هل حركة الأمراء أمام القصر الملكي....هي أول غيث انفجار الأسرة السعودية ؟
اعترف النظام السعودي باعتقال أكثر من عشرة أمراء من العائلة السعودية، قال إنهم تظاهروا أمام قصر الحكم، احتجاجاً على تحمليهم دفع فواتير الكهرباء والماء ، حيث يمكن أن يكلفهم ذلك مئات الملايين من الريالات، والتي أعلن بعضهم بعدم قدرته على دفعها، وفقاً لما قاله أستاذ الإعلام بجامعة فيصل، أنه " في عهد الملك عبدالله صدر قرار تسوية ديون شركة الكهرباء المستحقة على الأمراء، وفي هذا الوقت رفض الكثيرون السداد بحجة أن ليس لديهم أموال للسداد-بينما يقطع التيار الكهربائي عن المواطنين بمجرد عدم التسديد-، فتراكمت تلك المستحقات والآن يطالبون الدولة بأن تتحملها عنهم، ويبدو أن الأمراء المحتجين قد تجمعوا وأرادوا أن يأخذوا موافقة من الملك بأن تتحمل الدولة قيمة المستحقات الواجب سدادها للشركة " على حد قوله.. وأوضح باطرفي، أن " محاولات الوساطة وحل الأزمة فشلت، وقالوا لن نترك القصر حتى يتم تنفيذ مطالبهم، وهنا أمر الملك بنقلهم والتحفظ عليهم ". بحسب زعمه.
وكانت صحيفة سبق قد نقلت عن مصادر حكومية، أن 11 أميراً قاموا بالتجمهر في قصر الحكم، مطالبين بإلغاء الأمر الملكي الذي نص على إيقاف سداد الكهرباء والمياه عن الأمراء، ومطالبين بالتعويض المادي المجزي عن حكم القصاص الذي صدر بحق أحد أبناء عمومتهم. وكشفت الصحيفة نقلاً عن المصادر نفسها، أنه بعد إبلاغهم بخطأ مطالبهم، رفضوا مغادرة قصر الحكم، صدر " أمر كريم "لكتيبة السيف الأجرب، التابعة للحرس الملكي السعودي بالتدخل الفوري، وتم القبض على هؤلاء الأمراء الذين يتزعمهم الأمير (س.ع.س بن سعود بن فيصل بن تركي) وإيداعهم سجن الحائر تمهيداً لمحاكمتهم، مؤكدة - الصحيفة - وفقاً لتلك المصادر إن الجميع سواسية أمام الشرع، ومن لم ينفذ الأنظمة والتعليمات سيتم محاسبة كائناً من كان، على حد زعم الصحيفة..
هذا ونفت المصادر السعودية، ما قيل عن وسائل إعلامية، حصول إطلاق نار بين الأمراء، وقوات كتيبة السيف الأجرب..
على أن هذه الرواية لما جرى أمام قصر الملك سلمان، غير دقيقة ومفبركة على ما يبدو، إنما قام النظام بتسويقها للتغطية على ما يجري في البلاد، على صعيد الأسرة السعودية نفسها تحديداً، من ظواهر احتقان وتمرد، ولمحاولة كسب رضا الشارع في المملكة من ناحية أن القانون السعودي بات يطال حتى الأمراء، لأن هؤلاء كانوا يتمتعون بالحصانة الكاملة تقريباً، فلا يشملهم أي عقاب مما يشمل المواطن العادي في العهود السابقة لعهد سلمان وابنه، ولذلك تناقلت وسائل الإعلام روايتين أخريين عن أحداث القصر الملكي تختلفان عن رواية النظام الآنفة وهما :
الرواية الأولى: وقد جاءت على لسان حساب (( فارس)) حين غرد بالقول: "وسم كاذب مصدره (محمد بن سلمان)، وذبابه الالكتروني، الحقيقة أن بن سلمان اعتقل الأمراء بندر بن عبدالله بن محمد وتركي بن محمد وسعود ونايف للضغط على الأمير سلطان بن محمد صاحب شركة المراعي وماريوت والحصول على الشركتين " وقال فارس في سلسلة تغريدات، "أن بن سلمان أصدر أمراً باعتقال الأمير تركي بن محمد بن سعود الكبير، والأمير بندر بن محمد بن سعود الكبير، وقد دأهمت قوة من الأمارة قصرهم واقتادتهم مكبلين، مما دفع آل سعود الكبير للاجتماع الفوري والتوجه إلى إمارة الرياض، وهناك مُنع الجميع من الدخول، وتطور الموقف إلى اشتباك بالأسلحة ". وأضاف هذا المغرد موضحاً أن الاشتباك حصل بين قوة من الديوان والأمارة، وآل سعود الكبير أعتقل على أثره الأمراء. وعلق (( فارس)) على هذه الأحداث قائلاً " مَنْ يعتقد أن الحل ببوس اللحى فهو جاهل، ولا يعلم من هو الأمير سلطان بن محمد ولا يعرف من هو آل سعود الكبير ".
