوير وتحديث السياسات الاقتصادية على المستوى الكلي للاقتصاد. كما لم يعد خافيا أيضا؛ أن معالجة تلك الأزمة المفتعلة ليست إلا عن طريق القضاء على الأسباب التي أفضت إلى تشكلها على ما هي عليه في الوقت الراهن!
بدأت الأزمة الإسكانية والعقارية من (تشحيح الأراضي) وليس من (شح الأراضي)، أفضى بدوره إلى تجفيف شبه تام للمعروض منها، ومع تقلص قنوات الاستثمار محليا وانحصارها تقريبا في سوقي العقار والأسهم، في مواجهة تزايد السيولة المحلية (ارتفعت خلال العقد الماضي من 496 مليار ريال إلى أكثر من 1.7 تريليون ريال بنهاية العام الماضي)، كان من الطبيعي أن يتعرض الاقتصاد الوطني لموجات متتالية من التضخم في الأسعار، بدأتها بالسوق المالي 2003 - 2006 (ارتفعت قيمته السوقية من 281 مليار ريال ″68 شركة مساهمة″ مطلع 2003 إلى أن تجاوزت 3.1 تريليون ريال ″78 شركة مساهمة″ مطلع 2006)، وانتقلت بعد انهياره في أواخر شباط (فبراير) إلى السوق العقارية، واستمرت منذ آذار (مارس) 2006 توقد أسعار الأصول العقارية المختلفة، إلى أن بلغت ذروتها في أيلول (سبتمبر) 2014، التاريخ الذي بدأت بعده في التراجع المتئد نتيجة إحجام الأفراد وعدم قدرتهم على الشراء، ولتدخل السوق في منطقة من الركود الكبير، الذي لا يُتوقع انفضاضه إلا بمزيد من الإصلاحات الحكومية الجادة والصارمة.
ما العوامل التي أدت في الحقيقية لتفاقم هذه الأزمة؟ إنها كالتالي:
(أولا) بدأت من منح الأراضي بمساحات شاسعة جدا لأفراد محدودين، تحولت معه أغلب مسطحات الأراضي الأكبر إلى غلة مكتنزة في أيادي قلة من السكان، وظل جزء كبير من تلك الأراضي الشاسعة مملوكا كأراض خام لم يتم تطويرها أو إحياؤها، فيما انتقلت ملكية جزء آخر منها إلى فئة أخرى- كما سيأتي في إيضاح العامل الثاني.
(ثانيا) انتقل جزء من ملكية تلك الأراضي الشاسعة إلى كبار تجار الأراضي المقتدرين ماديا، بأثمان بخسة مقارنة بأسعارها السوقية، واحتفظوا بدورهم بالجزء الأكبر من تلك الأراضي الخام كمخزنات طويلة الأجل للثروة، دون أية أعباء مالية تذكر (الأرض لا تأكل ولا تشرب).
وفي جانب آخر، تم تطوير جزء محدود من تلك الأراضي، وضخه من خلال المساهمات العقارية، التي تلقفتها السيولة النقدية المتنامية الباحثة عن فرص استثمارية لدى الدرجة الثالثة من تجار العقار، وفق آليات استهدفت المحافظة على النمو المستمر للأسعار، والاستفادة القصوى من اختلال قوى العرض والطلب في السوق، بما يخدم تنامي قيمة الثروات المخزنة في تلك الأراضي الجرداء، وعلى حساب تلبية احتياجات البلاد والعباد من إعمار واصطلاح تلك الأراضي.
(ثالثا) قام تجار العقار من الدرجة الثالثة وما دونها من الدرجات، الذين تبدأ مشترياتهم العقارية من المساهمات والمزادات العقارية على هيئة ما يسمى البلوكات (أكثر من قطعة أرض)، بتكرار نفس أخطاء كبار الملاك (أصحاب المنح، المشترين الكبار لتلك المنح)، باكتناز الأرض (التي لا تأكل ولا تشرب)، وانتظارهم أيضا لتنامي قيمتها مستقبلا، ولك أن تتخيل سعر متر الأرض إلى أي مستوى سعري سيصل إليه؟ في ظل: (1) تشحيح الأراضي وفق ما تقدم ذكره. (2) تقلص فرص الاستثمار البديلة. (3) ارتفاع حجم السيولة النقدية في الاقتصاد. (4) تنامي احتياجات المجتمع من الإسكان. (رابعا) تزامن مع انخفاض منح الأراضي طوال العقد الماضي، وارتفاع أسعارها السوقية، زيادة جرائم تزوير الصكوك وحجج الاستحكام، ما فاقم بدوره من تشحيح الأراضي، وهو ما أكدته الجهود الخيرة لوزارة العدل باستعادتها لتلك الأراضي وإلغاء صكوكها المزورة، التي وصلت مساحاتها إلى نحو 2.0 مليار متر مربع، وهذا بدوره زاد دون شك في ارتفاع الأسعار وتضخمها إلى مستويات غير مسبوقة، ودون مبررات اقتصادية مقبولة.
