"بن سلمان" والسنوار.. حقد غليظ منذ عبدالعزيز
[جمال حسن]
* جمال حسن
لم أكن ارغب في الربط بين شخصيتين بينهما فارق شاسع بسعة الارض والسماء عن بعضهما البعض في مقال واحد، لكن مفاجأة اصدار الصحافي الأمريكي المخضرم بوب وودوارد كتابه (الحرب)، وتوضيح تفاصيل مثيرة جداً من اجتماعات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن مع زعماء عرب عقب السابع من أكتوبر 2023، حيث أصواتهم الأكثر بروزا في الكتاب، ويندهش البعض لرؤيتهم مكشوفين ومتوحدين في الموقف الى هذه الدرجة ضد غزة وأهلها العزل؛ دفعني الى ذلك.
يكشف بوب ودورد في كتابه (الحرب) عما وصف وزير الخارجية الأمريكي محمد بن سلمان بقوله أنه “مجرد طفل مدلل مرعوب” ولا يبالي لما يجري في غزة وما يهمه بلوغ العرش فقط بأي ثمن، حيث قال لي وأنا التقيه في قصره منتصف الليل: “أريد فقط أن تختفي المشكلات التي أحدثها السابع من أكتوبر.. التطبيع لم يمت، لكننا لا نستطيع المضي به قدما في الوقت الحالي (قبل إنهاء المقاومة الفلسطينية)".
القول بخيانة آل سعود لفلسطين وشعبها المشرد من المسلمات والبديهيات لمن يتتبع تاريخ هذه الأسرة الفاسدة القابعة على الجزيرة العربية، تسلسل الخيانة من الجد ثم الأبناء والأحفاد ومحمد بن سلمان زادها بريقاً وسطوعاً أكثر وأكثر عبر مواقفه السياسية وإجراءاته العملية من دعمه الكامل لما سميت بـ"صفقة القرن" وما جرى ويجري من بعدها حتى يومنا هذا، حيث يشغل أبناء الجزيرة العربية ومن حولها من "الأعراب أشد كفراً ونفاقاً" بالرقص والمجون والخمور ودماء الأبرياء تراق دون ذنب في غزة ولبنان.
"لا تنتظروا من العالم أن ينصفكم، فقد عشت وشهدتُ كيف يبقى العالم صامتًا أمام ألمنا. لا تنتظروا الإنصاف، بل كونوا أنتم الإنصاف. احملوا حلم فلسطين في قلوبكم، واجعلوا من كل جرح سلاحا، ومن كل دمعة نبعا للأمل.. كونوا شوكة في حلقهم، طوفانا لا يعرف التراجع، ولا يهدأ إلا حين يعترف العالم بأننا أصحاب الحق، وأننا لسنا أرقاما في نشرات الأخبار" - من وصية للشهيد يحيى السنوار
الأمر لم يكتف عند بوبو وكتابه، فقد كشفت مجلة "أتلانتيك" من قبله أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قد أبلغ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال لقاء جمعهما في يناير/ كانون الثاني من العام الجاري في السعودية، أن القضية الفلسطينية "لا تهمه شخصيا.. هذه القضية مهمة بالفعل لشعبه، لذا اطلب انهائها تمهيداً لآتفاق التطبيع مع اسرائيل"؛ متكفلاً اشغال أبناء الحجاز وشعوب العالم العربي والإسلامي بالفسق والفجور ومهرجانات الرياض الداعرة وغيرها.
"وُلدت في مخيم خان يونس، في زمن كانت فيه فلسطين ذاكرة ممزقة وخرائط منسية على طاولات الساسة،عرفتُ منذ نعومة أظافري، أن الحياة في هذه الأرض ليست عادية، وأن من يولد هنا عليه أن يحمل في قلبه سلاحا لا ينكسر، وأن يعي أن الطريق الى الحرية طويل، وتبدأ من ذاك الطفل الذي رمى أول حجر على المحتل، والذي تعلم أن الحجارة هي الكلمات الأولى التي ننطق بها في مواجهة العالم الذي يقف صامتًا أمام جرحنا. تعلمتُ في شوارع غزة أن الإنسان لا يقاس بسنوات عمره، بل بما يقدمه لوطنه"- الشهيد السنوار.
ويؤكد بوب في كتابه أن القادة العرب الذين التقاهم بلينكن بعد أيام من "طوفان الاقصى" أي يوم 14 اكتوبر، هم عبدالله الأردني، السيسي، بن زايد، بن خليفة، تميم و"بن سلمان" كانوا متفقين على ما قاله ملك الاردن وهي “حذرنا إسرائيل من حماس، حماس هي جماعة الإخوان المسلمين، ويجب على إسرائيل أن تهزم حماس، لكنني لا استطيع قول ذلك علنا”.
لكن ما قاله وزير خارجية أل سعود فيصل بن فرحان كان أكثر إثارة لوزير خارجية امريكا، “كان على إسرائيل أن لا تأمن لحماس، وقد حذرنا نتنياهو من ذلك مراراً، فحماس جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة إرهابية لا تحاول القضاء على إسرائيل فقط، بل تريد الإطاحة بزعماء عرب آخرين، ونحن قلقون على أمننا جميعا، وما سيأتي بعد حماس قد يكون أسوأ، فداعش جاءت بعد القاعدة وهي أسوأ منها”.