الرواية الثانية: وقد جاءت على لسان المغرد السعودي الشهير " مجتهد " حيث قال: إن هؤلاء الأمراء اعترضوا على حملة الاعتقالات لأقاربهم من الأمراء، وتغييب ولي العهد السابق (محمد بن نايف) وليس بسبب الفواتير "، وأضاف مجتهد في تغريدته على توتير قائلاً: أن محمد بن سلمان أدرك أن هذه بداية تمرد داخل العائلة فعمد إلى اختلاق سبب يطرب له الناس، فقام دليم المستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني)، بتكليف (صحيفة سبق) بنشر هذه الأكذوبة "، أي الرواية التي أشرنا اليها في بداية الحديث.
وتعتبر هاتان الروايتان أقرب للواقع والتصديق من رواية النظام التي تعاني من ثغرات كثيرة منها، أن المصادر السعودية تقول إن الأمراء اعتقلوا لمحاكمتهم، في حين أن الاحتجاج والمطالبة بتسديد فواتير الكهرباء بعد رفع الأسعار من قبل سلمان لا تستوجب المحاكمة، مما يثير التساؤل؟ حول هل الأمراء قاموا بعمل ما غير الذي أشارت إليه الرواية الرسمية، ليستحقوا الاعتقال والمحاكمة، وهذا ما يعزز روايتي فارس ومجتهد... ومن الثغرات أيضاً، الإشارة إلى أحد الأمراء، الذي كان يقود هذا التمرد، بالأحرف، مما يعني ذلك الكثير من الدلالات منها خوف بن سلمان من تفجر الوضع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، أو أنه لا يريد من ذكر الاسم إفساد الرواية الرسمية، حيث يعرف الرأي العام حينذاك أن هناك تمرداً قاده هذا الأمير ضد بن سلمان وشلته.
وإذا كانت أحداث القصر الملكي هي فعلاً تمرداً من بعض أمراء الأسرة السعودية، وهو الأرجح، فأنه يعكس دلالات في غاية الأهمية والخطورة، منها ما يلي :
1. وصل الاحتقان والغضب داخل الأسرة السعودية حداً، بحيث بات يعبر عن نفسه بهذا التمرد، الذي ليس هو الأول من نوعه، فهو الثاني، بعد الهجوم على قصر محمد بن سلمان في جدة بالأسلحة الرشاشة، قبل اشهر ، وقيل حينها أن ضباطاً من الحرس الوطني، الذي كان يقوده متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، قاموا بالهجوم وتواروا عن الأنظار، ورغم أن هجوم قصر جدة انطوى على مؤشرات خطيرة، إلا أنه يبقى أقل من خطورة ما حصل في قصر الحكم فالمواجهة المسلحة حصلت من أمراء، ما يدل على أن منسوب التبرم والغضب مما يقوم به بن سلمان، من اعتقال للأمراء المعارضين له، ومن قمع للناس، وإخفاقات متراكمة في السياسة الخارجية، والتي جلبت الويل والثبور للسعودية ولآل سعود أنفسهم، و مازال بن سلمان يحصد الفشل تلو الفشل، كل ذلك جعل الوضع داخل الأسرة السعودية غير قابل للتحمل ويمكن أن ينفجر على نطاق أوسع بحيث يحرق الأخضر واليابس في نظام آل سعود، وهذا ما أشارت إليه قراءة مجلة (أويل برايس) الاقتصادية الأمريكية للأوضاع السعودية في مطلع السنة الجديدة (1/1/2018)، حيث قالت إن هناك ثلاثة أخطار تتهدد السعودية بسبب سياسات بن سلمان الطائشة داخلياً وخارجياً، وقالت إن الخطر الثالث يتمثل في عدد من القرارات الجريئة التي يمكن أن تتسبب في زعزعة الاستقرار في البلاد، قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المملكة بصورة كبيرة، أو اندلاع احتجاجات جماهيرية، أو حتى اندلاع ثورة داخل القصر الملكي، لأول مرة في التأريخ السعودي ".