ما النتيجة الآن في ضوء ما تقدم؟ لقد علق الاقتصاد والمجتمع على حد سواء بشراك أزمة اقتصادية حقيقية، لم يكن لها أن توجد لولا تلك العوامل أو الاختلالات! والواقع اليوم أن الأفراد سواء الباحثين عن مساكن، أو المالكين لبعض قطع الأراضي أو الوحدات السكنية بحثا عن بيعها بمكاسب على رؤوس أموالهم، واقعين في الوقت الراهن وسط هذه الأزمة، فالباحث عن مسكن لا يمكن له الشراء بهذه الأسعار المتضخمة جدا، والمالك الساعي لبيع ما لديه إن قطعة أرض أو وحدة سكنية لا يجد من يشتري منه (وصل فائض عرض الوحدات السكنية الشاغرة بنهاية 2014 إلى 635 ألف وحدة سكنية، ويقدر ارتفاعه إلى 752 ألف وحدة سكنية بنهاية 2015).
على الرغم من اضطرار شريحة من ملاك قطع الأراضي والمساكن إلى البيع بتخفيضات، تراوحت نسب تراجعها بين 11 في المائة و 18 في المائة حتى تاريخه، إلا أنها لم ولن تسهم في إخراج السوق العقارية من حالة الركود التي تخيم عليها الآن، وما فائدة تلك النسب المحدودة من التراجع في مواجهة نسب ارتفاع فاقت مستوياته 400 في المائة طوال الفترة 2006 - 2014؟ حتى مع توقعات استمرار نسب التراجع في الأسعار طوال الفترة القادمة، وتزامنها مع ضخ وزارة الإسكان لمنتجاتها، إلا أنه لن يُغني أبدا عن إقرار الحلول اللازمة الآتي ذكرها للخروج من هذه الأزمة الكأداء.
ما الحلول المفترض إقرارها الآن؟
(أولا) الإسراع بعمل اللجنة القائمة الآن على توجيه الأراضي المستردة بموجب الصكوك وحجج الاستحكام المزورة الملغاة من وزارة العدل إلى وزارة الإسكان.
(ثانيا) الإسراع بفرض الرسوم والغرامات على الأراضي المحتكرة والمحجوبة عن التطوير والانتفاع العام، وفقا للدراسة المعدة من قبل وزارة الإسكان.
(ثالثا) استرداد أراضي المنح التي لم يتم تطويرها طوال خمسة أعوام فأكثر من تاريخ منحها، وإعادة توجيهها إلى وزارة الإسكان، أو الدخول في شراكة لتطويرها مع وزارة الإسكان، وتمويل تلك الشراكة وفق برامج تمويلية مستحدثة بالتعاون مع صندوق التنمية العقارية والمصارف المحلية ومؤسسات التمويل.
(رابعا) الإسراع في فتح قنوات الاستثمار البديلة، وتسهيل إجراءات تأسيسها وإنشائها، التي ستسهم بدورها في اجتذاب السيولة المحلية الكبيرة الباحثة عن تلك القنوات. (خامسا) تطوير ودعم سوق السندات والصكوك، ولعل من أهم خطوات دعمها قيام الحكومة بتمويل مشروعاتها الرأسمالية الراهنة والمستقبلية عبر إصدار صكوك، الذي سيسهم بصورة سريعة في امتصاص أجزاء كبيرة من السيولة المحلية، الذي بدوره سيخفف من احتقان السيولة المتركزة، سواء في السوق العقارية أو السوق المالية، ويعجل بمزيد من تنفيس تضخم الأسعار، والحد كثيرا في المستقبل من تشكل الفقاعات السعرية في السوق المحلية عموما.
(سادسا) سيسهم تحقيق ما ورد في الحلين الأخيرين في زيادة كل من تنويع قاعدة الإنتاج وقنوات الاستثمار المحلية، الذي سيوجد بدوره مزيدا من فرص العمل الكريمة للمواطنين، ويحسن من مستويات دخلهم. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الإقتصادية
ارسال التعليق