ويقول مراقبون إن فيصل نقل قول ولي العهد السعودي لبلينكن، فهو ينتشي كثيراً من كل مديح يشبهه بجده بن سعود، واجتمع الجد والحفيد على أمور كانت عاقبتها فادحة على بعض جيران بلاد الحجاز، فضلا عن العداء لبعض دول الإقليم، ناهيك عن سياستهما الداخلية، ولم يكن الجد يجمع في يديه صلاحيات واسعة لحاكم مُطلق التصرف كما الحال، لكن بين الحفيد والجد تشابهات كثيرة في خيانة الأمة وقضاياها المصيرية.
فاستراتيجية العداء لقضية الأمة فلسطين وعدم الاعتناء بها تؤكد أن "بن سلمان" لم يختلف عن جده في شيء؛ اللهم إلا في التسرع والعجلة وعدم التحوط والسرية التي عُرف بها عبد العزيز آل سعود؛ و"بن سلمان" صرح في مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية بأن للإسرائيليين كما للفلسطينيين "الحق" في أن تكون لهم أرضهم.. وأنه ليس هناك أي اعتراض ديني على وجود دولة إسرائيل.
لمن المجحف جداً القياس بين رجل حر أبي مقاوم شجاع رهن كل حياته وأنفس ما يملكه الإنسان في سبيل قضيته وشعبه وتحرير قبلة المسلمين الأولى واستشهد بطريقة امتدحه العدو قبل الصديق وهو يحمل بندقيته وعصاه، وبين من يبيع كل الأمة بعرش متزلزل "طفل مدلل مرعوب مفزوع" - وفق بلينكن الذي كشف أن لدى "بن سلمان حقيبة بها حوالي 50 هاتفًا مؤقتًا غير قابل للتتبع Burner Phones" ما يدلل على خوفه وفزعه على حياته من أفراد أسرته وأقرب المقربين اليه رغم حماية تضم المئات من أفراد "بلاك ووتر".
"أكتب هذه الكلمات، استحضر كل لحظة مرت في حياتي: من طفولتي بين الأزقة، إلى سنوات السجن الطويلة، إلى كل قطرة دم أُريقت على تراب هذه الأرض.أنا الرجل الذي نسجت حياته بين النار والرماد، وأدرك مبكرًا أن الحياة في ظل الاحتلال لا تعني إلا السجن الدائم. الحرية ليست مجرد حق مسلوب، بل هي فكرة تولد من الألم وتُصقل بالصبر. لا تُفاوضوا على ما هو حق لكم. إنهم يخشون صمودكم أكثر مما يخشون سلاحكم. المقاومة ليست مجرد سلاح نحمله، بل هي حُبنا لفلسطين في كل نفَس نتنفسه، هي إرادتنا في أن نبقى، رغم أنف الحصار والعدوان" - الشهيد السنوار.
هذا الرجل الذي وصف اعدائه موته بأيقونة الشجاعة والبطولة، وحرم إسرائيل من إخراج صورة تجعل موته يمنحها نصرا تبحث عنه كما اعتادت في كل عمليات الاغتيالات التي جرت بتخطيط مسبق"، حيث قالت شبكة "بي بي سي" البريطانية، إن "السنوار لم يختبئ بين النازحين، أو يلجأ الى سجناء العدو، أو يتراجع الى الأنفاق، وإنما ظل مقاتلا حتى النهاية".
وعبدالعزيز وابنائه واحفاده يتلازم اسمهم وذكرهم بالخيانة والعمالة والنفاق والغدر والحقد والكراهية الغليظة لكل ما يهم الأمة العربية والاسلامية وفي مقدمتها فلسطين وشعبها الأعزل منذ رسالته للسير بيركسي ومنح فلسطين لليهود وحتى يومنا هذا.. خيانة تلو اخرى، وغدر يتلو آخر، وحقد يتبعه طعن بظهر المقاومة (انتفاضة 1936 وما بعدها من الحروب الإسرائيلية العربية والعدوان على غزة المتكرر)، وفتاوى نفاق وعاظ بلاطهم التي مزقت الأمة وقطعت أشلاؤها وأحرقت الأخضر واليابسة.
وصحيفة "الغارديان" البريطانية تكتب مفتخرة، أن "السنوار قُتِل مرتديًا زيًا قتاليًا وسترة قتالية بعد معركة شرسة قام خلالها بإطلاق النار وإلقاء القنابل اليدوية على الجنود الإسرائيليين، حتى أنه ضرب طائرة بدون طيار تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بعصا خشبية، ألقاها بذراعه الوحيد السليم، في لفتة أخيرة من التحدي، جعلت منه أيقونة وبطلا قوميا حارب حتى النهاية".
فيما صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية كتبت، إن "خبر مقتل زعيم حماس يحيى السنوار، أثار الحزن في جميع أنحاء العالم العربي، وتم الإشادة به كونه مقاتلا في ساحة القتال حتى الرمق الأخير.. أن مقتل السنوار أثار مقارنات مع أبطال المقاومة العرب، مثل المقاتل الليبي المناهض للاستعمار عمر المختار، الذي قال مقولته الشهيرة: حياتي ستكون أطول من حياة شانقي".
ارسال التعليق