2. إذا كان اعتقال بن سلمان ل18 أميراً، ورجال دولة وأعمال، وأصحاب إمبراطوريات إعلامية وغير إعلامية، وأصحاب شركات عملائة...ورموز بارزة أخرى، وصلت أعداد هؤلاء إلى المئات...نقول إذا كان اعتقال هؤلاء، جرّ إلى تمرد 11 أميراً أمام قصر سلمان، فان اعتقال هؤلاء سوف يجري المزيد من هؤلاء الأمراء والذين يربو عددهم في الأسرة السعودية على أكثر من خمسة آلاف أميراً، إلى التمرد وإلى الثورة على بن سلمان، مهما حاول من تشديد حملة القمع ومراقبة هؤلاء الأمراء وتحركاتهم، وبالتالي سيظل وضع العائلة السعودية معرضاً في أية لحظة إلى تصعيد مفاجئ وحرب داخلية لا تبقى ولا تذر.
3. يؤشر تمرد الأمراء أمام قصر سلمان، إلى خروج هؤلاء الأمراء في حركتهم وفي تمردهم عن السيطرة الأمريكية، فإلى ما قبل أشهر، كان الإيقاع الأمريكي هو الحاكم والضابط لتحركات الأسرة وأمراءها بشأن ما يقوم به بن سلمان من سياسات فاشلة أوصلت المملكة الى حالة يرثى لها. واذا كان الأمر غير ذلك، فأن حركة الأمراء، تحذير شديد اللهجة لبن سلمان من جانب وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكتين، واللتين هما غير راضيتين من أغلب سياسات بن سلمان الخارجية الفاشلة، ذلك خلافاً لإدارة ترامب التي تقف بكل ثقلها إلى جانب بن سلمان، وفي كلتا الحالتين، أو الاحتمالين، فأن الاستقرار داخل النظام السعودي أصبح من الماضي، وبدلاً من ذلك بات هذا النظام يعيش أياماً صعبة ويعاني من الاضطرابات الداخلية والانقسامات بين الأمراء والعوائل داخل الأسرة السعودية، التي تهدد وفق خبراء أمريكيين وبريطانيين بالانفجار المدمر للنظام ولمملكته الهالكة.
4. إن هؤلاء الأمراء الذين ينتظرون محاكم بن سلمان، أو الذين سبقوهم الى السجن قبل اشهر لهم امتدادات ونفود وعلاقات نسب مع قبائل الجزيرة العربية، وبدون شك تطاول بن سلمان على هؤلاء الأمراء سوف يدفعهم إلى الاستعانة بهذه القبائل مما يجر البلد إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وقد يقول قائل أن بن سلمان، استطاع أن يقلّم أظافر هذه القبائل بشكل وآخر، أي انه تغدى بها قبل أن تتعشى به، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن مع ذلك يبقى خطرها ماثلاً، فما أن تحين الفرصة السانحة تنقض هذه القبائل القوية والمسلحة، ولعل سياسات الملك سلمان الداخلية، ومراسيمة الملكية المتواصلة سيما الأخيرة منها، تساهم مساهمة فاعلة في توفير الفرص السانحة لها، فطبقاً للتقارير الواردة من هناك، وتناقلتها الصحف الغربية، أن إقدام النظام على رفع أسعار البنزين والكهرباء، رفع منسوب الاحتقان الجماهيري إلى حدود الانفجار، ما اخطر الملك إلى تدارك الأمر ومنح الموظفين علاوات وما شابه ذلك لامتصاص الغضب الجماهيري، ويقول الخبراء انه على الرغم من محاولة سلمان تدارك الوضع باتخاذ إجراءات تخفف من العبئ الاقتصادي على المواطن المملكة، إلا أن المراسيم الأخيرة تركت أثراً كبيراً على المواطنين هناك، وباتوا أكثر جرأة وأكثر تحدياً للنظام السعودي.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق