من الاستعمار العجوز الى راعي البقر.. هدف وجود آل سعود واحد
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري
دافع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حديث بمناسبة عيد الشكر من منتجعه في فلوريدا عن موقفه المتمسك بعلاقة وثيقة مع السعودية، قائلا: "الحقيقة هي أن السعودية مفيدة جدا لنا في الشرق الأوسط، لو لم يكن لدينا السعودية لما كانت لدينا قاعدة ضخمة، وإذا نظرت إلى إسرائيل بدون السعودية فستكون في ورطة كبيرة. ماذا يعني هذا؟ هل على إسرائيل أن ترحل؟ هل تريدون رحيل إسرائيل؟"، وشدد "السعودية حليف مهم، وإذا اتبعنا معايير معينة فلن يتبقى لدينا حلفاء من أي دولة تقريبا"؛ مشيراً إلى ما يراها مكاسب من الصفقات المليارية المبرمة مع السعودية، فقال "لدينا مئات الآلاف من الوظائف، فهل يريدون حقا مني التخلي عن مئات الآلاف من الوظائف".
أمن "إسرائيل" أولا وثروات المملكة والدول الخليجية ثانيا، هي بداية ونهاية السياسة الأمريكية الستراتيجية في منطقتنا العربية والتي تعود جذورها لقرن من الزمن، أرسى أصولها الاستعمار البريطاني ذلك الثعلب العجوز بتوقيعه "اتفاقية دارين" التي تم توقيعها في 26 ديسمبر/كانون الأول 1915 بين الملازم "بيرسي كوكس" وعبد العزيز آل سعود معاهدة في جزيرة دارين المقابلة للقطيف، وصادق نائب ملك بريطانيا وحاكم الهند في يوليو/تموز 1916م على هذه المعاهدة شديدة الأهمية في تاريخ الدولة السعودية الثالثة، اعتُبرت بمقتضاها المملكة دائرة بصورة كلية في فلك السياسة البريطانية أولا وأخيرا؛ تم بموجبها حصول عبد العزيز آل سعود على مرتبات شهرية (5000 آلاف جنيه إسترليني) ودعم تسليحي سخي، مقابل دعم وحماية آل سعود من تأسيس الدولة الاسرائيلية مستقبلاً ووضع نفط الجزيرة العربية تحت تصرف الاستعمار البريطاني (محمد حسن العيدروس: اتفاقية "دارين" لعام 1915).
سياسة "ترامب" قائمة على إستحصال المال السعودي لحماية العرش ولذا نرى أنه في كل مناسبة يذكّر سلمان وولي عهده محمد بأنهم في الحكم بسبب الحماية الأمريكية وعليهم الدفع، حيث لولا هذه الحماية لانهار نظام آل سعود في وقت قصير؛ وهو ما أكده "ترامب" في حديثه لقناة “NBCNews” الأمريكية قبل يومين قائلاً: "تحدثت الى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مجدداً وقلت له عليك أن تدفع.. فردّ علي: نعم أدفع". مضيفاً أن هناك عملية مكلفة للغاية.. عليهم دفع ثمنها. لا نريد حماية السعودية وأي شخص دون الحصول على تعويض.. "إن أمريكا بحاجة لأموال السعودية، وإنه لا ضرورة لإجراء المزيد من التحقيقات في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قُتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، بالثاني من أكتوبر الماضي.!!. لا نريد أن نخسر من يشتري السلاح منا بقيمة مئات مليارات الدولارات.. السعودية هي مشترٍ كبير لمنتجات أمريكا؛ هذا يعني شيئاً بالنسبة لي، إنها منتج كبير للوظائف".
"سيتفاجأ العرب ذات يوم أننا قد أوصلنا أبناء إسرائيل الى حكم بلادهم!"- من أقوال غولد مائير زعيمة حزب العمل الصهيوني، ورابع رئيس وزراء للحكومة الصهيونية من 1969 حتى 1974، تلك التي لقبها الغربيون "بأم إسرائيل الحديثة"، وتعد أخطر أمرأة في تاريخ الكيان الصهيوني؛ ومن قبل ذلك كان "تيودور هرتزل" مؤسس الصهيونية قد قال: "سنولي عليهم سفلة قومهم، حتى يأتي اليوم الذي تستقبل فيه الشعوب العربية جيش الدفاع الإسرائيلي بالورود والرياحين".
وعد بلفور او تصريح بلفور (Balfour Declaration) الرسالة التي أرسلها "آرثر جيمس بلفور" بتاريخ 2 نوفمبر 1917 الى اللورد "ليونيل والتر دى روتشيلد" يشير فيها لتأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. جاءت تبعاً لما كتبه الملك عبد العزيز آل سعود بخط يده في العام ذاته للضابط البريطاني “بيرسي كوكس”، والتي كانت بداية خيانة آل سعود للأمة وقضاياها العادلة وبيعهم للقضية الفلسطينية، ونصها: “أنا السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل ال سعود أقر واعترف ألف مرة، للسيد برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى، لا مانع عندي من أعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم وكما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها، حتى تصيح الساعة”.
اتفاقية الامير فيصل ممثل ملك الحجاز مع "حاييم وايزمان" الصهيوني الحاقد على العرب والمسلمين وأول رئيس لدولة "اسرائيل" والتي وقعت عام 1915، هي الاخرى أحد أهم أركان إنشاء "الدولة الاسرائيلية" على أرض فلسطين والتي تم اعتمادها في اتفاقية باريس سنة 1919 لتطبيق "وعد بلفور" المشؤوم؛ فيما تشير الوثائق الى لقاءات عديدة بين مستشارين للملك عبدالعزيز وقادة ومستشارين صهاينة. من بينها لقاء في لندن بين "ديفيد بن غوريون" وسفير السعودية في ثلاثينيات القرن المنصرم. لقاء آخر بين "بن غوريون" و"موشيه شيرتوك" من جهة، وبين "حافظ وهبة" أحد كبار مستشاري الملك عبدالعزيز من جهة أخرى- وفق ما كشف عنه "ميخائيل كهنوف" في كتابه "المملكة العربية السعودية والصراع في فلسطين"، وهو عبارة عن أطروحة دكتوراه في جامعة تل أبيب، والكاتب هو الضابط السابق في وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الخمسينيات، ولاحقاً مسؤول رفيع في الموساد.
يقول "حاييم وايزمان" أول رئيس للكيان الصهيوني (17 فبراير 1949 – 9 نوفمبر 1952) قد كتب في مذكراته نقلاً عن "تشرشل" رئيس الوزراء البريطاني آنذاك قوله له: إن "إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول، والمشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الاسرائيلي بواسطته". وقبل أيام نقلت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الصهيونية حواراً نادراً مع دبلوماسي سعودي، لم تكشف عن إسمه، قوله “أنه بالنسبة للمملكة والدول الخليجية ومصر والأردن، فأن زمن الحرب مع إسرائيل قد أنتهى وأن مزايا تطبيع العلاقات كبيرة للغاية. وأضاف أن التاريخ قد أتاح فرصة لتحقيق ذلك، معربا عن أمله في أن تنتهز إسرائيل هذه الفرصة"، كاشفاً عن استعدادهم لاستثمار مبالغ ضخمة في “صفقة القرن”.
"كاهانوف" إستعان في كتابه الى مصادر متنوعة من الأرشيف البريطاني ومذكرات قادة الوكالة اليهودية. وذكر بوضوح تقبّل عبد العزيز لفكرة "وجود اليهود على أرض فلسطين ورفض مقاومتهم". في إشارة واضحة لأخطر ما قام به "أبن سعود" وهو إخماده الثورة الفلسطينية عام 1936 ضد المستعمر الإنجليزي، والتي إندلعت بعد مقتل عزالدين القسام (شيخ المجاهدين) على يد الإنجليز، تخللها إضراب شامل ضد الإنجليز (يقال أنها استمرت 183 يوماً)، فقدت بريطانيا على إثرها السيطرة على كل من القدس ونابلس والخليل. وحاولت بريطانيا قمع هذه الثورة لكنها لم تستطع، فلجأت إلى ملك الأردن والذي بدوره فشل فشلاً ذريعاً في إيقاف الثورة، عندها لم تجد بريطانيا أمامها سوى أبن سعود، الذي عرف عنه الخبث والدهاء، والذي بعث ببرقية "نداء" للفلسطينيين يقول فيها "لقد تألمنا كثيراً للحالة السائدة في فلسطين فنحن بالاتفاق مع ملوك العرب والأمير عبدالله ندعوكم للإخلاد الى السكينة وإيقاف الإضراب حقناً للدماء. معتمدين على الله، وحسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية، ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل، وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم".
انهى "أبن سعود" الثورة الفلسطينية عام 1936 والتي كادت أن تنهي الاستعمار البريطاني لفلسطين لولا تدخل عبد العزيز وأبنه (فيصل) آنذاك. وتبين الوثائق البريطانية أن عبد العزيز أبن سعود دخل عام 1943 في مفاوضات سرية مع كل من حاييم وايزمان (رئيس الوكالة اليهودية في فلسطين) وروزلفت (الرئيس الأمريكي آنذاك) بحضور جون فليبي (مستشار ابن سعود) لبيع فلسطين مقابل (20) مليون جنيه استرليني. كما يروي حمادة إمام في كتابه "دور الأسرة السعودية في إقامة الدولة الإسرائيلية" (مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى 1977) فصولاً من تواطؤ عبد العزيز لمصلحة رغبات بريطانيا ومصالحها.
ارسال التعليق